ادراج مشروع قانون جرائم المعلوماتية على جدول اعمال مجلس النواب، اعاد الجدل في الاوساط الصحفية والمدافعة عن حقوق الانسان، والتي تعد بعض فقراته بـ"الدكتاتورية"، والمكبلة لحرية التعبير.
فعلى الرغم من ان اللجان النيابية المعنية بالقوانين طالبت رئيس البرلمان محمد الحلبوسي التريث في القراءة الثانية لمشروع قانون جرائم المعلوماتية، وقراءة أي تقرير عن المشروع صادر عن غيرها من اللجان، لحين البحث مع اصحاب المصلحة في هذا القانون، لكنه وبحسب بيان لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، "لم يكترث" وادرجه على جدول اعمال جلسة يوم الخميس 14 اذار 2019، وهو ما وصفته الجمعية بانه "تصرف دكتاتوري" يشير الى الاتفاقات السياسية التي تحاول التضييق على حرية التعبير.
وخلال جلسة البرلمان المذكورة، تقدمت لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب العراقي بطلب رفع فقرة مناقشة التقرير الخاص بمشروع القانون، من جدول اعمال الجلسة، وهو ما تم فعلا.
تشمل حتى المواد البريئة مثل الرسوم الكاريكاتورية للسلطات أو المقالات الساخرة التي تتناول تصرفات السلطة.
هذا الجدل المثار حول مشروع القانون، سببه عدد من الملاحظات التي يقول المعترضون عليه، انها تسعى لتقويمه بما يجعله قانونا ينظم الحريات ويحمي المواطن لا ان يكون "رصاصة دكتاتورية بقلب الديمقراطية العراقية".
ولعل ابرز تلك الملاحظات الجوهرية، ما شخصه استاذ القانون الدستوري د. غسان مطر : بإن "التعريف الفضفاض لكلمة (تشهير) يهدد النقد الأساسي والضروري للسياسة وصانعيها".
ويوضح مطر في منشور على موقعه في (فيس بوك) انه : بحسب مسودة القانون، فإن الأشخاص الذين يستخدمون الانترنت "لإضفاء تعابير أو صور أو أصوات أو أي وسائل أخرى تتضمن... الإهانة للآخرين" يكونون عرضة للسجن ضمن عقوبة أقصاها السجن لمدة سنتين ودفع غرامة تتراوح ما بين 3 إلى 5 ملايين دينار عراقي (المادة 22.3).
أما السجن مدى الحياة فهي عقوبة من يستخدمون الانترنت "لأذية سمعة البلاد" (المادة 6.1)، وكذلك هي عقوبة من "نشر أو بث أنباء عن أحداث مضللة بهدف إضعاف الثقة في النظام المالي الالكتروني، الوثائق التجارية أو المالية الالكترونية، أو أشياء مشابهة، أو الإضرار ... بالثقة المالية في الدولة" (المادة 6.3).
وهنا يؤكد مطر : "يجب أن يكون التشهير مسألة مدنية. وحتى عندما يكون التشهير جريمة مدنية، يجب الفصل تماما ما بين الدولة كدولة والهيئات التي تعرضت (سمعتها) للتشهير، بما أن الحاجة إلى نقد الدولة ركنا أساسيا من أركان الديمقراطية الحقة".
وتابع : "لكن بالوضع الذي كتبت عليه المسودة حالياً، فإن المادة 6 بفقرتيها 6.1 و6.3، يمكن أن تمنع فعليا مجرد النقاش حول النظام الاقتصادي أو المالي أو الإداري للدولة ناهيك عن توجيه أي نقد له. كما إن أي نقاش مقنع ومستند إلى الحقائق وناقد للوضع الحالي يهدف إلى تشجيع الإصلاح، سيضعف الثقة في نظام الدولة بسبب وضعه الحالي وذلك في المنظور القريب على الأقل".
وعلى النسق نفسه، فإن المادة 22.3 ومن خلال مفهومها الفضفاض لكلمة "إهانة" يمكن أن تشمل حتى المواد البريئة مثل الرسوم الكاريكاتورية للسلطات أو المقالات الساخرة التي تتناول تصرفات السلطة، بحسب استاذ القانون الدستوري.
