الحكومة ضيّعت ملف القضية
متجاوزون يبتلعون مساحات شاسعة من أراضي مسيحيي كوردستان

دهوك/ 2020/ أحد الأحياء المسيحية القديمة التي ترفض الحكومة ترميمها   تصوير: عمار عزيز

عمار عزيز – دهوك

يشكو مسيحيو اقليم كوردستان من التجاوزات التي تتعرض لها أملاكهم وأراضيهم من قبل رؤساء عشائر و شخصيات متنفذة، وسط ضياع الملف في مجلس الوزراء وتشكيل لجنة جديدة لمتابعة الأمر، غير أن "الإرادة غير موجودة لمعالجة الملف."

التجاوزات الحاصلة على أملاك المسيحيين في اقليم كوردستان والمتواصلة على مدار عقود، أثر صدىً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي والاعلام خلال الأسابيع القليلة الماضية عقب زيارة قام بها وفد مسيحي الى برلمان اقليم كوردستان.

الوفد الذي وصل الى البرمان لإيصال صوت المكون المسيحي، أعرب عن مخاوفه من وقوع ما لا يحمد عقباه في حال عدم معالجة مشكلتهم.

ايشو انيويا ياقو، مسيحي يقطن في قرية خيلان التابعة لناحية دينارته ضمن قضاء آكري، قال لـ(كركوك ناو) "استولوا على ثلاثة دونمات من أراضيّ، قدِم جدي الى هذه القرية في عام 1922 و هذه الأراضي مسجلة الآن باسمي، لكن بعض الأشخاص الذين تدعمهم العشائر استولوا عليها."

قدِم جدي الى هذه القرية في عام 1922 و هذه الأراضي مسجلة الآن باسمي

قبل عام، قررت محكمة آكري إعادة تلك الأرض البالغة مساحتها ثلاثة دونمات الى ايشو، "لكنهم تجاهلوا قرار المحكمة ويرفضون إعادة الأرض لي... أو يطلبون اللجوء الى الصلح العشائري وتوزيع الأرض بالتساوي بين الطرفين"، وأضاف ايشو "لن أرضى أبداً بالصلح العشائري وأريد استرداد أملاكي."

"حدثت في بعض المرات توترات وصدامات بيننا وبين الأشخاص الذين استولوا على أراضينا، لكن الأمر لم يصل لحد إراقة الدماء... لن نتخلى عن مناطقنا ولن نخليها لأي شخص"، ويطالب ايشو حكومة اقليم كوردستان بالإسراع في ايجاد حل للمشكلة، رغم قوله بأنه بات يشعر باليأس.

cristian-3
دهوك/ كنيسة الشهيد مارايس ايلاها   تصوير: عمار عزيز

في القرى التابعة لناحية دينارته وحدها، تم التجاوز على أراضي 150 عائلة مسيحية، حسبما قال أندريوس ميخائيل، قسيس مسيحيي قضاء آكري والذي أكّد على أن "الى جانب استخدام تلك الأراضي للزراعة والبساتين، قام البعض منهم بتشييد منازل عليها."

وفقاً للإحصائيات التي سلّمها المسيحيون لحكومة اقليم كوردستان في اطار تقرير أُعِدّ في عام 2018، في عموم محافظة دهوك، ارتُكِبَت تجاوزات على أراضي المسيحيين في 54 قرية، لم تُحَلّ مشاكل نصف تلك القرى.

وفي ناحية عنكاوة في محافظة أربيل، قدّمت 223 عائلة مسيحية شكاوى لمجلس الوزراء والبرلمان ضد تعرض أراضيهم للاستيلاء عليها، لكن 40 عائلة فقط حصلت على تعويضات.

في عام 2018، قرر مجلس وزراء الاقليم معالجة مشكلة التجاوزات المرتكبة على أراضي وأملاك المسيحيين عن طريق لجنة خاصة، لكن ذلك لم يثمر عن شيء.

وفي 25 كانون الأول 2020، شكّلت الحكومة لجنة جديدة لمتابعة القضية بمشاركة ممثلين عن ست وزارات.

لينوس عوديشو، عضو مجلس محافظة دهوك وعضو اللجنة التي شُكِّلت في عام 2018، قال لـ(كركوك ناو) "تفقّدنا جميع تلك الناطق الواقعة ضمن حدود ادارة حكومة اقليم كوردستان والتي شهدت تجاوزات على أملاك المسيحيين، عرضنا جميعها على مجلس الوزراء بالأدلة والبيانات التي جمعتها اللجنة على مدار عام من عملها."

حول نتائج عمل اللجنة قال عوديشو "لم تتم معالجة المشكلة، ليس ذلك فحسب، بل تم تضييع جميع وثائق و تقارير اللجنة في مجلس الوزراء... استفسرت عنها مرتين أو ثلاث فأخبروني بأنها لم تصل، رغم أننا سلَمناها بأنفسنا."

يرى لينوس عوديشو بأن المشكلة أكبر مما يتصوره المسيحيون، "بعض المتجاوزين على أراضي المسيحيين أصدرت المحكمة قرارات بحقهم، لكنهم يرفضون تنفيذها ومستمرون في التجاوز على أملاك المسيحيين."

وتابع قائلاً "معالجة هذه المشكلة يتطلب وجود إرادة، للأسف لا نرى تلك الإرادة في الحكومة."

