تخلّى حسين عن جميع هواياته، بدل انشغاله بالرسم والرياضة والألعاب الالكترونية أصبح تأمين لقمة العيش لعائلته جُلَّ ما يشغله مع أبيه.
ما يزيد الأعباء على عاتق هذا الطفل هو تداعيات زمن الكورونا، في الوقت الذي انتهت فيه السنة الدراسية، أصبح لزاماً على حسين اسوةً بأفراد عائلته الآخرين تعويض تلك الشهور التي لم يتمكنوا فيها من العمل وكسب لقمة العيش.
"أحب ممارسة الرياضة والرشم، لكننا فقدنا كل شيء بسبب كورونا. لم يتبقى أي مكان نقصده لممارسة هواياتنا"، هذا ما قاله حسين غريب لـ(كركوك ناو).
حسين (11 سنة) من المكون الشبكي في محافظة نينوى، نزح مع عائلته الى قضاء بردرش منذ خمسة أعوام، هناك يبيعون الأغراض المستعملة.
"أثناء فترة حظر التجوال كنت أقضي وقتي بالألعاب الالكترونية، لكن بعد ذلك توجهت الى السوق لمعاونة والدي"، يقول حسين بأنه يرغب بالاشتراك في دورات تعلم اللغات والكومبيوتر، "لكن ليس لدينا المال ولا استطيع الاشتراك فيها."
ارغب بالاشتراك في دورات تعلم اللغات والكومبيوتر لكن ليس لدينا المال
بموجب قانون العمل في العراق يُمنع استخدام الأطفال دون سن الخامسة العشرة في العمل ويترتب على ذلك عقوبات.
وكانت الحكومة العراقية قد اعلنت منذ منتصف شهر آذار الماضي حظر التجوال كإجراء وقائي للحد من انتشار وباء كورونا، وشهدت الآونة الأخيرة تخفيف الاجراءات للمواطنين لفسح المجال لهم لممارسة أعمالهم إلاّ أن ازدياد أعداد المصابين مؤخراً أدى الى تشديد الاجراءات مرةً أخرى.
"انقطعنا عن مدارسنا منذ مدة طويلة... نسيت معظم الأشياء التي تعلمتها في المدرسة"، حسين كان يدس هذا العام في الصف الثالث الابتدائي.
الدراسة في العراق امتدت حتى منتصف العام الدراسي قبل أن تقرر الحكومة إنهائها، وذلك أضر كثيراً بالأطفال، خصوصاً من هم في مراحل الدراسة الابتدائية.
حسين غريب يتحدث اثناء عمله مع موقع كركوك ناو - ايار 2020
فاطمة حامد (12 سنة)، طالبة في الصف السادس الابتدائي، تذكرت في الحال رفقائها وأوقات المرح التي قضتها معهم عند سماعها عن اليوم العالمي للطفل، وقالت وهي تشعر بالأسى "لم يبق شيء الآن، كل شيء يدور حول كورونا، كل ما نسمعه يومياً يخص مرض كورونا."
في كل عام يتم الاحتفاء في العراق باليوم العالمي للطفل، ولكن هذا العام بسبب جائحة كورونا لم تُنَظَّم أية مراسيم خاصة بالمناسبة.
"لا ندري ماذا نفعل في المنزل، نوشك أن نُجَنّ، أحياناً أُخرِجُ كتبي المدرسية لأقرأها لكنني سرعان ما أشعر بالملل"، وتضيف فاطمة بأنها باتت تشعر بالخوف من الوباء من كثرة ما سمعت من أخبار حوله.
ذاق أطفال الشبك مع أُسَرهم الكثير من المعاناة، وتعرضوا اسوةً بالأقليات الأخرى في نينوى الى الاضطهاد من قبل مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في الفترة بين منتصف 2014 حتى نهاية 2017.
لا تزال العديد العوائل تعيش في المناطق التي نزحوا اليها، وقد وصل عدد النازحين في العراق الى أكثر من 787 ألف شخص، 10% منهم ينتمون للأقليات الدينية والقومية مثل الكاكائيين، التركمان، الشبك والأرمن.