السجن مدى الحياة وغرامات تتراوح ما بين 25 إلى 50 مليون دينار عراقي.
يبين مطر ايضا : إن "تعريف الجرائم التكنولوجية ذات العلاقة بـ "الأمن" يعاني هو الآخر من الفضفضة، وهذا بدوره يهدد مساحة إعادة تقييم سياسة الدولة في المجال الأمني أو الكلام عنها".
وشدد على إن "تجريم نشر الأفكار أو مناقشتها حتى إن كانت أفكارا حول الأمن الوطني يجب أن يرقى إلى معايير تقيس مدى خطورة التهديد المزعوم أو مدى احتمال أن يكون تهديداً خطيرا ومباشرا على أمن الشعب على أرض الواقع. ولكن العديد من مواد مسودة القانون لا ترقى إلى مثل هذه المعايير".
"إن إنشاء موقع الكتروني أو إدارته بهدف تشجيع أو تسهيل تنفيذ أفكار هدامة للنظام العام" (المادة 4.1)، و"نشر معلومات حول إعداد واستخدام المواد القابلة للإشتعال أو المتفجرة" (المادة 4.3)، أو "نشر معلومات حول استعمال مواد لتغيير الفكر" (المادة 5.2)، جميع هذه المواد يقول مطر انها لاترقى إلى المعايير المذكورة.
ويستمر في ايضاحه : إن "المواد المقابلة للمادة 4 (4.1 وكذلك 4.2)، كان قد تم استخدامها ضد الصحفيين الذين يكتبون عن حدوث هجوم إرهابي مثلا. وسيسمح هذا القانون بمضايقة الصحفيين قانونيا لمجرد أن يكتبوا عن مشكلة استخدام المخدرات في منطقة معينة ما يمكن استخدامه لمعاقبة صحفي انتقد مثلا أحد السياسيين"، ويستدرك : "بالفعل ففي مسودة قانون الانترنت لايتم تجريم هذه الأفعال التي تم تعريفها بشكل فضفاض وحسب، ولكنها تخضع أيضا لعقوبات قاسية جدا".
وتتضمن العقوبات الرادعة التي ينص عليها القانون السجن مدى الحياة وغرامات تتراوح ما بين 25 إلى 50 مليون دينار عراقي (ما بين 16 ألف إلى 32 ألف دولار أمريكي وهو أكثر بعشر مرات من دخل المواطن العراقي العادي). وهكذا فإن العقوبة غير متوازنة على الإطلاق مع التهديد المزعوم.
كما تفتقد مسودة القانون، بحسب مطر، الأنواع الأخرى الضرورية من الحماية للمخبرين في القطاعين الخاص والعام، "إذ تمنع المادة 7 والمادة 9 اعتراض البيانات المالية، كما تحظر المادة 19.1 نشر أي مواد تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، وهو ما يجب – والكلام للخبير القانوني - تعزيز هذه المواد بفقرة تسمح بمثل هذا النشر إن كان يصب في المصلحة العامة".
الأشكال الجديدة لوسائل الإعلام يمكن حظرها ومنع استخدامها بالكامل في العراق.
وكمثال على ذلك يوضح مطر أنه "في حال تلقى أحد الصحفيين بريدا الكترونيا من مجهول بخصوص احتيال ما يمارسه شخص في وظيفة عامة ولكن عن طريق بنوك خاصة مثلا، فإن مسودة القانون الحالية تجرم مثل هذا الفعل بغرامة تصل حتى 10 ملايين دينار عراقي والسجن لمدة عشر سنوات"، مبينا ان "مثل هذه العقوبة تشكل رادعا خطيرا في وجه قيام الصحفي بالكتابة عن الأمر حفظاً للمصلحة العامة".