عبدالستار مجيد، رئيس لجنة الزراعة في برلمان كوردستان والذي احتجّ على ضد التجاوزات في عدة مناسبات قال لـ(كركوك ناو) "وصلتني شكاوى بعض مسيحيي عنكاوة، هناك شركة قامت لوحدها بالاستيلاء على 450 دونم من الأراضي ولا أحد يعترض."

أعداد المسيحيين في العراق واقليم كوردستان تقلّصت من مليوني شخص في تسعينات القرن الماضي الى  400 ألف شخص فقط، وفقاً لما قاله خالد جمال، المدير العام لشؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشوؤون الدينية لكومة اقليم كوردستان، حيث شدد في تصريح لـ(كركوك ناو) بأن أكثر من 250 ألف مسيحي غادروا العراق أثناء فترة الحرب ضد داعش.

 يقول خالد جمال بأن حكومة اقليم كوردستان طرف رئيسي في مشكلة التجاوزات على أراضي المسيحيين، "لأن التجاوزات ارتكبتها مجموعة من الشخصيات ورؤساء العشائر وبإمكان الحكومة مساءلتهم مهما كانت رُتَبهم ومواقعهم، ومن ثم تعوض المسيحيين."

وأشار خالد جمال الى أنهم، بعد يأسهم من حكومة الاقليم، قدّموا شكاواهم الى وزارة الخارجية الأمريكية، محكمة لاهاي الدولية و المنظمات الدولية.

"الموضوع اصبح معيباً، هذه القضية تمثل عاراً على سمعة الاقليم، وحكومة الاقليم هي المسؤولة الأولى عن هذا الملف"، على حد قول خالد جمال.

تعتبر الديانة المسيحية ثاني أكبر ديانة في العراق من حيث عدد أتباعها بعد الاسلام و قد اقرّها الدستور العراقي و لغتهم هي السريانية كما جاء في الدستور.

وقال أندريوس ميخائيل، قسيس مسيحيي آكري، "نريد على الأقل أن تُنَفَّذ قرارات المحكمة، أراضي آكري حسب قرار المحكمة و حسب التسجيل العقاري ملكنا، لكنهم يرفضون التخلي عنها وإعادتها الى المسيحيين."

في محافظة دهوك فقط، سُلِّم 55 ملف يخص تجاوزات على أراضي المسيحيين الى اللجنة الجديدة التي شكلّتها الحكومة، حسبما أكدت كلارا عوديشو يعقوب، عضوة برمان كوردستان عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآثوري لـ(كركوك ناو).

وقالت كلارا، "صدور قرار من المحكمة، اضافة الى مبلغ من المال كتعويضات كفيلان بمعالجة المشكلة... نحن نثق بقدرة الكابينة الوزارية التاسعة لحكومة اقليم كوردستان على معالجة الموضوع."

نحن نثق بقدرة الكابينة الوزارية التاسعة لحكومة اقليم كوردستان على معالجة الموضوع

مسؤول مسيحي رفيع في ناحية عنكاوة بأربيل قال لـ(كركوك ناو) "مؤخراً، تم منح 750 دونم من الأراضي التي تعود ملكيتها للمسيحيين من قبل هيئة الاستثمار الى شخص لغرض استخدامها لمشاريع، بدورنا أبلغنا مجلس الوزراء عن احتجاجنا و رغبتنا في استخدام تلك الأراضي لأنفسنا."

(كركوك ناو)، حاولت على مدار اسبوع أخذ تصريح من المتحدث باسم حكومة اقليم كوردستان جوتيار عادل بشأن القضية، ووجهنا له أخيراً عدة اسئلة عن طريق سكرتيره، لكنهم لم يردوا علينا، رغم أنهم وعدوا بذلك."

سفين آغا، عضو برلمان كوردستان عن كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني أكّد أن قضية أراضي عنكاوة التي مًنِحَت لشخص من اجل استخدامها لمشاريع هو أحدث شيء يتعلق بموضوع أراضي المسيحيين، "زار البرلمان وفد عن المكون المسيحي ، استمعنا لهم واتضح بأن ملكية تلك الراضي تعود لهم، لذا وجّهنا كتاباً الى مجلس الوزراء وطلبنا إعادة تلك الأراضي اليهم."

واضاف "من وجهة نظري الشخصية، ليس ككتلة الديمقراطي الكوردستاني، أعتقد بأن مشكلة أراضي مسيحيي عنكاوة من الصعب  معالجتها، لأن شخصاً متنفذاَ ينوي إنشاء مشروع كبير على تلك الأراضي."

آيدن معروف، وزير الاقليم لشؤون المكونات وعضو اللجنة الحكومية الجديدة قال لـ(كركوك ناو) "صدرت عدة قرارت، من بينها تشكيل عدة لجان على مستوى المحافظات والأقضية لمتابعة ومعالجة المشكلة... يتم العمل حالياً بصورة عملية على معالجة المشكلة، وهذا يمثل ضماناً لحل المشكلة."

وأضاف آيدن "نحن الآن في مرحلة استلام الشكاوى، بعدها سنتابع الشكاوى بدقة، ثم نسعى لمعالجتها في اطار القانون... لم يتم تحديد مدة معينة لإكمال حل المشاكل المتعلقة بأراضي المسيحيين، لكننا نطمئن اخواننا المسيحيين بأن هذه المشكلة ستُحَل."

غير أن عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سفين آغا قال "تشكيل تلك اللجنة إجراء روتيني وليست لها أي صلاحيات، حل تلك المشكلة يتطلب إرادة قوية جداً."

   

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT