مئات الآلاف من الطلبة في مفترق طرق بين التعليم التقليدي و التعليم الالكتروني

تصوير: Thomas Park،  الصورة مأخوذة من موقع unsplash في 17 ايلول 2020

معاذ فرحان

 "اشتروا لي جهاز آيباد فقط و لا تشغلوا بالكم، سأدرس جيداً"، هذا ما تقوله فينا هيرش (9 سنوات) باستمرار منذ أن سمعت الحديث الذي دار بين والديها بشأن الدراسة الالكترونية.

فينا طالبة في الصف الرابع الأساسي، وفقاً لقرار وزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان من المقرر أن تبدأ الدراسة الالكترونية في البيت ابتداءً من شهر تشرين الأول بسبب تداعيات جائحة كورونا، غير مدركةٍ لمخاوف و قلق والديها، تقول فينا "سيكون من الممتع أن نظل في البيت و لا نذهب للمدرسة."

والدا فينا ليس لديهما لحد الآن أية فكرة عن التعليم الالكتروني بانتظار أن توضح حكومة اقليم كوردستان كيفية الدراسة بهذه الطريقة، لكن رغم ذلك فهُما يعيشان في قلق و ترقب كبيرَين و لا حول لهما و لا قوة فيما ستؤول اليه الأمور.

"كلانا موظفان و لدينا دوامنا، من الضروري تواجد رقيب على طفلة بعمر التاسعة حين تستخدم الكمبيوتر و الانترنت لغرض الدراسة، أساساً هناك أشياء عديدة لا تعرف كيفية استخدامها و تحتاج لمن يساعدها"، و تابعت سروة كمال، والدة فينا، "مشكلتنا هي في حال كنا في الدوام، من سيعتني بـ(فينا)؟ كيف نترك طفلة صغيرة لوحدها في البيت؟"

هذه المشكلة و القلق المترتب عنها تعاني منها أغلب العوائل، و ذلك بعد أن قرر مجلس وزراء الاقليم في الثاني من أيلول الجاري اتّباع التعليم الالكتروني في بداية العام الدراسي، بالاستناد الى تقرير لوزارة التربية و تعليمات وزارة الصحة.

العملية ستُطَبَّق في جميع المراحل باستثناء الصف الثاني عشر الاعدادي، حسب بيان وزارة التربية.

بختيار محمد، في الستين من العمر و أب لأربع بنات، اثنان منهن في الصف العاشر و الصف الحادي عشر، و أخرى في الجامعة، أما كبراهن فقد أكملت الصف الثاني عشر لكنها لم تُقبَل في الجامعات و المعاهد و لم يقدر والدها ادخالها في جامعة أهلية.

vistival

أربيل/ 2019/ مهرجان المدارس الأساسية   تصوير: اعلام وزارة التربية

"انظر الى حالي، لا استطيع شراء جهاز آيباد أو كمبيوتر لهنّ، من أين آتي بالمال، من الأفضل أن يذهبن للمدرسة، ان كنت ميسوراً لغيّرتُ سيارة الأجرة التي أمتلكها الآن". بختيار يملك سيارة من نوع أوبل موديل 1995، ليس فيها تبريد و لهذا لا يمكنه أن يقودها لساعات طويلة، "ماكنتها كبيرة و تستهلك كمية كبيرة من البنزين". يعيش بختيار مع عائلته في بيت مؤجر و يقول بأنه يحصل على ما لا يزيد عن 15 ألف دينار يومياً من عمله.

لا استطيع شراء جهاز آيباد أو كمبيوتر لهنّ، من أين آتي بالمال، من الأفضل أن يذهبن للمدرسة

قرار الحكومة باتباع التعليم الالكتروني يأتي في الوقت لذي يرزح فيه اقليم كوردستان تحت طائلة الأزمات منذ أكثر من ست سنوات بسبب تأخر صرف رواتب المدرسين، الأمر الذي أدى الى مقاطعتهم لقاعات الدراسة لشهور.

