"وهل لدينا يوم خاص بنا؟"، هذ ما قاله ديار جعفر (14 سنة) الساكن في كركوك، بقدر ما كان ديار متلهفاً لاستلام يوميته التي لا تتعدى الثلاثة آلاف دينار، لم يكن يهمه ان كان هناك يوم خاص بالأطفال.
ديار يعمل في محل لبيع الأحذية من الساعة الثامنة صباحاَ حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، عمل يتعدى حدود تحمله وقدراته.
"همّي الوحيد هو مجيء رأس الشهر لكي أستلم أجري البالغ 80 الف دينار، فَمالي والعيد". ويضيف ديار قائلاً "الآن فقط سمعت منكم بأن هناك يوماً خاصاً بالطفال... أنل ليس لدي حتى يوم للراحة."
همّي الوحيد هو مجيء رأس الشهر لكي أستلم أجري البالغ 80 الف دينار، فَمالي والعيد
في الوقت الذي يقضي فيه الأطفال في العالم وفي بعض أجزاء العراق الى حد ما يوم الأول من حزيران – اليوم العالمي للطفل – بممارسة الألعاب المختلفة والاستمتاع، يعيش معظم الأطفال في المناطق المتنازع عليها في أوضاع متردية، محرومين من اللعب والاستمتاع بسبب اضطرارهم للعمل.
العمل الاضطراري، المهن الصعبة، حرمانهم من الدراسة وحتى طردهم من البيوت، هي ليس الا جزء من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في المناطق التنازع عليها، في حين يعجز القانون والجهات المعنية عن استرداد حقوقهم.
يشير ديار جعفر الى أنه الوحيد الذي يعمل بين اصدقائه وليس لديه وقت للّعب والراحة مثلهم، وعندما يعود الى المنزل منهكاً في الساعة الحادية عشرة ليلاَ يخلد الى النوم ويستيقظ باكراً في صباح اليوم التالي للذهاب الى محل عمله.
ديار هو الابن الوحيد لعائلته، توفي والده حين كان في الثانية من عمره، ومنذ ذلك الوقت تَوَلَّت والدته مهمة تأمين لقمة العيش لأفراد عائلتها، لذا فهو مضطر لمساعدتها في ذلك.
"أردت مساعدة والدتي لكي أتمكن من توفير مستلزمات الدراسة لي ولأختَي الاثنتين، لن أستطيع اللعب مع أصدقائي مجدداً"، يقول ديار متألماً.
ربما يكون الوضع بالنسبة لـ(ديار) أفضل من آلاف الأطفال الآخرين في المناطق المتنازع عليها، لأنه ورغم عمله المُتعِب فهو على الأقل لم يُحرم من مواصلة دراسته.
مصطفى على (13 سنة) من أهالي ناحية جلولاء في محافظة ديالى، وهو أحد الأطفال الذين أرغمهم العمل على ترك الدراسة، يقول مصطفى "أنا وأخي لا نستطيع القراءة والكتابة، كلانا نعمل يومياً."
مصطفى يبيع المناديل الورقية أما شقيقه البالغ من العمر سبع سنوات فهو بائع حلويات متجول، يوقل بأنه ليس لديه الوقت للعب مع أقراه والاستمتاع معهم.
العمل الاضطراري والمضني ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه أطفال المناطق التنازع عليها، بل أن انخراط قسم من الأطفال في عصابات التسول والمتاجرة بالمخدرات زاد من الطين بلة، وذلك بحسب القضايا التي وردت المحاكم في المناطق التنازع عليها.
آهنك أنور، رئيسة منظمة فيان للدفاع عن حقوق الانسان قالت لـ(كركوك ناو)، "الأوضاع الحالية في العراق، الحروب والنزوح صَعَّد من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال"، مضيفةَ بأن "تردي الظروف المعيشية، عدم وجود الوعي الانساني والقانوني اضافةً الى ازدياد نسبة الطلاق أدى الى ارتفاع عدد الأطفال المشردين، وفي هذه الظروف يكون الأطفال الضحية الأولى، حيث يختلطون بعصابات التسول والدعارة والمتاجرة بالمخدرات."
تردي الظروف المعيشية، عدم وجود الوعي الانساني والقانوني اضافةً الى ازدياد نسبة الطلاق أدى الى ارتفاع عدد الأطفال المشردين
التوضيحات التي أدلت بها آهنك التي تعمل كمحامية في محكمة كركوك هو لإظهار الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال في المناطق التنازع عليها، حيث تقول "عدم توفر أماكن مخصصة للعب والاستمتاع جعل أطفال تلك المناطق لا يدركون بأن هناك يوماً عالمياً مخصصاً لهم."
