مطلع يوم جديد، عدد من الكلاب السائبة متمددة، تستظل بجانب جدران المنازل، طلقة بندقية صيد تنهي حياة أحدها فيما تتفرق البقية في كل الاتجاهات. مع بزوغ الشمس يقوم شرطي في مركز شرطة عرفة حاملاً بندقية صيد بالتجول في الحي من الساعة 6:30 لغاية 9:30 صباحاً بحثاً عن الكلاب السائبة.
ذلك الحي الذي لا زال البعض يسمونه بالقرية، يدعى سيكانيان، ويبعد عدة كيلومترات عن مركز المدينة، تحديداً على طريق ككروك – أربيل الرئيسي. توجد مساحات خالية في محيط الحي باتت مرتعاً لتجمع الكلاب السائبة.
الفرق المشتركة لإدارة كركوك تفقّدت قبل أيام ذلك الحي وأعطت بندقية صيد لأحد منتسبي الشرطة لكي يتولى قتل تلك الكلاب السائبة، باستثناء الكلاب المرضعة وجرائها. هذه الحملة أثارت سخط نشطاء الرفق بالحيوان، في حين تقول ادارة كركوك بأن الأمر اضطراري.
يجري الشرطي وراء الكلاب الضالة فيما يوجه بندقيته نحوهم دون أن يخطأ أهدافه. أحد الكلاب تصاب بجروح بليغة ويتلوى في دمه فيطلق الشرطي عليه "رصاصة الرحمة" ليخلصه من العذاب.
لا نحبّذ هذه الطريقة التي نتبّعها للقضاء على الكلاب الضالة
"لا نحبّذ هذه الطريقة التي نتبّعها للقضاء على الكلاب الضالة، لأنه لا يحق لأحد قتل الحيوانات، لكن ليس لدينا سبيل آخر"، هذا ما قاله هاوري رحمن، مسؤول لجان قائممقامية كركوك لـ(كركوك ناو).
الفريق الخاص بالتخلص من الكلاب يتألف من القائممقامية، البلدية، البيطرة والقوات الأمنية.
يقول هاوري رحمن بأن الحملة التي كانت بناءً على طلب وشكاوى المواطنين، انطلقت بقرار من ادارة المحافظة، بعد مناقشة الملف في اجتماع للدوائر المعنية برئاسة راكان سعيد الجبوري، محافظ كركوك بالوكالة.
انطلقت الحملة منذ 27 أيار 2021 ومن المقرر أن تستمر حتى نهاية شهر حزيران الجاري. (مراسل كركوك ناو) رافق الفريق في جولتين، آخرها كانت في حي سيكانيان.
البعض من اهالي الحي يستيقظون صباحاً على دوي طلقات بنادق الصيد و نباح وأنين الكلاب. "الذين لا يعيشون في منطقتنا لا يدركون مدى معاناتنا بسبب الكلاب الضالة، الكثيرون لا يجرؤون على الخروج من المنزل والتوجه للمحال، خصوصاً خلال الليل، خوفاً من أن تهاجمهم الكلاب"، يقول مازن عبدالله، من سكنة حي سيكانيان.
ولفت ذلك المواطن الى أن أفراد عائلته لا يجرؤون من شدة الخوف من تلك الكلاب على الابتعاد عن المنزل كثيراً لشراء الاحتياجات اليومية.
(كركوك ناو) تحدثت مع عدد من سكان ذلك الحي و منطقة الخضراء التي جرت فيها سابقاً حملة مماثلة للتخلص من الكلاب السائبة، الجميع يؤيدون فكرة التخلص من الكلاب لكن بأساليب مغايرة، أو على الأقل قتلها بعيداً عن اعين الناس.
بعض تلك الكلاب في سيكانيان تم قتلها أمام أعين المواطنين وحتى الأطفال. "نتعرض باستمرار لانتقادات بشأن الطريقة المتبَعة للقضاء على الكلاب، لو توفرت لنا ميزانية كافية لكان بإمكاننا تخصيص مأوى لها خارج المدينة أو حقنها بإبر خاصة بعقر الكلاب لمنع تكاثرها"، حسبما قال مسؤول لجان القائممقامية.
وأوضح هاوري رحمن بأن اللجنة التي شُكِّلت للتخلص من الكلاب الضالة كانت موجودة سابقاً لكن عملها توقف بسبب عدم توفر "طلقات بنادق الصيد و ميزانية خاصة بالحملة."
