في بيت تغمره الدموع والأحزان، ينتظر يوسف، و الأمل يَحْدوه، اليوم الذي يعود فيه والده لكي يذهب بصحبته مرة أخرى الى السوق.
والد يوسف مفقود منذ ست سنوات، لكن لا يوسف ولا باقي أفراد عائلته مستعدون لتقبل فكرة أنه قد فارق الحياة، لم يتركوا باب مسؤول لم يطرقوه لمعرفة مصيره، "أريد أن يعود والدي، أتضرع من الله أن يعيد لي والدي"، هذا ما قاله يوسف.
يوسف البالغ من العمر 11 سنة قضى نصف عمره في انتظار عودة والده.
قصي علي، والد يوسف و هاويار (9 سنوات)، فُقِد أثره مع ثلاثة من رفاقه على الطريق الواقع بين آمرلي و سليمان بك، ومنذ ذلك الحين لم يُعرَف عن مصيرهم شيء. كان كل من قصي علي، كنعان نعمان، خالد جمال و فائز جمعة يداومون ضمن الفوج الثالث من اللواء الثاني التابع لرئاسة جمهورية العراق وكانوا في طريق العودة لأداء واجبهم العسكري في بغداد.
تتولى هذه القوة العسكرية مهام حماية رئاسة الجمهورية منذ تبوأ جلال الطالباني منصب رئيس المهورية في عام 2005.
"كان قصي يتصل بي هاتفياً باستمرار لحين وصوله الى بغداد لكي لا نقلق بشأنه، انقطع اتصاله أثناء وصوله الى المنطقة الواقعة بين آمرلي و سليمان بك و أُغلِق هاتفه الجوال"، حسبما قالت دلباك غازي، زوجة قصي.
تقول دلباك بأنها لم تسمع عنهم شيئاً منذ ذلك اليوم، "نعيش في غم وألم طوال ست سنوات، لم اذق طعم السعادة في منزلي على مدار ست سنوات، منذ ذلك الحين وأنا أطالع الباب على أمل أن يعود الينا واسمع صوته مرة أخرى."
كان قصي يعيش مع عائلته في قضاء كلار، أما الآن فتعيش زوجته وأطفاله في بيت والد دلباك في قضاء داقوق.
في الفترة التي اختفى فيها أفراد الحماية الأربعة، كان فؤاد معصوم رئيساً للجمهورية، ولم ينشر الموقع الالكتروني لرئاسة الجمهورية أي خبر بشأن المفقودين الأربعة باستثناء بيان مقتضب.
وجاء في البيان الذي نُشِر في 22 أيار 2015 بأن رئاسة الجمهورية تنفي طلبها الوساطة من الجمهورية الاسلامية الايرانية لإخلاء سبيل أفراد الحماية الأربعة لرئاسة الجمهورية والذين "اختُطِفوا من قبل شخاص مجهولين"، في الوقت الذي سعى ذوو المختطفين الأربعة أكثر من مرة للالتقاء بالمسؤولين في رئاسة الجمهورية لكن دون جدوى.
زرنا رئيس الجمهورية السابق أربع مرات لكنه لم يستقبلنا
"زرنا رئيس الجمهورية السابق أربع مرات لكنه لم يستقبلنا"، حسبما قال غازي غفور، عم قصي لـ(كركوك ناو)، مضيفاً "لم نبقِ باب مسؤول لم نطرقه، لكننا لم نحصل على شيء."
أفراد الحماية الأربعة كانوا يستقلون مركبة من نوع أوبل كانت تعود لأحدهم واسمه خالد، ولم يتم العثور على المركبة ايضاً.
(كركوك ناو) حاولت الحصول على تصريح من اللواء الخاص بحماية رئاسة الجمهورية لكن دون نتيجة.
تعيش عوائل أفراد الحماية الأربعة المفقودين في مآتم غير معلنة منذ ست سنوات.
"أطفالي كبروا ويسألون دائماً عما حل بوالدهم، لا أدري ماذا أخبرهم، ابني الأكبر كتب في دفتر ذكرياته متى يجيء اليوم الذي يعود فيه والدي ويشتري لنا سيارة فنذهب بها معاً الى السوق"، تقول دلباك غازي.
