من البیئة

مبادرة تحول أسطح المنازل الجرداء الى جنائن

  • 2025-02-17
مبادرة تحول أسطح المنازل الجرداء الى جنائن
السليمانية/ 2024/ سطح منزل تم تحويله الى حديقة   تصوير: بوار قادر
بوار قادر

منظر النباتات والأزهار المتنوعة يوحي إليك بأنك تتجول في إحدى الحدائق ولا تصدق بأنك واقف على سطح منزل بعدة طوابق.

تسعى مبادرة الأسطح الخضراء الصديقة للبيئة إلى تغيير التصورات الشائعة حول حدائق المنازل بشكل كامل؛ لكي تتوفر خضرة وأشجار وثيل في المنزل، لا يحتاج لأن يكون لديك فناء بمساحة كبيرة، بل مجرد سطح متين.

"الأسطح الخضراء لديها حل لكل شيء، يمكنك زراعة أي شجرة ترغب بزراعتها"، بحسب دانا كمال، مدير مشروع غرين سكيب (Green Scape)، الذي يعمل على تخضير أسطح المنازل والمباني العالية.

إلى جانب إضفاء الجمال الحفاظ على نظافة البيئة، يمكن لهذه المشاريع أن تصبح ملاجئ للحيوانات والطيور. كما أن فوائدها البيئية لا تحصى، بدءاً من تنقية الهواء وصولاً الى للاستفادة من مياه الأمطار، وفي النهاية حماية المنازل من أضرار البرد والحرارة العالية.

خضرة وسط الاسمنت الصلب

منذ عام 2013، تقوم الشركة التي يرأسها دانا كمال، بإنشاء الاسطح الخضراء ، نظراً لأن مساحات قليلة تخصص للخضرة في  اقليم كوردستان ومناطق أخرى من العراق مقارنة بالسابق ومعظم الأراضي تحول الى مباني.

ويقول دانا كمال (34 سنة)، وهو خريج هندسة الري ومبادرته رتبطة باختصاصه إن "الأسطح الخضراء توفر عزلاً جيداً ضد البرد والحرارة والضوضاء، وتمنع هدر المياه أو تضرر الأسطح بسبب الامطار ويؤدي الى إدامتها".

الأسطح الخضراء توفر عزلاً جيداً ضد البرد والحرارة والضوضاء

مبادرة الأسطح الخضراء هي عملية تخضير أي سطح صلب ما عدا التربة، أي الأسطح غير الطبيعية كأسطح المنازل، المرائب، خزانات المياه وحتى الجدران.

"نقوم بتخضير الجدران بطريقة الحدائق العمودية، وهو مهم جداً لأن الكل لديهم جدران ولا يخصصون أي مساحة جديدة لإنشاء حديقة، وهذه الطريقة لها إجراءاتها وطرقها الخاصة".

ويسلط دانا كمال الضوء على فوائد الأسطح الخضراء للبيئة، وكيف أنها تتطلب مياه أقل من الحدائق الاعتيادية لأنها تخزن المياه عن طريق طبقاتها المتعددة، "إذا كانت الحديقة الاعتيادية تحتاج يومياً لـ 14 لتر من الماء لكل متر مربع ، فإن الأسطح الخضراء تحتاج فقط إلى 12 لتراً".

sarbani sawz (15)
السليمانية/ 2024/ العمل في بناء سطح أخضر لأحد المنازل. تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

الأسطح الخضراء تؤدي الى امتصاص مياه الأمطار، بدلاً من أن تتدفق إلى المجاري وتتسبب في حدوث فيضانات في بعض الأحيان.

"الذين يبنون الأسطح الخضراء هم غالباً أصحاب الكافيتريات ، الفلل والمشاريع، لأنهم يبنون الشقق على مساحات صغيرة ، لذا يبنون أسطح خضراء من أجل إكمال النسب المطلوبة تخصيصها للخضرة "، بحسب دانا.

وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يساهم قطاع البناء بشكل واسع في تغير المناخ في العالم، حيث يعتبر مسؤولاً عن 21 بالمائة من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، ولحل هذه المشكلة تعطى الأولوية للتشجير والخضرة التي تعمل على امتصاص الغازات السامة وضخ الأوكسجين.

هوزار محمد، التي تعمل في مجال تخصصها منذ تخرجها من قسم الغابات في الجامعة، أشرفت على إنشاء متنزه هواري شار وتعمل حالياً ن في شركة (Green Scape)، وهي التي أشرفت بنفسها على إنشاء المساحات الخضراء على الأسطح.

" العمل في مجال الأسطح الخضراء أكثر تعقيداً من تخضير حديقة اعتيادية، يجب أن يتولى ذلك شخص ذو خبرة، لأن تربتك يجب أن تكون خفيفة وتحتوي على ما يكفي النباتات من العناصر الغذائية في عمق قليل".