سنوياً، يترك أكثر من 30 ألف طالب الدراسة في اقليم كوردستان، فيما يُحرم 10 آلاف طالب من القبول في الكليات و المعاهد، وفقاً لإحصائيات وزارة التربية.

المشاكل التي ترافق التعليم الالكتروني

والدا فينا ما لبثا يفكران في المستلزمات و التحديات التي ستواجه ابنتهم، قبل كل شيء يجب أن يشتروا لها جهاز كمبيوتر، يؤمنوا لها خط انترنت و كهرباء دائمية، و فوق كل شيء ايجاد من يعتني بها في غيابهم.

بصورة عامة، تقل ساعات التزويد بالكهرباء الوطنية خلال فصل الشتاء، و تنعدم الكهرباء غالباً من الساعة الثامنة صباحاً الى الساعة الواحدة من بعد الظهر، أي بالتزامن مع وقت دوام المدارس. الى جانب ذلك، فإن طلاب المرحلة الأساسية لديهم امكانيات محدودة في استخدام الكمبيوتر، و تلك هي عقبة أخرى تواجه التعليم الالكتروني.

خدمات الانترنت واحدة من المشاكل الكبيرة الأخرى التي تعترض العملية الدراسية في اقليم كوردستان.

خدمات الانترنت تُزَوَّد اما عن طريق الكبلات (Fiber Optic) أو نظام الواي فاي (LTE Long Term Evolution)، و هما من أفضل أنظمة الانترنت في العالم بحسب وزارة النقل و الاتصالات في الاقليم، هناك أربع شركات تقوم بتزويد الانترنت بنظام الكبلات (Fiber Optic)، فيما يصل عدد الشركات التي تعتمد على نظام الواي فاي (LTE) الى حوالي 45 شركة.

الشركات التي تتّبع نظام (LTE) تعمل في جميع أنحاء اقليم كوردستان تقريباً، بينما شركات الـ(Fiber Optic) موجودة في مناطق محدودة.

شركة نورتيل تعمل في محافظتي أربيل و دهوك، فيما تقدم كل من شركتي كوردتيل و ئاي كيو خدماتها في السليمانية و الأقضية و النواحي التابعة لها، هذه الشركات توفر خدمة الانترنت من نوع FTTH أو عن طريق خطوط الهاتف الأرضية.

تشير بيانات وزارة النقل الى أن خدمات الانترنت اللاسلكي (الوايرلس) متوفرة في 85% الى 95% من مناطق كوردستان، بينما يتوفر الانترنت المزود عن طريق الكبلات في 60% الى 65% من أنحاء كوردستان.

كاروان رضا، المدير العام في وزارة النقل و الاتصالات لحكومة الاقليم قال لـ(كركوك ناو) " عدد مشتركي خدمة الانترنت في الاقليم لا يتعدى 50% أو 55%، حيث أن عدد سكان اقليم كوردستان يُقَدّر بخمس ملايين نسمة، مليونان منهم على الأقل يعيشون في مناطق نائية، أو يعيشون داخل المدن لكن ليست لديهم خدمة انترنت، أو أنهم صغار أو مسِنّون.

عدد مشتركي خدمة الانترنت في الاقليم لا يتعدى 50% أو 55%

حرمان قسم من سكان القرى من خطوط الانترنت هي احدى العوائق الأخرى أمام التعليم الالكتروني.

أحمد كركوكي، عضو سكرتارية اتحاد معلمي كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "قبل صدور قرار مجلس الوزراء، قدمنا تقريراً للوزارة، ذكرنا فيه بأن التعليم الالكتروني لن ينجح، بسبب عدم القيام بأية استعدادات لتوفير الكمبيوترات و خطوط الانترنت، ليس الطلاب فقط، بل أن أغلب المعلمين ليسوا مُلِمّين بكيفية استخدام الكمبيوتر و الانترنت."

 

ما سبب صعوبة التعامل مع التعليم الالكتروني؟

عملية التعليم الالكتروني التي تعتبر التجربة الأولى لإقليم كوردستان و هدفها الرئيسي حماية الطلاب و الكوادر التدريسية من مخاطر الاصابة بفيروس كورونا، لها فوائد و مضار للطالب، المعلم و الأُسَر.

xwendkar-3

أربيل/ 2019/ طالبات في احدى المدارس المسيحية

هورامان قانع، احد الكُتّاب في مجال التعليم، يقول "الجوانب الايجابية للعملية تتمثل في أن هذا العصر هو عصر الأنظمة الرقمية و الانترنت، التكنلوجيا و الاتصالات تداخلت مع كل مفاصل الحياة، قلّما تحد مساحةً لم تحتلها التكنلوجيا و الانترنت."

و يضيف هورامان "الالمام بالكمبيوتر و استخدام هذا الجهاز العجيب سيكون شرطاً اساسياً لحصول الأجيال القادمة على فرص العمل. التعرف على هذه التكنلوجيا في سن مبكرة، فرصة جيدة لإتقانها."

و أكد الكاتب على أن عدم وجود تماس يومي مباشر بين المعلم و الطالب يعتبر من السلبيات الكبيرة، "من المستحيل أن يصبح التعليم عن بعد بديلاً للأجواء الاجتماعية داخل المدرسة"، و تابع هورامان قائلاُ "التعليم الالكتروني عبارة عن دراسة جافة، بمعنى تدريس المادة دون مراعاة البعد التربوي."

من المستحيل أن يصبح التعليم عن بعد بديلاً للأجواء الاجتماعية داخل المدرسة

ربما يكون التعليم الالكتروني أقل كلفة لبعض الأسر حيث سيعفيهم من تأمين مصاريف النقل و الملابس، لكن العوائل التي تعيش في مناطق قريبة من مدارس أبنائهم أو أن دخلهم محدود، فسيكلفهم كثيراً، حيث أنهم سيضطرون حينها لشراء أجهزة كمبيوتر، مناضد و كراسي اضافة الى تأمين خط الانترنت و بعض المستلزمات الأخرى.

"مسألة وعي المواطنين تمثل معضلة أخرى، قسم كبير من الناس يستخدمون هذه التكنلوجيا بصورة أكبر لقضاء الوقت أو للتهجم على الآخرين، بدلاً من استخدامه للحصول على العلم و المعرفة"، حسبما يقول هورامان.

من جانبه، أشار أحمد كركوكي، عضو سكرتارية اتحاد المعلمين الى مشكلة أخرى، "اذا تم اتباع التعليم عن بعد فلن يكون هناك تقييم للطالب، الطالب يمثل مركز العملية التعليمية، لكن في نظام التعليم الالكتروني ستنقلب الآية، فيصبح المعلم هو المركز أما الطالب فسيكون مستمعاً فقط."

ان كان هاجس والدي فينا يتمثل في كيفية التعامل مع مشكلة ابنتهم، فلا شك بأن الوضع سيكون اصعب بكثير للعوائل التي لديها ثلاثة أو أربعة اطفال، بالأخص مصاريف شراء أجهزة الكمبيوتر و خطوط الانترنت.

 بحسب أقوال أصحاب عدد من الشركات الخاصة ببيع الأجهزة الالكترونية الذين تحدثوا الى (كركوك ناو) فإن كلفة جهاز حاسوب يفي بالغرض تصل الى 300 دولار فما فوق. في هذه الحالة ستحتاج عائلة لديها أربعة أطفال في المدارس الى ما لا يقل عن 1200 دولار، ما عدا مصاريف الانترنت.

taqikrdnawaw

العراق/ أيلول 2020/ بدء الامتحانات الوزارية للصف السادس الاعدادي   تصوير: اعلام وزارة التربية

بختيار محمد، سائق الأجرة، و الذي اشترى مؤخراً هواتف خلوية مستعملة لاثنين من بناته، مضطر لشراء جهازي آيباد آخَرَين، "سعر الجهاز الواحد يعادل الايجار الشهري لمنزلنا"، بختيار يقيم في السليمانية و المدرسة التي تدرس فيه بناته تبعد عن منزلهم عدة دقائق.

أين الحل؟

لحد الآن لا المدرسون، لا الطلاب و لا العوائل على معرفة تامة بعملية التعليم الالكتروني، في الوقت الذي من المقرر أن تبدأ العملية خلال اسبوعين، الوقت يمضي و وزارة التربية أعلنت بأنها ستنشر التعليمات الخاصة بالعملية في أقرب وقت.

يقول كاروان رضا، المدير العام في وزارة النقل و الاتصالات اذا تم التوصل الى قرار نهائي بشأن اتباع التعليم الالكتروني، حينها يجب أن تُسَجَّل الدروس من قبل المدرسين المختصين و أن يتم ربط جميع المدارس بنظام الكتروني تُبَث من خلاله الدروس في وقت واحد باستخدام احدى التطبيقات.

"يجب أن يلج الطالب الى النظام عن طريق تطبيق خاص و أن يكون لكل طالب شفرة ولوج خاصة به"، كما أوضح كاروان.

في المقابل، أبدى اتحاد معلمي كوردستان رفضه التام للعملية و اقترحوا في التقرير الذي قدموه لوزارة التربية اعادة فتح المدارس شريطة أن لا يتجاوز عدد الطلاب في كل صف عن 15 طالباً و أن لا يزيد وقت الحصة عن 30 دقيقة مع الاهتمام بنشر التعليمات الصحية.

اقتراح اتحاد المعلمين يأتي في الوقت الذي يعاني فيه اقليم كوردستان من نقص في مباني المدارس.

عدد طلاب المدارس يتجاوز مليون و 700 ألف طالب، فيما يستعد ما بين 100 ألف الى 150 ألف آخرين للالتحاق بالصف الأول. عدد المدرسين و المعلمين يقرب من 128 ألف.

يوجد حالياً في اقليم كوردستان سبعة آلاف مدرسة، و يحتاج قطاع التعليم الى حوالي أربعة آلاف مدرسة جديدة، فيما 50% من المدارس بحاجة الى اعادة تأهيل، حسب تقرير اتحاد المعلمين.

قرابة 700 مدرسة تعاني من نقص مياه الشرب، 100 مدرسة عبارة عن كرفانات، حوالي 90 مدرسة لا تتوفر فيها الكهرباء، 900 مدرسة متهالكة و آيلة للسقوط، كما أن 20% من المدارس لا تتوفر فيها خدمة الانترنت و 700 مدرسة فقط تحتوي على مختبرات الكمبيوتر.

هذه الأرقام تشير الى أن التعليم في حالة يرثى لها سواء داخل المدرسة أو عن بعد.

خلال الاسبوعين الماضيين راودت والِدَي فينا ثلاث أفكار، الأولى: أن يطلبوا من مدراء دوائرهم أن يسمحوا لهم بأن يداوموا بالتناوب، بحيث يكون أحدهما في البيت للاعتناء بابنتهما، الثاني: ترك ابنتهم عند بيت جدتها، بالرغم من أنها تبلغ من العمر 62 سنة و من الصعب أن تعتني بغيرها، الثالث، أن يعوّدوا فينا منذ الآن على البقاء في البيت و التعلم الالكتروني.

 "جميع هذه الحلول من الصعب تنفيذها، يجب على الحكومة أن تقوم بإعادة النظر في هذا الموضوع لأنها ليست مشكلتنا لوحدنا"، كما تقول سروة كمال.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT