الزقاق الذي يسكن فيه بيروز ابراهيم (57 عاما) بقضاء خانقين يعد عراقا مصغرا، هو كاكائية الاصل، ويسكنه عائلات شيعة المذهب واخرى سنية المذهب، كما ويعيش الكورد والعرب فيه، هذه هي قصة المدينة التي تعتبر مثالا للتعايش الديني والقومي.
بيروز تتحدث بحماسة عن التعايش والتعامل فيما بين الجيران، في تلك المدينة التي كانت باستمرار مكانا للصراعات السياسية والحزبية منذ اعوام، الا ان الصراعات لم تأثر على التعايش السلمي بين المكونات.
"ليست لدينا مشاكل قومية ودينية، انا ام لثلاثة بنات، تزوجت احداها من شخص سني واخر من شيعي والثالثة من شخص كاكائي، هذا التعايش ليس بجديد في خانقين ومستمر الى يومنا هذا"، هكذا بدأت بيروز كلامها حول التعايش القومي والديني بين الاديان والقوميات المتعايشة في قضاء خانقين.
التعايش السلمي بين مكونات خانقين لم تتأثر بالصراعات السياسة، على الرغم من المحاولات العديدة للجماعات المسلحة واستهداف الحسينيات والمساجد، او المزارات الدينية للكاكائيين، بهدف زرع الفتنة بين مكونات خانقين المتعايشة.
قضاء خانقين هو احدى الاقضية المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كوردستان بمحافظة ديالى، يسكنه خليط سكاني من العرب، الكورد والتركمان، مع المكونات الدينية مثل الكاكائيين والمسيحيين في السابق.
بيروز والتي تعتبر شاهدا للتعايش القومي والديني بين مكونات خانقين، نزحت الى مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار عندما كانت طفلة صغيرة، وتقول "كنا نشعر بالغربة في الرمادي، وعدنا الى خانقين بعد محاولات عديدة، هنا لا تشعر بالغربة مهما كانت قوميتك أو دينك".
"كانت تربطني سابقا علاقات وثيقة مع المسيحيين قبل مغادرتهم خانقين، كنت اذهب مع صديقاتي المسيحيات الى الكنائس لمشاركة مناسباتهم وافراحهم، كما وكانوا يأتون معنا لزيارة المزارات الدينية للكاكائيين، هنا يُحترم جميع الاديان والقوميات"، بيروز قالت ذلك.
يدعم الاهالي بعضهم البعض في الافراح والاحزان "هكذا نعيش نحن في خانقين، لا اترك مدينتي، ويجب اخراجي جثة هامدة منها"، هكذا انهت بيروز حديثها حول التعايش السلمي بين اهالي قضاء خانقين.
مزارع ومقابر اليهود، كنائس المسيحيين ومزارات الكاكائيين، جميعها تقع بالقرب من المساجد والحسينيات في خانقين، هذا دليل واضح على التعايش الديني والقومي بين مكونات القضاء المتعايشة.
مريم اسحاق، مواطنة مسيحية تسكن قضاء خانقين وتعرف نفسها بالمسيحية والوحيدة التي تسكن القضاء بعدما غادر المسيحيين المدينة اثناء الحرب العراقية - الايرانية.
وقالت مريم اثناء حديث مع (كركوك ناو) "تزوجت من شاب مسلم، ولذلك لم اترك خانقين بصحبة أهلي وبقيت في منزل زوجي".
تزوجت مريم قبل 50 عاما وتقول بأن حياة الزواج كانت مليئة بالحب والاحترام وتكن احتراما كبيرا لزوجها وجميع القوميات والاديان في خانقين.
"لم اتعرض يوما للتميز على أساس الدين والقومية ولم اتلقى نعرات طائفية، التعايش اصبح ثقافة لدى المواطنين في هذه المدينة، يشاركون في الافراح والاحزان بعضهم البعض... زرت شخصيا عدة مرات مرقد بابا محمود الكاكائي"، مريم قالت ذلك.
الناشط المدني، سرور علي والذي يسكن قضاء خانقين يعتقد بأن ثقافة المواطنين جعل من خانقين مدينة للتعايش القومي والديني، "العلاقات بين القوميات والديانات في خانقين علاقات وثيقة، بخلاف بعض المناطق التي تتدهور العلاقات فيها"، مضيفا "وبسبب وجود ثقافة قبول الاختلافات الدينية والقومية، لا تأثر الصراعات الحزبية والسياسية على العلاقات بين المواطنين".
وتابع "وبسبب ثقافة المواطنين، لم تتمكن الاحزاب السياسية والاطراف السياسية استغلال المسائل الدينية والقومية لصالحهم".
تقبل الاخرين اثرت بصورة ايجابية على المواطنين في خانقين واسفرت عن حالات زواج لا تعد ولا تحصى بين القوميات والاديان المختلفة.
شيرين علي (27 عاما) مسلمة سنية تزوجت بشاب من اتباع الديانة الكاكائية قبل اربعة اعوام وهي الان ام لثلاثة اطفال تقول "نمر بتجربة زواج ناجحة، صحيح كل منا يتبع ديانة مختلفة، الا ان ذلك لم تؤثر على علاقتنا".
وجاءت هذه الحالة في وقت لا يسمح الدين الاسلامي بزواج مسلم من غير الكتابيات، كما ولا يسمح بزواج المسلمة من غير المسلم، وفي الديانة الكاكائية الزواج من غير الكاكائيين غير مقبول.
وتابعت شيرين "على الرغم من كل ذلك، نحن وافقنا على كل شيء ولم تكن الديانة والاعراف المجتمعة عائقا اماما، وكل شيء يقف على اتفاق الزوجين، وشهدنا حالات الزواج من بين جميع المكونات".