زينب محمد (39 سنة)، مثال للسيدة المثابرة التي نجحت في التغلب على عشرات التحديات والصعاب في النزوح. وسط معاناتها التي زاد عليها انفصالها عن زوجها، تتشبث زينب بأحلام كبيرة، أهمها ضمان استمرار أطفالها في دراستهم، رغم صعوبة ذلك.
في منتصف عام 2014، حين وصل مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية ي العراق والشام (داعش) الى محافظة ديالى، نزحت زينب وزوجها (كلاهما من المذهب السني)، مع أطفالهما الثلاثة من مدينة بعقوبة، -مركز محافظة ديالى- صوب قضاء كفري التابعة لإدارة كرميان بمحافظة السليمانية، خوفاً على حياتهم.
استقرت عائلة زينب داخل بلدة كفري لفترة، لكن الحياة هناك كانت صعبة بالنسبة لهم، إيجار المنزل وعدم توفر فرص العمل دفعهم للتوجه الى ناحية سرقلا التابعة لقضاء كفري وهي من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان بموجب الدستور العراقي.
هناك، عملت زينب في حقل زراعي، فيما كان زوجها يشتغل كعامل بناء.
عندما هجرني زوجي، تعهدت بتكريس نفسي لتربية أطفالي، بدأت العمل في حقل زراعي في إحدى قرى سرقلا بأجر يومي
بعد فترة، أواسط عام 2016، تعرضت زينب لمحنة أخرى، وذلك بعد أن هجرها زوجها تاركاً مسؤولية رعاية أطفالهما الثلاثة على عاتقها.
"في أحد الأيام، خرج زوجي للعمل لكنه لم يعد، بعد مدة تبين لي أنه تزوج من امرأة أخرى ويعيش معها"، لا تملك زينب أية معلومات أخرى عن زوجها، لكنها اكتفت بالقول، "لن يعود، لم أره منذ ذلك الصباح الذي هجرنا، بل أنه لا يقدم لي أي عون لرعاية أطفالي الثلاثة".
أطفال زينب الثلاثة هم بنتان إحداهما تبلغ من العمر تسع سنوات والأخرى ست سنوات و ولد في الحادية عشرة من العمر.
"عندما هجرني زوجي، تعهدت بتكريس نفسي لتربية أطفالي، بدأت العمل في حقل زراعي في إحدى قرى سرقلا بأجر يومي ولا زلت مستمراً في العمل حتى الآن، كما أرعى الماشية ايضاً".
أول ما فكرت فيه زينب بعد انفصالها عن زوجها، هو الحفاظ على مستقبل الأطفال وضمان استمرارهم في الدراسة.
لتحقيق ذلك، توجب عليها إرسال أطفالها لمدرسة تقع في قرية اخرى، ما تطلب منها توفير أجور نقل تتراوح بين 50 ألف الى 60 ألف دينار شهرياً، فضلاً عن مستلزمات الدراسة. لم تستطع زينب تأمين ذلك المبلغ، فبعد أشهر قليلة أخرجت أطفالها من المدرسة.
زينب ترفض الاستسلام
تعمل زينب يومياً من الساعة السابعة صباحاً حتى 12:30 ظهراً، وبعد أن تأخذ قسطاً من الراحة لساعة واحدة، تستأنف العمل لغاية الساعة الخامسة مساءاً، تحصل زينب مقابل هذا التعب أجراً شهرياً قدره 390 ألف دينار، "هذه هي حياتي كل يوم".
يتمثل عمل زينب اليومي بزراعة الخضار والاعتناء بها في عدد من البيوت البلاستيكية.
"كنت أفكر كل يوم، إن لم يدرس أطفالي فسوف يضيع مستقبلهم، لم أكن أعرف ماذا افعل"، واستطردت زينب، "في أحد الأيام فكرت في طلب المساعدة من إحدى عماتي المقيمة في مدينة بغداد".
وتابعت زينب، "طلبت منها أن تأخذ اثنين من اطفال عندها لكي يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة واحتفظت بابنتي الصغرى عندي، فقبلت بذلك، أخبرتها بأنني سأوفر لهما مصاريفهما اليومية، كل ما أطلبه هو أن يقيما في منزلها". العام الماضي، أرسلت زينب طفليها الى بغداد عند عمتها، وهما الآن في الصف الثاني الابتدائي.
"أراهما كل شهرين أو ثلاثة، نتحدث يومياُ مع بعض عن طريق الفيسبوك"، وقالت زينب، "المهم عندي هو أن لا يضيع مستقبلهما".
تقول زينب أنها تخصص جزءاً من الأجر الذي تحصل عليه يومياً لمصاريف طفيليها في بغداد والجزء الآخر لتأمين احتياجاتها اليومية.
زينب مثال لعشرات النساء النازحات، اللائي فقدن ازواجهن بسبب الحرب والنزوح أو اسباب أخرى، لكن ذلك لم يمنعهن من تكريس كل امكانياتهن للاعتناء بأطفالهن.
"سعيدة لأن طفليّ التحقا بالدراسة، لكن ما يؤرقني الآن هو مصير ابنتي الصغرى التي بلغت السادية من العمر ويجب أن تلتحق بالمدرسة العام المقبل، أفكر في ذلك منذ الآن".
"لا أريد لهم أن يواجهوا نفس مصيري، أنا ايضاً درست سنة واحدة ثم أخرجوني من المدرسة، هذه هي حياتي الآن"، تقول زينب.