الكنائس و المواقع الدينية الأخرى للمسيحيين في العراق لم تعد عامرة مثلما كانت من قبل، أعداد قليلة من المسيحيين يؤمونها، فيما تشهد أعداد القساوسة انحساراَ مقارنة بالسابق.
في محافظة دهوك فقط و التي تضم أحد أكبر المناطق التي يقطنها المسيحيون هناك ثمانية قساوسة فقط يرعون 39 كنيسة. في مناطق العراق الأخرى، لا توال أماكن العبادة تعاني من الدمار الذي لحق بها فيما أغلِقَت ابواب بعضها أمام الروّاد و الزائرين.
الظروف التي تواجه مسيحيي العراق و الذي يسميه البعض تراجعاَ، تعود الى جملة أسباب مختلفة بدءاَ من النزوح، الهروب من قبضة داعش، الهجرة خارج البلاد، عدم الاستقرار الأمني و الدمار انتهاءً بفتور العلاقات الاجتماعية و انشغال الناس بالإنترنت و شبكات التواصل الاجتماعي.
"في 39 كنيسة آشورية في دهوك لدينا ثمانية قساوسة فقط، نحن بحاجة الى العشرات من القساوسة الآخرين بالأخص للقرى، بعض القساوسة لا يستطيعون الذهاب الى القرى أكثر من مرة واحدة في الشهر، افتقار معظم الأماكن لقساوسة أجبر الناس هناك على التوجه الى الكنائس الواقعة في مراكز المدن"، كما قال فليب داود، قس كنيسة نرسي في دهوك.
في 39 كنيسة آشورية في دهوك لدينا ثمانية قساوسة فقط، نحن بحاجة الى العشرات من القساوسة الآخرين بالأخص للقرى
و أوضح داود أن تعيين قساوسة لكافة الكنائس كفيل بعودة الناس مرة أخرى لممارسة طقوس العبادة، لأنهم لن يضطروا حينها لقطع طرق طويلة من قراهم الى المدن.
"البعض من ذوي الدخل المحدود لا يقدرون تحمل مصاريف النقل للذهاب الى الكنائس"، حسبما ذكر فليب داود لـ(كركوك ناو)، و ذلك من اسباب قلة رواد الكنائس اضافة الى انشغال الكثيرين شبكات التواصل الاجتماعي و الإنترنت و "فتور ايمان البعض بديانتهم."
الظروف الأمنية من الأسباب الأخرى وراء انقطاع الناس عن الكنائس، فمسيحيو العراق و خصوصاً سكان محافظتي نينوى و دهوك يعانون منذ سنوات من تداعيات الصراعات المسلحة.
خلال الأشهر السابقة، أدت العمليات العسكرية التي شنتها تركيا داخل الأراضي العراقية الى نزوح عشرات العوائل المسيحية من المناطق الحدودية، كما أُغلِقَت أبواب 10 كنائس أمام الزائرين.
"عندما نزحنا، لم تكن هناك كنيسة في المكان الذي كنا نعيش فيه، كان لزاماً علينا الذهاب الى مدينة أخرى تبعد 40 دقيقة بالمركبة"، هذا ما قالته منى حنا (45 سنة) حول تراجع أعداد رواد الكنائس.
عائلة منى هي من قضاء سنجار غربي نينوى و قد نزحوا منذ ست سنوات بسبب هجمات تنظيم داعش و استقروا في قرية سيجي التابعة لقضاء سيميل في دهوك.
و أشارت منى في حديثها لـ(كركوك ناو) الى وجود ثلاث كنائس في سنجار اعتاد الناس على زيارتها قبل أن تعصف بهم الظروف.
الكنائس الثلاث الواقعة في سنجار اضافة الى أكثر من 80 كنيسة و موقع ديني مسيحي تم تفجيرها و هدمها من قبل مسلحي داعش، أغلبها لم يُعَد بناؤها لحد اليوم.