في هذه الأثناء فإن الدخول بشكل كامل للحصول على المعلومات الخاصة بالأفراد من قبل السلطات مسموح به من دون أي عوائق. فمثلا "الامتناع عن تقديم أي معلومات أو بيانات للسلطات الإدارية" موضوع في خانة "الجريمة" بينما لا يوجد ما ينص على وجوب أن تقدم السلطات سببا أو مذكرة للحصول على هذه المعلومات (المادة 18). وتعطي المادة 13 أذنا مماثلا لـ "السلطات الأمنية والجهات المسؤولة عن إصدار الرخص". يقول مطر ان "هذا ما قد يسمح مثلا لأي من السلطات الحكومية بأن تطلب من وسائل الإعلام الكشف عن مصادر معلوماتها من دون أن تبرز أي سبب لمثل هذا الطلب".
وبحسب المادة 29 يمكن في أي محاكمة أن "تقرر المحكمة الحجز على أو إتلاف الأدوات والأجهزة والبرامج والآلات المستخدمة في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا التشريع." وهكذا فإن هذه المادة تتنكر للمبادئ الأساسية من مسار المحاكمات من خلال السماح بتدمير الأدلة قبل صدور الحكم أو استنفاذ أحكام الاستئناف.
ويشير مطر الى إن "فقرات مسودة القانون هذه تعني أن العديد من الأشكال الجديدة لوسائل الإعلام يمكن حظرها ومنع استخدامها بالكامل في العراق. وبما أن القانون يفشل في التفريق ما بين مستخدم الانترنت ومزود الخدمة (كمثال اليوتيوب أو الفيسبوك)، يمكن إغلاق مزود الخدمة كليا إن كتب أحد مستخدميه شيئا ما عن عقار غير مرخص مثلا. ويمكن أيضا إغلاق وسيلة إعلامية نتيجة خطأ ارتكبه أحد المدونين، ما يشجع على الرقابة الذاتية ما بين مستخدمي الانترنت والعاملين في إدارتها".
القانون يتضمن نحو 70 مادة عقابية جميعها ورد ذكرها في قانون العقوبات العراقي.
وشدد استاذ القانون الدستوري د. غسان مطر على ضرورة أن "تخضع مسودة قانون جرائم المعلوماتية للمراجعة من أجل إبراز المبدأ القائل بأن العبء يقع دوما على عاتق الدولة لإظهار أن الحد من الحريات يأتي دفاعاً عن الشعب تجاه خطر حقيقي محدق ومحتمل"، مؤكدا إن "فرصة المراجعة موجودة بما أن مسودة القانون تنتظر القراءة النهائية لها في مجلس النواب العراقي في الأسابيع المقبلة".
وختم بالقول : "إما إن لم تتم مراجعتها، فسيصبح هذا القانون حلقة أخرى من سلسلة القوانين الضعيفة التي تحتوي على العديد من الفقرات غير الليبرالية الموروثة من الإدارات الثلاثة السابقة في العراق، وقابلة للاستخدام في السنوات القادمة في البلاد بالرغم من أنها غير متوائمة مع معظم الالتزامات القانونية الأساسية التي التزم بها العراق بموجب دستوره الحالي والتزاماته الدولية".
وتقول جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، أن "نوابا من لجنتي الثقافة والاعلام وحقوق الانسان قاموا بإعداد خطة لانضاج القانون واستيعاب الاعتراضات، والموازنة بين التزامات العراق الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان وحماية الحقوق والحريات الدستورية، تتضمن اجتماعات وجلسات تشاورية وجلسة استماع للجهات المعنية بالقانون، قبيل القراءة الثانية للمشروع".
"هذا القانون يتعارض بشكل كبير مع الدستور العراقي، والاتفاقات والمعاهدات الدولية الموقع عليها، فضلا عن القوانين الاتحادية النافذة وابرزها (العقوبات رقم 111 لسنة 1969، المطبوعات رقم 206 لسنة 1968، حق المؤلف لسنة 1971، مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، مكافحة المخدرات لسنة 2017)"، مبينة أن "القانون يتضمن نحو 70 مادة عقابية جميعها ورد ذكرها في قانون العقوبات العراقي، اذ تجاهل القانون العديد من الضمانات الالكترونية للمستخدم العراقي". هذا ما اشارت اليه الجمعية في بياناها الذي تلقى (كركوك ناو)، نسخة مه.
يمكن أن تتيح للسلطات تجريم المعارضين بجنح وعقوبات غاية في القساوة.
