مخاطر تفشي وباء كورونا أعادت اسرة سعد عباس الى الأيام المرة التي ذاقوها قبل عدة أعوام، مرة أخرى تضطر هذه الأسرة للنزوح من ديارها وترك محاصيلهم الزراعية وراءهم.
بعد سنين قضوها في النزوح، غادر سعد واخوته قريتهم مرة أخرى بعد أن زرعوا أراضيهم بمحاصيل الحبوب والمحاصيل الصيفية، عَلّهُم يستطيعون الاعتناء بها خلال ساعات النهار.
"كورونا وحظر التجوال منعتنا من الوصول الى أراضينا الزراعية في القرية، لذا جفّت معظم محاصيلنا"، هذا ما قاله سعد سيد عباس (37 سنة) لـ(كركوك ناو).
"بالنسبة لنا، كورونا لم تكن أقل تأثيراً من مخاطر داعش، فقد أحبطتنا من جديد."
قرية سيد ولد الكاكائية جنوبي قضاء داقوق (44 كيلومتر جنوب كركوك) هي الموطن الأصلي لهذه الأسرة. هذه القرية نالها النصيب الأكبر من هجمات تنظيم داعش في عام 2014، وأصبحت فيما بعد جبهة ساخنة للمواجهات المسلحة مما أجبر ساكنيها على النزوح.
"حينذاك، كنا نحمي أنفسنا بأنفسنا، الى أن وصلت بعض القوات وأعادت الأمن نسبياً الى المنطقة"، كما يقول سعد سيد عباس، مختار القرية.
في أواسط عام 2014، انتشرت قوات البيشمركة التابعة لحكومة اقليم كوردستان في المناطق ذات الأغلبية الكاكائية في داقوق، قبل أن تنسحب منها في تشرين الأول 2017 على اثر عودة قوات الحكومة الاتحادية وبسط سيطرتها على المناطق المتنازع عليها ي أعقاب نشوء خلافات حادة حول الاستفتاء الخاص باستقلال اقليم كوردستان.
يقول سعد سيد عباس "بعد انسحاب البيشمركة ونشوء فراغ أمني في المنطقة، هاجمنا مسلحو داعش، تصدينا لهم قرابة 30 دقيقة وخلال تلك المواجهة استشهد شقيقي جنكيز الذي كان حينها طالباً في كلية الطب البيطري، اضافة الى اصابة أحد اشقائي الآخرين بجروح."
تصاعدت وتيرة الحوادث الأمنية والهجمات المسلحة في تلك القرية، مما أجبر الأهالي على النزوح. نتيجة لذلك، غادرت اسرة سعد قرية سيد ولد وحطت رحالها في مدينة كركوك.
"دافعنا عن شرفنا وكرامتنا بدماء أشقائي وأقاربي دون أي يهبّ أحد لمساعدتنا، بعد وقوع عدة حوادث أمنية أخرى، أحسسنا بأن المخاطر المحدقة بنا تزداد ويجب أن نغادر"، حسبما أضاف سعد.
بحسب متابعات (كركوك ناو) من مجموع 15 قرية كاكائية في داقوق أُخلِيَت خمس قرى من ساكنيها بصورة تامة فيما تتجه ثلاث أخَر نحو الإخلاء التام.
بعد أن غادروا منازلهم خوفاً من هجمات داعش الليلية، قرر أهالي قرية سيد ولد العودة خلال النهار للاعتناء بأراضيهم الزراعية، حيث أن الزراعة وتربية المواشي تعتبران مصدر عيشهم الرئيسي.
ما زاد الأمر سوءاً هو حظر التجوال المفروض بسبب كورونا، أصبحنا حبيسي المنزل جفت محاصيلنا الصيفية أمام أعيننا دون أن نتمكن من العودة الى القرية للاعتناء بها
"ما زاد الأمر سوءاً هو حظر التجوال المفروض بسبب كورونا، أصبحنا حبيسي المنزل وازدادت همومنا، جفت محاصيلنا الصيفية أمام أعيننا دون أن نتمكن من العودة الى القرية للاعتناء بها"، كما قال صفا.
صفا عباس (28 سنة)، أصيب بجروح خلال احدى الهجمات التي شنها مسلحو داعش على قرية سيد ولد، ومنذ ذلك الحين سعى لنسيان آلام الماضي من خلال الانشغال بالزراعة، غير أن كورونا فرقته عن عمله.
"مررنا بأوقات صعبة، لفظ احدى أشقائي أنفاسه الأخيرة في أحضاني، تشردنا وذقنا الأمرّين، الزراعة هي مصدر عيشنا الوحيد، إلاّ أن كورونا تمنعنا من ذلك أيضاً"، يقول صفا متحدثاً عن تداعيات جائحة كورونا.
حظر التجوال والإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا، ألحقت أضراراَ فادحة بكاكائي داقوق، من حيث ازدياد الحوادث الأمنية بسبب انشغال القوات الأمنية وكذلك تراجع الزراعة وركود السوق.
تمتاز محافظة كركوك بخصوبة أراضيها الزراعية، في حين تشير احصائية أجرتها دائرة الزراعة الى أن مليون دونم زراعي تم زراعته بالمحاصيل الصيفية.
دشتي ولد (34 سنة) كان يربي المواشي قبل أن ينزح من قرية سيد ولد، "أنا بانتظار اليوم الذي أستطيع فيه العودة الى قريتي لأنها المكان الذي يحتضن جميع ذكريات طفولتي."
حتى بعد نزوحه، كان دشتي لا يزال يربي المواشي، غير أن التنقل أصبح صعباً في زمن كورونا، لذا باع قسماً من مواشيه بأثمان بخسة، "كورونا كبّدت عائلتي أضراراَ كبيرة."
منذ أواسط شهر آذار الماضي حظرت الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان التنقل بين المحافظات في سبيل درء مخاطر تفشي فيروس كورونا.
سعد واخوته لا يريدون فقدان مصدر عيشهم المتمثل بالزراعة مثلما فقدوا منازلهم، كل ما يطلبونه هو ضمان حماية أرواحهم والسماح لهم بالوصول الى أراضيهم الزراعية في قرية سيد ولد الكاكائية.