كان سفيان النعيمي (34سنة) على موعد مع القدر حين بات ليلته في منطقة الموصل القديمة عند بيت خاله، في تلك الليلة سمع سفيان صوت ضجيج السيارات والناس بالقرب من أحد سجون الداخلية الذي يمكث فيه المئات من عناصر تنظيم داعش المحكومين بقضايا عدة، في منتصف الليل اتضح بأن الموصل باتت تحت سيطرة داعش وأن السجن تم اختراقه وأن حراسه قد هربوا وبات السجن مرتعا لعناصر التنظيم.
حاول سفيان العودة الى داره تحت جنح الظلام، لكن تعذر عليه ذلك كون المسلحين قطعوا الطرقات ونصبوا نقاط تفتيش وكانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات. رغم معارضة خاله، أصر سفيان على الخروج والعودة الى عائلته، وما أن شق طريقه نحو منزله، وقع في يد عناصر التنظيم الذين رموه في صندوق السيارة الخلفي واقتادوه الى جهة مجهولة، ولم يعرف مصيره لغاية الآن.
مازال ملف المغيبين والمفقودين في نينوى، كركوك، ديالى وصلاح الدين مؤشراً على سوء أوضاع حقوق الإنسان في العراق وهناك إبلاغات وشكاوى تتعلق بالمغيبين تتراوح بين 8 الى 10 آلاف مخطوف ومغيب.
وعلى الرغم من مساعي بعض الجهات أو النواب والناشطين وقيادات تمثل تلك الشريحة بهدف الوصول الى أجوبة تخص مصير هؤلاء المغيبين والمفقودين، الا انها لم تثمر عن شيء، كون الجهات الأمنية والحكومية والمسلحة بعناوينها المختلفة لم تفصح هي الأخرى عن مصيرهم حتى بعد المطالبات بالكشف عن هذا الملف في نينوى بعد استعادتها.
حاولت عائلة خال سفيان بعد استعادة الموصل في 2017 البحث عنه في سجلات المفقودين والمقابر الجماعية التي تم فتحها ومن ضمنها حفرة "الخسفة" التي كان مسلحو داعش يلقون فيها بجثث ضحاياهم بعد إعدامهم، لكن لم يكن له أثر.
قائمة المفقودين والمغيبين تشمل أشخاصاً فقدوا لأسباب مازالت مجهولة وإتهامات لاترقى ،بحسب ذوي المفقودين، الى مستوى الإرهاب أو ورود أسمائهم في سجلات المطلوبين.
أما عائلة سفيان فتحركت ،بعد استعادة القوات العراقية السيطرة على محافظة نينوى، نحو مؤسسة الشهداء وقبلها الى منظمة حقوق الإنسان في نينوى، حيث أخبروهم بأن لديهم أسماء المغيبين والمفقودين وتشملهم التعويضات المالية حالما يتم تخصيص ميزانية لهم.
سامي فيصل، رئيس مفوضية حقوق الإنسان في نينوى أكد، لـ(كركوك ناو) " بالنسبة لنينوى فقد اعتُقِل الكثيرون في الفترة من عام 2014 الى 2017 واحصائياتنا تعلن فقدان ثمانية الى تسعة آلاف تشمل جميع مكونات الموصل ومن بينهم ايزيديون وعددهم 3422 شخص بينهم نساء وأطفال" .
وأردف سامي فيصل، "هناك مغيبون لا نعلم مصيرهم، فبعد أن هربوا من عناصر داعش تم أعتقالهم من قبل جهات مجهولة بعد خروجهم من نينوى هربا من التنظيم ولدينا بيانات بهذه الأسماء ومدققة أمنيا."
أحمد، وهو أحد ضحايا داعش، وقد صادفنا في الطريق الى عائلة احد المغيبين، قال لـ(كركوك ناو) بأنه أصيب بطلقة في ساقه خلال حرب استعادة الموصل، تحديدا في آذار 2017، "أثناء هروبي مع عائلتي نحو مواقع القوات الأمنية العراقية، لحق بنا أحد قناصي داعش."
وتابع أحمد قائلاً، "في يوم 4\7 \2017، وبعد تحرير المنطقة طلبت القوات الأمنية من عائلتي وأخي محمد وابنه أن يخرجوا بين الأفرع في المنطقة"، وأضاف "لكنهم لم ينتبهوا أن الدواعش فخخوا المنطقة أنفجرت عليهم عبوة ناسفة ذهب ضحيتها زوجة خالي وأبنه وزوجة أبن خالي وأخي وابنه، فيما بترت ساق ابنة أخي."
