مسيحيو سهل نينوى مستاؤون وساخطون لأن النشاط الحكومي الذي كان موجوداً في مجال الخدمات خلال زيارة بابا الفاتيكان، تراجع أو اختفى كلياً الآن.
البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان حطّ في مطار أربيل في 7 آذار 2021 قادماً من بغداد، ومن هناك توجه على متن طائرة مروحية الى مدينة الموصل، حيث التقى في كنيسة حوش البيعة بعدد من المواطنين المسيحيين وصلّى ترحماً على ضحايا الحرب.
زيارة البابا امتدت من 5 آذار لغاية 8 آذار.
في نينوى، عبّر بابا الفاتيكان عن أسفه للدمار الذي خلّفته الحرب، وطالب بتوفير الخدمات وإعادة الإعمار، كما شدد على أهمية عودة مسيحيي نينوى الى ديارهم والمساهمة في إعادة تأهيل مناطقهم.
"بعد زيارة البابا، كانت هناك بعض التحركات من قبل الحكومة لتنفيذ مشاريع خدمية، لكن العملية تباطأت كثيراً، لم يتحقق ما كنا بانتظاره"، هذا ما قاله متي كزيا، ناشط مدني في تلكيف لـ(كركوك ناو).
ويؤكد متي على أن مطالبهم تتمثل في تسريع وتيرة الإعمار و طمس آثار حرب داعش.
يُقَدّر عدد سكان قضاء تلكيف (18 كم شمال الموصل) بحوالي 215 ألف شخص، غالبيتهم من المكون المسيحي. قضاء تلكيف رزح تحت سيطرة تنظيم داعش لقرابة ثلاث سنوات.
عادل زارا، من سكنة ناحية ألقوش التابعة لقضاء تلكيف قال لـ(كركوك ناو) "على الرغم من أن البلبل أبلغ المسؤولين في العراق بعض المطالب نيابة عن المسيحيين، لكنهم لم يفعلوا شيئاً لنا حتى الآن، نحن نشكر البابا لأنه جاء ودعا لنا بالخير، لكن زيارته لم تغير شيئاً من الواقع الذي يعيش فيه المسيحيون."
وأضاف زارا، "المسؤولون العراقيون لم يستمعوا لرسائل و مطالب البابا، مباشرة بعد عودته أصبح كل شيء كالسابق، يشهد سهل نينوى تواصل عمليات القتل، البطالة، قلة الخدمات وعشرات المشاكل الأخرى."
وأثنى زارا على مديرية الناحية لأنها تمكنت "بإمكانيات وميزانية محدودة" من توفير بعض الخدمات للمواطنين.
بعد الصلوات التي اقامها وسط مدينة الموصل، توجه بابا الفاتيكان على متن طائرة مروحية الى قرقوش (32 كم شرق الموصل) وفي كنيسة الطاهرة الكبرى عبّر البابا عن حزن وألمه إزاء الخراب الذي خلّفته حرب داعش.
ما أن انتهت الزيارة حتى توقف كل شيء
يقول عصام ياكو، وهو مشرف تربوي في تربية قضاء تلكيف "قبل مجيء البابا، قامت الحكومة بتنظيف الشوارع وبدأت باستكمال عدد من المشاريع المتوقفة، لكن ما أن انتهت الزيارة حتى توقف كل شيء، للأسف لم نر بعد ذلك مشاريع جديدة، المنطقة لا تزال بحاجة الى الخدمات والمشاريع وإعادة ترميم الكنائس ومنازل المواطنين."
وتابع عصام "ذهب البابا فعادت حياتنا الى ما كانت عليه في السابق، العشرات من مشاكلنا بقيت دون حل والحكومة لا تولي أهمية للمناطق ذات الأغلبية المسيحية."
وأشار عصام ياكو الى أن زيارة البابا كانت مفيدة من الناحية المعنوية، حيث شجعتهم الزيارة على عدم ترك ديارهم لأحد، "بالرغم من أن المسيحيين لا زالوا يخشون من مواجهة عدو آخر كتنظيم داعش."
عندما بسط تنظيم داعش سيطرته على الموصل في أواسط عام 2014، وضع المسيحيين أمام ثلاثة خيارات: اعتناق الاسلام، دفع الجزية أو مغادرة مناطقهم دون أي أمتعة، لذا اختار معظمهم النزوح.
عمار ياكو، المشرف على كنيسة الطاهرة الكبرى في قرقوش قال لـ(كركوك ناو) "الأوضاع في المنطقة عادت كالسابق بعد زيارة البابا، هناك بعض الحراك من الناحية الخدمية لكنه لا يرضي الطموح."
ويرى عمار بأنه لا يمكن ربط زيارة بابا الفاتيكان بعودة الخدمات والإعمار الى مناطقهم، "الأهم من كل شيء هي رسالة السلام والتعايش بين المكونات والتي شدد عليها البابا كثيراً."
يقول عمار ياكو بأن للاستقرار الأمني أهمية كبرى الى جانب المشاريع الخدمية و "نحن نطالب بتحسين الوضع الأمني لكي يتمكن النازحون من العودة، لستا متشائماً حيال ذلك ونتوقع تلبية مطالب البابا للعراق والمسيحيين."
نطالب بتحسين الوضع الأمني لكي يتمكن النازحون من العودة
وفقاً لإحصائيات كل من الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان ، لا تزال عشرات الآلاف من العوائل المسيحية النازحة تعيش بعيداً عن ديارها، فضلاً عن أن آلاف العوائل الأخرى –أكثر من 24 ألف عائلة في نينوى فقط – هاجروا الى بلدان أخرى.
يشكل المسيحيون نسبة 7 بالمائة من مجموع 665 ألف نازح يعيشون في اقليم كوردستان.
خالد جمال، المدير العام لشؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لحكومة اقليم كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "في العراق، بالأخص في سهل نينوى، لا توج نوايا حسنة تجاه المسيحيين، لذا فإن شيئاً لم يتغير بعد زيارة البابا، هذا علاوةً على التهديدات التي يتلقاها المسيحيون بطرق مختلفة."
ويقارن خالد الأوضاع في تلك المناطق بالوضع في اقليم كوردستان قائلاً "في الاقليم دأبت الحكومة على مساعدة المسيحيين و حل مشاكلهم قبل و بعد زيارة البابا."
تعتبر الديانة المسيحية ثاني أكبر ديانة في العراق من حيث عدد أتباعها بعد الاسلام و قد اقرّها الدستور العراقي و لغتهم هي السريانية كما جاء في الدستور.
في تسعينات القرن الماضي، كانت أعداد المسيحيين في العراق تُقَدَّر بمليون و500 ألف نسمة، أي ما يقارب 30% من سكان العراق، وحتى نهاية حكم نظام البعث في 2003 كانوا يُقَدَّرون بحوالي 800 ألف مواطن.
يعيش أغلب المواطنين المسيحيين الذين تراجعت أعدادهم في عموم العراق الى ما بين 250 ألف الى 500 ألف فقط، في مناطق دهوك، نينوى، كركوك، أربيل و بغداد.