تتولى آهنك حالياً قضية فتاة أجبرها والداها منذ سن الحادية العشرة على بيع الأشياء في الشوارع، مما أدى الى انخراطها في احدى عصابات البغاء.
حول هذه القضية تقول آهنك "قامت امرأة باستغلالها، أخذتها الى بيتها ثم أجبرتها على البغاء، وحالياً يتم متابعة قضيتها في المحكمة."
من جهة أخرى، يطالب الناشطون بأن يصبح اليوم العالمي للطفل مناسبة يولي فيها الأباء والأمهات أهمية أكبر بالجانب النفسي للأطفال ويحرصوا على عدم حرمانهم من الاستمتاع باللعب والاحتفال بيومهم الخاص.
بالرغم من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال و"كثرة" مثل هذه القضايا بحسب ما يقول الناشطون، الا أن الشكاوى تُسَجَّل من قبل الأطفال قليلة جداً.
رزكار عبد اللطيف، مدير شرطة مكافحة العنف الأسري في كركوك قال في تصريح لـ(كركوك ناو) "هذا العام وردتنا قضيتان فقط متعلقة بأطفال انتُهِكَت حقوقهم، وأعمارهم دون العشر سنوات."
يقول رزكار "المشكلة هي أن الأطفال غير مُطَّلعين على حقوقهم ولا يلجؤون الينا لتقديم الشكاوى، لذا نصبح مكتوفي الأيدي ولا نستطيع اتخاذ أية اجراءات لمساعدة هؤلاء الأطفال."
وفقاً لما تفيد به شرطة مكافحة العنف الأسري، بعض الانتهاكات التي تُرتكب بحق الأطفال في كركوك هي داخل الأسرة وبعضها الآخر من خارج الأسرة.
"اتخذنا الاجراءات الخاصة بحماية الأطفال في عديد المرات ولكننا لا نعرف كيف وبأي قانون نستعيد حقوق الأطفال."
الأوضاع التي يعيش فيها الأطفال في المناطق المتنازع عليها، تأتي في الوقت الذي أقَرَّ فيه المؤتمر العالمي لحقوق الأطفال الذي عقد في جنيف في عام 1925 يوم الأول من حزيران من كل عام عيداً للأطفال في كل بقاع العالم، حيث تحتفي العديد من دول العالم من ضمنها العراق بهذا اليوم سنوياً.
لكن أغلب الأطفال الذين تحدثت معهم (كركوك ناو) لم تكن لديهم أية فكرة عن هذا اليوم ولم يكونوا على علم بوجود يوم خاص بهم.
بشرى دلشاد زنكنة، محامية في محكمة كركوك تعتقد بأنه قبل الحديث عن وجود يوم خاص بالأطفال، يجب التفكير في تغيير وتعديل المواد والفقرات القانونية التي وُضِعَت لحماية الطفل بصورة تتلاءم مع الأوضاع الحالية للأطفال في العراق.
"الظروف المعيشية والاقتصادية للناس متردية لذا يضطرون لإجبار أطفالهم على العمل، الى جانب ذلك، هناك عدد كبير من الأطفال المشردين والذين يتولون اعالة أنفسهم بدل أن تقوم الدولة بذلك"، كما تقول بشرى.
وأكدت على ضرورة تنفيذ اصلاحات في المؤسسات الخاصة برعاية وإصلاح الأطفال.
وتابعت بشرى قائلةً "على سبيل المثال تلقي شرطة الأحداث القبض على نحو500 الى 700 طفل سنوياً، معظم هؤلاء الأطفال هم ضحايا ولا يعرفون ما هي حقوقهم، لذا من الضروري اجراء تغييرات في المؤسسات الاصلاحية."
من جانبه، أشار سجاد جمعة، مدير مكتب كركوك للمفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق الى أن داعش شَكَّلَ انتهاكاً خطيراً بالنسبة للأطفال في الأعوام القليلة الماضية، وقال "داعش تسبب في حرمان الكثير من الطفال من حنان الأم والأب، فقدان الأطفال لوالديهم أو أحدهما حرمهم من دفء وحنان العائلة."
وأضاف "داعش تشبب في تشريد عدد كبير من الأطفال، حرمهم من الدراسة والخدمات الصحية، العديد منهم أصبحوا معاقين فيما تعرضت فتيات صغار للاعتداء الجنسي."
ولكن الطامة الكبرى بالنسبة ل(سجاد جمعة) تتمثل في أن الأطفال وصلوا الى مرحلة تخلوا فيها عن حقوقهم من أجل تأمين لقمة العيش.
وكما قال ديار جعفر، يوم راحة أهم من العيد، قسط من الراحة ثم العيد.