زينب حسين (45 سنة) وهي امرأة من الشبك تعيش في قرية الدراويش في نينوى، قالت لـ(كركوك ناو) "لا أستطيع توفير الاحتياجات اليومية لابني الوحيد، يحب السفر والتنقل، لكن حظر التجوال وسوء حالتنا المعيشية تحولان دون تحقيق أمانيه، نناشد من خلالكم أن المنظمات الانسانية تقديم العون لنا."
هذه الامرأة التي نزحت الى دهوك منذ خمسة اعوام لديها ابن في الثانية عشرة من عمره، بعد وفاة زوجها ووالد طفلها الوحيد تزوج مرة أخرى.
"زوجي عامل بناء، نعيش في منزل مؤجر دون أن تساعدنا أية جهة، لذا بالكاد استطيع شراء الكسوة والاحتياجات الأخرى لابني."
الهم الأكبر لـ(زينب) والكثير من الآباء والأمهات حماية اطفالهم من الاصابة بفيروس كورونا، وبالأخص تأمين المستلزمات الوقائية من خلال شرائها من الأسواق وهوما ليس في حدود الامكانيات المالية للبعض.
"لست بصحة جيدة، اضطررت لملازمة البيت منذ تطبيق اجراءات حظر التجوال، أقضي جُلّ وقتي باللعب بهاتفي الجوال أوبالأتاري (جهاز اللعاب الفيديو)، لا أدري ماذا أفعل."
محمد ترك المدرسة حينما كان في الصف السادس الابتدائي بسبب المرض وأيضاَ بسبب الظروف الخاصة التي مرت بها عائلته، وهو الآن يرغب بالعودة للدراسة إن قامت منظمة ما بمساعدته، "تلك أمنيتي، أرغب في العودة للمدرسة ولو لمرة واحدة."
وفقاً لبنود الدستور العراقي والاعلان العالمي لحقوق الانسان، لكل فرد في المجتمع الحق في التعلم.
يُقَدَّر عدد الشبك في العراق بحوالي 300 ألف أو350 ألف شخص، 60% منهم يتبعون المذهب الشيعي أما البقية فمن السُنَّة، ويتوزع الشبك على مناطق بعشيقة، برطلة، الحمدانية، تلكيف وعدد من أحياء الموصل وبعض قرى سهل نينوى. ولا يزال الشبك يعانون من تردي الخدمات والدمار الكبير الذي لحق بمناطقهم.
ناصر حسن عمل لمدة عامين لصالح منظمة في نينوى مختصة بالدفاع عن حقوق الأطفال، تحدث عن التأثيرات السلبية لكورونا على تلك الفئة قائلا "من الناحية النفسية بثَّ كورونا خوفاً كبيراً في نفوس الأطفال، ربما سيستمر هذا الخوف لعدة سنوات أخرى."
مكوث الأطفال في البيت، عدم اختلاطهم وعدم وجود أية فعاليات ترفيهية بسبب كورونا، لم يتم تعويضها ببدائل، وذلك باعتقاد ناصر حسن يشكل خطراً حقيقياً، فهم يلجؤون لاستخدام الجوال والألعاب الالكترونية فقط وذلك لا يتناسب مع طبيعة الأطفال المليئة بالحركة والعنفوان.
الأسوأ هو ابتعادهم عن الدراسة والمواد التي كانوا يدرسونها فقد نسوا الآن معظمها
"الأسوأ هو ابتعادهم عن الدراسة والمواد التي كانوا يدرسونها، فقد نسوا الآن معظمها ويجب أن يعيدوا قراءة دروسهم، بصورة عامة يحتاج التعامل مع الأطفال في هذه الظروف وبعدها الى خطط خاصة"، حسبما يقول ناصر.
العراق في خِضّمّ مرحلة جديدة من جائحة كورونا، أعداد المصابين في ازدياد ومعها تزداد المخاطر كما تشير وزارة الصحة العراقية، دون وجود خطط لكيفية اعادة حياة المواطنين، بالأخص الأطفال، الى طبيعتها.