وكشف أحمد لـ(كركوك ناو ) بأن أحد أشقائه من بين المفقودين وقد أخبروه بأن جثة شقيقه بقيت في الشارع لثلاثة أيام لكن أحمد غير متيقن من ذلك لأنه لم يتمكن من العثور على جثة شقيقه حين اقتحمت القوات الأمنية المنطقة التي من المفروض أن تتواجد الجثة فيها.
تضم قائمة المغيبين والمفقودين المئات من التركمان، بحسب أحدى الناجيات التركمانيات التي قالت خلال اتصالنا بها في كركوك بأن عدد المفقودين في تلعفر يقدّر بحوالي 1300 شخص وهي حصيلة مؤكدة من قبل ذويهم الذين عادوا الى تلعفر، فيما عدا ذلك فهي حصيلة تمت ملاحقتها في ملفات مفوضية حقوق الإنسان
بالنسبة لحصيلة المغيبين من العرب السنة، فقد قال عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، لـ(كركوك ناو)، "يتراوح عددهم بين ستة آلاف الى ثمانية آلاف مفقود ومغيب".
وكشف علي البياتي عن وجود المئات ممن تم العثور عليهم محتجزين أو مسجونين في المؤسسات الرسمية بتهم "تتعلق بالإرهاب وتهم أخرى".
واشار البياتي لـ (كركوك ناو ) ، "على الرغم من مصادقة العراق على اتفاقية حماية الأشخاص من الإختفاء القسري لكن لا يوجد لدينا قانون بصراحة يلزم الجهات المعنية القيام بالمهام الموكلة إليها في هذه الإتفاقية والتي تتضمن حماية الأشخاص من الإخفاء القسري"،
وشدد البياتي على ضرورة "التحقيق في أية شكاوى تتعلق بالإخفاء القسري ومحاسبة موظفي السلطة المتهمين بالإخفاء القسري ورفع الحصانة عن أي شخصية متهمة وتعويض من فقد من المواطنين وإبلاغ أهله وتعويض ذوي الضحية من قبل الدولة بهذه الجريمة"، حسب تعبيره.
وتابع البياتي "من واجب البرلمان المقبل أن يشرع قانوناً بهذا الشأن وأن يبدأ بإعداد السياسة الوطنية لتطبيق القانون وإنصاف الضحايا" .
واستطرد البياتي في حديثه لـ(كركوك ناو) بأن " المفوضية عملت وبشكل مستقل و كجزء من الهئية الوطنية المشكلة بالأمر الديواني 46 المعني بالمغيبين والمفقودين داخل المناطق المحررة."
تعويض ذوي المفقودين والمغيبين يعد من الملفات الرئيسية وقد حاولت (كركوك ناو) الوقوف على حقيقة ما يدور خلف كواليس ملف التعويضات بسؤالها مدير تعويضات نينوى، محمد عكلة، حول قضية المغيبين والمفقودين لكنه أجاب بكلام مقتضب قائلاً، " هذا موضوع شائك وفيه الكثير من التفاصيل التي يطول شرحها ".
الخبير القانوني الدكتور حيدر الظالمي قال لـ( كركوك ناو)، "لابد من معالجات قانونية لمشكلة المفقودين والمختفين عن طريق تشكيل لجنة حكومية عليا تتكون من وزارة العدل ومفوضية حقوق الإنسان ووزارة الداخلية ووزارة الهجرة والمهجرين تقوم بتدقيق أسماء المفقودين لغرض رصد تعويض عادل وكذلك توثيق الوفاة بشكل قانوني".
واضاف الظالمي " لقد ألزم الدستور الدولة بحماية حياة الأفراد وتوفير بيئة آمنة لهم وبالتالي تتحقق مسؤولية الدولة في حال تعرض أي شخص لأضرار نتيجة أخطاء عسكرية أو جراء العمليات الإرهابية".
وأوضح الظالمي بأن مسألة الاختفاء القسري للمواطنين تتداخل مع ملف قتلى تنظيم داعش والمسلحين الأجانب والعراقيين واصبح الامر بلا معالجة قانونية حقيقية رغم وجود الأساس القانوني الدستوري التشريعي لذلك.
العثور على سفيان ظل أملا يراود مخيلة عائلته وخصوصاً والدته التي ماتت بعد فترة حزناً على فراقه.
مصير المغيبين والمفقودين يظل مرهونا بإرادة العاملين على كشف الحقيقة، وقد يولّد الملف الكثير من الأزمات ويحدث تصدعاً في البنية المجتمعية ليس في نينوى وحدها بل في كل المحافظات الأخرى ما لم تتظافر الجهود الحكومية والتشريعية للكشف عن مصيرهم وتعويض عوائلهم بما يتناسب مع ما لحق بهم من أضرار.