من جانبه قال رئيس الهيئة الإدارية لمركز القلم العراقي، تحسين الزركاني، إن "تمرير القانون بصيغته الحالية مخالفة دستورية واضحة لا يمكن التغاضي عنها"، مشيرا إلى أن "عدة منظمات دولية ومحلية معنية بحقوق الإنسان وصحافيون ومدونون يراقبون عن كثب التشريعات والقوانين المتعلقة بالحريات".
ويؤكد الزركاني، في حديثه لـ(كركوك ناو)، ان "عدة خطوات دستورية وقانونية سيتم التحشيد لها فيما لو مررت مسودة قانون جرائم المعلوماتية بشكلها الحالي"، لافتا إلى أن "الجميع مع إقرار قانون يحمي المواطنين لا ان ينتهك حرياتهم وخصوصياتهم".
واضاف الزركاني، إن"الغموض ومطاطية الكثير من المفردات يمكن أن تتيح للسلطات تجريم المعارضين بجنح وعقوبات غاية في القساوة لا تتناسب مع حجم الافعال التي اعدت جرائم في نظر المشرع"، مبينا ان "المؤيدين للمسودة هم من يخشى ابداء الجمهور رأيه في إدارة الدولة ورقابة مؤسساتها".
مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا ان تمرير مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، على وضعه الحالي، فإنه يعيد البلاد الى مرحلة النظام السابق الذي اعتمد سياسة تكميم للافواه ، كونه سيحمي الطبقة السياسية بالمجمل حتى وان ارتكبت اخطاء دون القدرة على انتقادها بأي شكل من الاشكال، وهو ما وصفه البعض منهم بالانتهاك الصارخ لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور العراقي بعد 2003.
مصطفى سعدون مدير المرصد العراقي لحقوق الانسان هو الاخر وجد في مسودة القانون الحالية " تقييداً للحريات وليس تنظيمها".
ويقول سعدون لـ(كركوك ناو) : "من العنوان تتضح غاية القانون"، مبينا : "العنوان يعتبر بعض ما يكتب في المواقع الالكترونية على انها جريمة وهي محاولة لتخويف الناس وتقييد حرياتهم".
ويضيف سعدون : "الفقرات في القانون وبعض بنوده فضفاضة وليس فيها تعريفات ولا تتطابق مع مبادئ الحريات وحقوق الانسان العالمية، وبالتالي يراد من هذا القانون الحد من حرية التعبير".
التظاهر والطعن بالقانون في المحاكم المختصة.
وتوقع سعدون استخدام هذا القانون في "استهداف الخصوم السياسيين وايضا بعض الصحفيين والناشطين المدنيين"، مشددا على ضرورة ان "يعمل مجلس النواب على تعديل مشروع القانون وفق ما يتطابق مع مبادئ حقوق الانسان ومن ثم اقراره".
ويشير مدير الرصد العراقي لحقوق الانسان الى العمل مع منظمة العفو الدولية ومنظمات دولية اخرى على ارسال رسالة الى البرلمان العراقي من اجل ايقاف تشريع هذا القانون بصيغته الحالية، كاشفا عن خطوات مقبلة للضغط بهذا الاتجاه، منها "التظاهر والطعن بالقانون في المحاكم المختصة، بالاضافة الى القيام بحملة مدافعة وتشكيل مجاميع ضغط لايقاف تشريعه".
وفي الوقت الذي سجل به مركز (حقوق) الملاحظات العديدة على مسودة قانون جرائم المعلوماتية، فإنه يخشى ايضا من "تشريع القوانين المبطنة بعقوبات شديدة وبمواد ذات التفسير المتعدد والتي تهدف لإنهاء الأصوات التي تنتقد أداء السلطات أو توقف حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت".
وهنا دعا المركز الى "اخضاع مشروع قانون جرائم المعلوماتية إلى النقاش العام من خلال تعزيزه من قبل المتخصصين في مجال حرية التعبير للمساهمة في إرساء الديمقراطية، ليكون قانونا رصينا لا أداة تخويف رسمية يستخدمها المسؤولون متى ماشاؤوا".