في الفترة ما بين عامي 2017 و 2018، قامت إدارة كركوك عن طريق عدة حملات بالتخلص من ثلاثة آلاف كلب سائب.
فيديو: حملة لمكافحة الكلاب السائبة في حي سيكانيان بكركوك / حزيران 2021
ويقول دانا غازي، مختار قرية سيكانيان بأن سكان الحي يعانون من مشكلة الكلاب الضالة، "الأطفال يخافون من اللعب في الحي أثناء المساء، وأحياناً يتعرضون لهجوم الكلاب السائبة في طريق عودتهم من المدرسة، وقد وقعت حوادث مماثلة من قبل."
وذكر مختار القرية حادثا وقع في ايلول 2018 حين هاجمت احدى الكلاب طفلاً في الرابعة لقي على اثر ذلك مصرعه.
هاوكار سعيد، والد الضحية قال لـ(كركوك ناو) "هاجم أربعة كلاب ابني أنس بينما كان يريد المجيء عندي أثناء عملي في بناء منزل في الزقاق الواقع خلف منزلنا"، هذه الحادثة المريرة جعلت من هاوكار أحد المناصرين بقوة لحملات التخلص من الكلاب الضالة.
منذ بدء الحملة، قتلت فرق ادارة محافظة كركوك ما يقرب من 550 كلب ضال خلال ثلاثة اسابيع باستخدام بنادق الصيد، وفقاً للإحصائية التي حصلت عليها (كركوك ناو) من لجان القائممقامية.
خلال ثلاث ساعات فقط قتل منتسب الشرطة ببندقية الصيد 45 كلباً سائباً.
الكلاب التي يتم القضاء عليها لا تًجرى لها فحوص مسبقة لمعرفة فيما ان كانت تحمل أمراضاً قد تعرض المجتمع لمخاطر.
يُراعى في الحملة حماية الكلاب المرضعة و الجراء، ولا تُقتَل
"يُراعى في الحملة حماية الكلاب المرضعة و الجراء، ولا تُقتَل لأنها غير مضرة للمواطنين ولا تحمل أمراضاَ"، حسب هاوري رحمن.
حسب متابعات مراسل (كركوك ناو) لم يتم التخلص من الجراء والكلاب المرضعة في حي سيكانيان.
هناك بعض الأمراض التي تُنقل للإنسان من الكلاب، من بينها الأكياس المائية وداء الكلب، أحياناً تكون هذه الأمراض مميتة.
الناشطة المدنية شكوفه محمد انتقدت الحملة التي تشرف عليها ادارة كركوك وقالت "تدعو جميع الأديان الى حماية قدسية الانسان والحيوانات... المناهج التعليمية تؤكد كذلك على ضرورة حمايتها، لذا فإن ما يحدث الآن أمام أعين المواطنين والأطفال بعيد كل البعد عن الانسانية."
بموجب قانون الصحة الحيوانية رقم 32 لسنة 2013، تُشَكّل في كل محافظة لجنة بالتعاون مع القوات الأمنية للقضاء على الكلاب الضالة.
"الكلاب من أكثر الحيوانات وفاءً وأقربها للإنسان، البعض يدفعون مبالغ باهظة لشرائها وتربيتها، لذا فإن الطريقة الأمثل هي جمعها وتخصيص مأوى لها خارج المدينة لكي يتم الاعتناء بها هناك"، حسبما قالت شكوفه محمد لـ(كركوك ناو).
مراسل (كركوك ناو) سجّل مشاهد مؤلمة لعملية قتل الكلاب، فيما يقوم أحد أعضاء فريق مكافحة الكلاب بجرها من أرجلها ووضعها في مؤخرة مركبة حمل.
بعد قتل الكلاب الضالة يقوم عمال البلدية بوضعها في مركبة ونقلها الى منطقة نائية حيث تُدفن أو تُحرق هناك.
الحرب على الكلاب ليست في كركوك فقط، بل يدر رحاها في عدة مدن عراقية أخرى.
في شباط 2020 قامت إدارة محافظة ننيوى بالتخلص من حوالي 200 كلب سائب داخل مدينة الموصل عن طريق تسميمها، بحجة الحفاظ على سلامة السكان و الحد من مخاطر انتشار الأمراض، وفي كانون الثاني 2021 أطلقت ادارة ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار حملة تم فيها تسميم عشرات الكلاب السائبة.