عندما بسط تنظيم داعش سيطرته على الموصل في عام 2014، وضع المسيحيين أمام ثلاثة خيارات: اعتناق الاسلام، دفع الجزية أو مغادرة مناطقهم دون أي أمتعة، لذا اختار معظمهم النزوح.
تقول منى "في عام 2018، بنت حكومة اقليم كوردستان كنيسة خاصة بالسريان الأرثوذوكس من نازحي سنجار و سهل نينوى، لكنها رغم ذلك بعيدة عن مواقع سكنانا و ليس بامكاننا زيارتها أكثر من مرتين في الشهر."
و لفتت منى الى أن هجرة العديدين الى خارج البلاد من الأسباب الأخرى وراء قلة مرتادي الكنائس.
وفقاً لإحصائيات كل من الحكومة الاتحادية العراقية و حكومة اقليم كوردستان، لا تزال عشرات الآلاف من العوائل المسيحية تعيش في حالة نزوح و لم تعد الى ديارها، الى جانب آلاف العوائل الأخرى – 24 ألف عائلة في نينوى فقط – ممن هاجروا خارج البلاد.
يشكل المسيحيون نسبة 7% من مجموع أكثر من 700 ألف نازح يتواجدون في اقليم كوردستان.
خالد جمال، المدير العام لشؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية في حكومة اقليم كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "من اصل مليوني مسيحي كانوا يعيشون في العراق في تسعينيات القرن الماضي تبقّى أقل من 400 ألف منهم في العراق و اقليم كوردستان، هاجر أكثر من 250 ألف أثناء سيطرة داعش الى خارج البلاد.
"اصبحنا ضحايا لصراع السنة و الشيعة في العراق، من الصعب على المسيحيين أن يتمكنوا من العيش مرة أخرى بأمان في هذا البلد"، حسبما قال خالد جمال.
اصبحنا ضحايا لصراع السنة و الشيعة في العراق، من الصعب على المسيحيين أن يتمكنوا من العيش مرة أخرى بأمان في هذا البلد
تعرضت الكنائس في أغلب مناطق العراق الى التدمير أو الاغلاق، بحسب احصائية حصلت عليها (كركوك ناو) سابقاً من ادارة كنائس كركوك، من مجموع 12 كنيسة داخل كركوك تقرع أجراس واحدة منها فقط.
حول تقلص أعداد القساوسة، قال المدير العام لشؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية في حكومة اقليم كوردستان "يعزف قسم من المسيحيين عن أن يصبحوا قساوسة، و نحن لا نجبر أحداً على ذلك"، و اضاف "بالتأكيد نحتاج الى قساوسة حيث أن بعض الكنائس تفتقر الى قساوسة."
توجد في أربيل كلية بابل للفلسفة و اللاهوت و هي مختصة بتأهيل رجال الدين و تبلغ مدة الدراسة فيها ست سنوات.
لينوس عوديشو، عضو مجلس محافظة دهوك من المكون المسيحي يعتقد بأن تراجع عدد رود الكنائس أمر مرتبط بالمشاكل السياسية حيث أن تعامل الأحزاب مع المسيحيين لم يكن بالمستوى المطلوب لذا تعرضوا للهجمات و النزوح عشرات المرات و شهدت مناطقهم تدهوراَ من الناحية الأمنية.
"من مجموع مليوني مسيحي في العراق بقي 300 ألف منهم فقط ، و أنا واثق من هذا العدد سيتقلص أكثر، الحل الوحيد هو تحويل مناطقهم الى ادارة مستقلة... حينها سيتمكنون من حماية أنفسهم و سيحول استتباب الأمن دون لجوئهم للهجرة"، حسبما قال لينوس عوديشو لـ(كركوك ناو).
الديانة المسيحية تعتبر ثاني أكبر ديانة في العراق بعد الاسلام، و قد اقرّها لدستور العراقي و لغتهم هي السريانية، و كما جاء في الدستور، يحق لأي مكون يمثلون اغلبية في المناطق التي يعيشون فيها استخدام لغتهم و ديانتهم و حق الدفاع عن ثقافتهم.