ولفتت زوجة قصي الى أن عائلتها تعيش في طروف صعبة، وهي تستلم حالياً نصف راتب زوجها بسبب اعتباره من المفقودين.
بموجب قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 الصادر من البرلمان العراقي، بإمكان المحكمة اعتبار المفقود متوفياً اذا حصلت على حجة وفاة أو مضت أربع سنوات على فقده.
مريوان نعمان، شقيق كنعان، أحد المفقودين الأربعة قال لـ(كركوك ناو) " العوائل الأربعة جميعها رفضت اعتبارهم شهداء، لأننا لحد الآن نأمل في عودتهم."
كنعان نعمان (45 سنة) متزوج ايضاً و كان يسكن في قضاء كلار.
يقول مريوان "يعتصرنا الحزن والألم منذ ست سنوات، كل يوم يمر في بيتنا يعتبر يوم مأتم، لأننا لا نعرف ان كان على قيد الحياة أم لا"، وأضاف مريوان بأنهم سجلوا دعاوى قضائية لكن التحقيقات لم تثمر عن شيء والقانون لم يفعل لهم شيئاً.
بعد ايام من اختفاء أفراد الحماية الأربعة تلقى ذووهم اتصالات هاتفية من مجهولين وطالبوا بمبالغ مالية مقابل إخلاء سبيلهم.
وأشار ذوو المفقودين الى أن المتصلين تحدثوا معهم بالعربية، لكنهم لم يفصحوا عن أية معلومات حول هوية الخاطفين والجهة التي ينتمون اليها.
طلبوا مبلغ مليون دولار مقابل إخلاء سبيل المختطفين الأربعة
يقول مريوان "بعد ثمانية ايام، سمعت صوت شقيقي عن طريق تلك المكالمة الهاتفية، لكن كان من الواضح أن صوته كان مسَجَّلاً، فقد كان هو من يتحدث فقط و طلب منا تنفيذ مطالبهم، كانوا يطلبون 100 دفتر (مليون دولار) لقاء اخلاء سبيل أربعتهم، ولم يكن بمقدورنا تأمين ذلك المبلغ."
"جمعت اسرتي 40 ألف دولار وحسب الاتفاق أرسلنا ذلك المبلغ الى مدينة الخالص لكن الأموال ذهبت دون أن يُطلَقَ سراح أخي"، حسبما قال مريوان.
عوائل المقودين الثلاثة الآخرين أكدوا أيضاً بأنهم تلقوا مكالمات هاتفية عدة مرات طلبوا فيها منهم دفع الفدية.
وقال غازي غفور، عم قصي لـ(كركوك ناو) "أرسلنا أموالاً لأماكن مختلفة وأحياناً كنا نتركها لهم في أماكن معينة حسبما كان يُطلَب منا في الاتصالات الهاتفية، في آخر مرة تركنا مبلغ ستة آلاف دولار تحت قطعة بلوك على طريق كفري لكن لم يأت أحد لأخذ المبلغ، ولم نسمع شيئاً عن المفقودين."
الجهات الأمنية المسؤولة عن القضية أُبلِغَت عن الاتصالات الهاتفية جميعها، لكنها لم تتوصل لخيوط تقودهم الى الخاطفين.
حسب معلومات (كركوك ناو)، شكّل الفوج الثالث من اللواء الثاني في رئاسة الجمهورية فريقاً للتحقيق والمتابعة، لكنها لم تنجح في الوصول الى معلومات تخص مصير المفقودين.
"الحكومة و السلطات مقصرة إزاء هذه القضية، لم يلتفتوا لمطالبنا"، على حد قول كنعان.
عوائل المفقودين الأربعة تنتظر معرفة مصير مفقوديها لكي يتجاوز أبناءهم على الأقل حالة القلق التي يعيشون فيها.
(كركوك ناو) اتصلت بإعلام الرئاسة الحالية للجمهورية العراقية لكنهم رفضوا الادلاء بتصريحات بحجة أنهم غير مطلعين على تفاصيل الحادث.
تجلس دلباك غازي، زوجة قصي، بجانب طفليها وهي تناشد رئاسة الجمهورية والمسؤولين بنبرة باكية لإنقاذها وأطفالها من جمر الانتظار.