مصطفى مثال للعديد من أطفال كركوك الذين لم يلتحقوا بالمدارس و الذين يقضون يومهم بالتسول. أشخاص مثل هذا الطفل كل همهم هو أن يؤلفوا كل يوم قصصاً مختلفة ومؤثرة لكسب تعاطف المارة والاستجداء منهم.
يستخدم مصطفى مخيلته الواسعة من الصباح حتى المساء لرواية قصص مختلفة على مسامع الناس؛ تارةً يخبرهم بأنه يتيم، وتارةً أخرى يقول بأنه مشرّد وأحياناً يقول بأنه يعاني من مرض عضال، دون أن يكون لما يقوله اساس من الصحة.
ما يفعله مصطفى كل يوم هو من أجل الحصول على مبلغ من المال، التسول اصبحت مهنة يمتهنها بين المدن.
"نقوم بهذا العمل منذ سنوات، لست وحدي، عائلتها بأكملها تتسول"، هذا ما قاله مصطفى لـ(كركوك ناو).
مصطفى، اسم مستعار لحدث نحيل وقصير ذو بشرة سمراء يبلغ من العمر 15 سنة، مصطفى قدم الى كركوك من محافظة أخرى قاطعاً عشرات الكيلومترات لكي يتسول في شوارع كركوك.
يحمل مصطفى في يده ماسحة صغيرة ومادة منظفة يستخدمها لتجنب مساءلة القوات الأمنية ويستجدي المال من ركاب المركبة أثناء إشغال نفسه بتنظيف ومسح زجاجها.
يخشى مصطفى وغيره ممن يتسولون في الشوارع التعرض للاعتقال خلال الحملات التي تطلقها القوات الأمنية بين الحين و الآخر.
وكانت آخر حملة للقوات الأمنية في 28 آذار 2021، حيث ألقت شرطة كركوك القبض على 17 شخصاً بتهمة التسول.
مصدر أمني في كركوك قال لـ(كركوك ناو) "ألقي القبض على هؤلاء الأشخاص الـ 17 في شارع أطلس، الجسر الثالث والمنطقة القريبة من المحكمة، اثنان منهم كانوا فتيات دون الثامنة العشرة قدموا من سوريا."
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بأن هذه الحملات تُطلق بين فترة وأخرى، مشيراً الى اعتقال 92 شخصاً بتهمة التسول في حملة مماثلة في تموز 2020، غير أنه أطلق سراحهم بكفالات مالية.
الأشخاص الذين يُلقى القبض عليهم بتهمة التسول تتم احالتهم الى المحكمة بعد أخذ افاداتهم من قبل شعبة مكافحة الاتجار بالبشر، ويتم التعامل معهم بموجب قانون العقوبات العراقي، ويُطلَق سراح معظمهم بعد 24 ساعة بكفالة مالية.
المواد 390 – 392 من قانون العقوبات العراقي خاصة بالتسول، وتشمل عقوبات مالية و الحبس لمدة شهر الى ستة أشهر حسب طبيعة القضية.
يدرك مصطفى العقوبات التي قد يتعرض اليها في حال اعتقاله من قبل القوات الأمنية، لذا يحرص على التنقل من مكان الى آخر ومن مدينة الى أخرى، "أحياناً أمكث هنا لمدة شهر ولا أعود خلالها الى محافظتي، خلال تلك الفترة لا نقصد الفندق الى للنوم."
نعيش في وضع مزري لذا أقوم بالتسول
من النادر أن يفصح المتسول معلومات بشأن المبالغ التي يحصل عليها يومياً من التسول، لكن مصطفى يقول بأنه يحصل في بعض الأيام على 100 ألف دينار.
حسب متابعات (كركوك ناو) يستخدم أغلب المتسولين الأطفال الرضّع، النساء و ذوي الاحتياجات الخاصة لكسب تعاطف الناس.
تتراوح أعمار أغلب المتسولين في شوارع كركوك ما بين 10 الى 40 سنة، بعض النساء المتسولات تزوجن مبكراً ولديهن ثلاثة أو أربعة أطفال.
"ليس لدي عمل، لدينا طفلان أحدهما مصاب بمرض السرطان، نحتاج الى الأدوية على الدوام، نعيش في وضع مزري لذا أقوم بالتسول"، حسبما قال علي.
علي، اسم مستعار للاجئ في كركوك يعيش تحت خيمة، يقول علي "الفقر أجبرني على التسول، في حين هناك بعض الأشخاص الذين يأتون الى هنا من محافظات أخرى يمتهنون التسول كوسيلة لكسب المال."
ارتفعت نسبة الفقر في العراق الى أكثر من 31% أي أن 11 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر، في حين كانت النسبة 18% في عام 2018، حسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية لعام 2021.
على مدار أيام حاولت (كركوك ناو) الحصول على تصريحات من مسؤولي مكتب كركوك للمفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان في العراق، كجهة معنية بملف المتسولين، لكن محاولاتها لم تثمر عن شيء.
تقول فاتن حميد، محامية في محكمة كركوك، بأن العديد من القضايا المتعلقة بالتسول تُحال كل اسبوع الى المحكمة، بعضها تشمل السرقة وجرائم أخرى مستشهدة بقضية اطّلَعَت على تحقيقاتها كمثال على ذلك.
"كانت قضية سرقة، المتهمان كانا طفلين بعمر التاسعة والعاشرة، كانا متسولين ايضاً، عندما طلب القاضي حضور والدهما قالا بأنهما يتيمان، لكنهما اعترفا بعدها بأن والدهما يقيم في محافظة أخرى."
تمكنت فاتن من العثور على رقم هاتف والد الطفلين واتصلت به، "في بادئ الأمر نفى صلته بالطفلين، لكنه اعترف بعد ذلك و قدم لتسلمهما وهو يقود مركبة من طراز تويوتا برادو موديل 2016 وأخلي سبيل الطفلين بكفالة."
حسب متابعات (كركوك ناو)، أغلب الذين يقومون بالتسول في كركوك لا يعملون كعصابات أو مجاميع بل يعملون فرادى، ومعظمهم يستخدمون بيع المناديل الورقية والعلك وتنظيف زجاج السيارات كغطاء للتسول.
"لا أحد يشرف علينا، كل واحد منا يعمل لحسابه الخاص حتى ضمن اطار العائلة... ينحدر المتسولون من مناطق متعددة، من ضمنهم النازحون واللاجئون"، كما قال مصطفى.