وتقول هوزار إنها تمزج أربعة أنواع من بذور الثيل للحصول على ثيل دائم الخضرة الى جانب النباتات التي تزرع، "تكون لها نفس فوائد وجمال الحديقة الاعتيادية، يمكنهم أيضاً زراعة بعض أنواع الخضروات".

وتشير الأمم المتحدة الى أن العراق يخسر سنوياً 10 آلاف دونم من الأراضي الخصبة، نظراً لكونه خامس أكثر دول العالم تأثراً بتداعيات التغير المناخي، حيث يعتبر شح المياه والجفاف من أبرز علاماتها الرئيسية.

يشترط في الأسطح الخضراء أن يكون المنزل أو المبنى متيناً ويتحمل وزن التربة، المياه والنباتات، "لحسن الحظ، العديد من المباني تتوفر فيها هذه الشروط"، بحسب دانا كمال، الذي يتولى عن طريق فريق هندسي فحص الأسطح للتحقق من عدم وجود تسرب، ومعالجه إن وجد.

يجب أن يكون السطح مزودا بسياج ومنافذ لتصريف المياه، حينها يتم البدء بنصب الحديقة على عدة مراحل، العمل الأهم هو نصب أربع طبقات خاصة، كل طبقة لغرض معين على أن لا يتجاوز سمك كل طبقة 7 سنتيمترات. الطبقة الأولى تسمى حاجز الجذور ولا يمر من خلالها الماء، هذه الطبقة تمنع جذور النباتات من السقوط على السطح. ويتم رفعا في محيط الحديقة لكي لا تتسرب المياه للأسطح ولا تسبب لها أضرار.

الطبقة الثانية تسمى الفرش الحافظ وتقوك بحماية الطبقة الأولى، أما الطبقة الثالثة فتشبه طبقة البيض وتعمل على خزن الماء بحيث يكون الماء متوفراً للنباتات بشكل دائم، وحين يزيد الماء عن الحد المقرر ترسله عبر منفذ الماء. الطبقة الأخيرة تسمى الغطاء المرشح، يمر من خلالها الماء فقط وتمنع دخول أي شيء سوى الماء إلى الطبقات الأخرى.

وقال دانا إن التربة المستخدمة في المشروع ليست تربة اعتيادية، بل هي مزيج من نسب محددة من (الرمل، التربة الزراعية، الكومبوست، البتموس و وصخور بركانية)، التربة الزراعية وسماد الكمبوست ينتجان محلياً أما البقية فيتم استيرادها، فضلاً عن ذلك يتم نصب نظام ري اوتوماتيكي. 

أصدقاء البيئة في ازدياد

تقول المهندسة المدنية باخان كامل، التي تكتسب خبرة في مجال بناء الأسطح الخضراء منذ سنوات، " أحب العمل في مجال الخضرة، وأنا سعيدة لأن الاقبال يزداد تدريجياً على الأسطح الخضراء".

sarbani sawz (1)
السليمانية/ 2024/ سطح منزل تم تحويله الى حديقة. تصوير: شركة خيرا هاوس.

وتوضح باخان بأن الأسطح يتم التحقق منها مسبقاً، "جميع أبنيتنا متنية بحيث تتحمل التربة والمياه لأن وزن التربة قليل ولا يسبب أضرار لهيكل المبنى".

بالإضافة إلى المساعدة في تنظيف الهواء، تعمل الأسطح الخضراء أيضًا على تقليل الانبعاثات الغازية، نظراً لأن المنازل ستحتاج الى أجهزة تكييف أقل لأن الحديقة ستلعب دور عازل.

"حتى الآن، أنشأنا أكثر من 20 ألف متر مربع من الأسطح الخضراء في أكثر من 60 مبنى"، وأضاف دانا كمال إن هناك ست شركات أخرى تعمل في مجال الأسطح الخضراء في السليمانية.

"توجد في السليمانية مئات الأسطح الخضراء، وهناك عدد كبير منها في أربيل وبدأ إنشاؤها في بغداد أيضاً".

شركة (Green Scape) كانت يصلها فيما مضى ما بين طلب واحد كل سنتين أو ثلاث سنوات لإناء أسطح خضراء، أما الآن فيصلها طلبان أو أكثر سنوياً، كما تساعد الشركة طلبة الجامعات، بالأخص طلبة أقسام هندسة الري والهندسة المعمارية، لكي يستفيدوا من المبادرة في أبحاثهم.

ويقول شاخوان صالح (31 سنة) إن العمل على الأسطح الخضراء أسهل مقرانةً بالحدائق الاعتيادية، "أعمل على تهيئة التربة ونصب أنظمة الري، هذا العمل أسهل لي نسبياً لأن التربة ناعمة ولا تتطلب استخدام المجرفة، كما أن صيانتها السنوية أسهل مقارنة بالحديقة الاعتيادية".

الحديقة جزء أساسي من كل منزل

يقع منزل هوكار عزيز (35 سنة) في أحد أحياء مدينة السليمانية وقد حول سطح منزله منذ سنوات الى سطح أخضر.

"لم يكن لدي فناء أو مساحة تفي بالغرض في منزلي لكي أتمكن من زراعة النباتات فيها، بالنسبة لي، المنزل بدون حديقة كمنزل بدون أبواب أو شبابيك، لذا قمت بتخضير مساحة 20 متر مربع في سطح منزلي".

هاوكار يعمل مهندساً، لذا فهو ملم بالمقاييس والأوزان الواجب مراعاتها، "فرش السطح بالتربة سيكون مفيدًا جدًا لتكييف درجة حرارة المنزل، لكن هذه العملية مكلفة للغاية وليست بمقدور الجميع".

تعمل الأسطح الخضراء كعازل للحرارة والبرودة وحتى الضوضاء، الذين أنشأوا أسطح خضراء لا يحتاجون إلى استخدام أجهزة التكييف مقارنة بالمنازل ذات الأسطح الجرداء.

سرحد محمد (50 سنة)، من سكنة قضاء دربنديخان، أنشأ على سطح منزله المكون من ثلاثة طوابق والبالغ مساحته 300 متر مربع حديقة مساحتها 100 متر مربع باستخدام تقنيات لا يريد الكشف عنها ويقول بأنها سر المهنة، "كل المواد محلية وبسيطة وكلفتها أقل من التي تبنيها الشركات، مع ذلك فالكلفة ليست قليلة ويتطلب الأمر جهداً كبيراً".

" بنيت هذا السطح الأخضر منذ ثلاث سنوات، ولا توجد هناك أي مشاكل"، استخدم سرحد التربة الاعتيادية حتى أنه وزرع فيها الباقلاء ليستفيد من أزهارها لتربية النحل ، في البداية زرع فيها البامياء واكتفى بمحصولها لمدة عام.

يقول سرحد بأنه استفاد كثيراً من حديقته ويحبها، "لا أستطيع العيش بدون الخضرة والحدائق".

الأسطح الخضراء مفيدة للطيور والفراشات وبعض الحشرات الأخرى التي تتراجع أعدادها تدريجياً بسبب تلوث الهواء وقلة المساحات الخضراء.

الأستاذة الجامعية شاناز جلال لديها قصة مختلفة. بدلاً من السطح، بنت حديقة على ألواح الكاشي المستخدمة لتبليط فناء منزلها لأنها حين اشترت المنزل علمت أنه حتى بإزالة ألواح الكاشي لن تتمكن من الوصول بسهولة إلى التربة.

أجور الشركة كانت مرتفعة، لذلك قررت بناء الحديقة مع أفراد عائلتها على عدة مراحل، ونجحوا في تخضير الفناء عن طريق فرش الرمل والتربة الاعتيادية.

الآن توجد في الحديقة أشجار صنوبر، سياج أخضر، أشجار برتقال وثيل. "الثيل أكثر مقاومة مقارنة بثيل الحدائق الأخرى لأن أسفلها دافئ ولا يؤثر عليها البرد، وهي تحتاج للماء كأية حديقة اعتيادية"، حسبما أوضحت شاناز.

الكلفة أحد التحديات

إن التحدي الأكبر الذي يواجهه مروع الأسطح الخضراء والذي يجعل الكثيرين يتجنبونها متمثل بالكلفة العالية.

وأشار دانا كمال إلى أن "الكلفة مرتفعة جداً وتبلغ 10 أضعاف كلفة بناء حديقة اعتيادية، حيث يكلف المتر المربع الواحد للحديقة الاعتيادية ما بين 10 إلى 15 دولار ، في حين يكلف المتر المربع الواحد للأسطح الخضراء 80 إلى 100 دولار".

sarbani sawz (6)
السليمانية/ 2024/ تحويل سطح أحد المنازل الى سطح أخضر  تصوير: بوار قادر

يجب أن تكون مواد ومستلزمات الأسطح الخضراء ذات جودة عالية لضمان نجاحها. واستشهد دانا بحديقة بنيت على جسر في السليمانية كمثال، حيث جفت أزهارها ونباتاتها بسرعة لأنهم استخدموا تربة اعتيادية فقط بدون فرش أي طبقة قبلها.

مشروع الأسطح الخضراء يستغرق وقتاً طويلاً، كلما وضعت طبقات المشروع بصورة جيدة ومدروسة، ستنمو الأشجار والخضرة بشكل أفضل.

ويقول المتحدث باسم دائرة بيئة السليمانية، مصطفى جمعة، "نحن ندعم كل من يبني حديقة على سطح منزله لأنها تعتبر مساحات خضراء".

بشأن المشاريع السكنية، أوضح مصطفى بأنه حين يحول أصحاب المشاريع أسطح المباني الى حدائق فتحتسب لهم نصف المساحة التي على الشركة تخصيصها للمساحات الخضراء في إطار المشروع السكني، "إذا كانت الشركة ملزمة بتشجير 100 متر مربع ، فإن بناء حديقة بنفس المساحة على أسطح المباني يعادل 50 متراً مربعاً وعلى الشركة إنشاء مساحة خضراء قدرها 50 متر مربع على الأرض".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT