في الذكرى الثامنة لسقوط الموصل.. ماذا كسبت بعد أن خسرت الكثير

نينوى / 10 حزيران 2014/ طوابير السيارات تحمل الاف المواطنين هاربين من مدينة الموصل باتجاه مدن كوردستان تصوير: عبد الله العبيدي

مجيد العباجي- كركوك ناو - الموصل

10/6/2014 بدا يوماً غير عادي بالنسبة لسكان الموصل. صحيح أن المدينة في كل يوم تشهد خرقا امنيا مختلف بحسب مصادر امنية واهالي المدينة، ولم يستتب الأمن منذ عام 2005 وحتى 2014 مدة يومين متعاقبين إلا أن ذلك اليوم، 10/6/2014 اختلف عن باقي الأيام، شهد انفجارات متكررة وقطع للطرق ومنعا للتجوال منذ الساعة الثانية عشرة ظهرا ليكسره دخول تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش".

بدا الحال مريبا من وجوه القوات الأمنية التي كانت تتنقل بسرعة بين مكان واخر وسط صراخ تطلقه على الناس بالبقاء بالبيوت وعدم الخروج لأي سبب.. طلبة الجامعات علقوا في الشوارع وعادوا الى بيوتهم مشيا على الاقدام حتى من كان من خارج المدينة انطلق الى مكانه مشيا مهما كان طول الطريق.

نينوى/ 10 حزيران 2014/ غطاء الرأس لعناصر الجيش العراقي "خوذة" مرمية على الارض بسبب تركها من قبل العناصر وارتدائهم الزي المدني تصوير: عبد الله العبيدي

انتهى الاشتباك المتكرر في منطقة 17/تموز شرق الموصل بانفجار كبير لسيارة مفخخة في منطقة "الزنجلي" استهدفت القوات الأمنية التي كانت تصد التعرض وهي اخر قوة في خط الصد قبل أن يبدأ الاخرون بنزع البزة العسكرية والهرب الى بر الأمان. وجزء آخر من رجال الأمن نزع البدلة الامينة وارتدى "القندهاري" إذ كانت الأجهزة الأمنية مخترقة، فكان هناك من هو بزي عسكري أمني لكن يعمل مع التنظيم وبشكل خفي وهذا كان الجزء الأخطر.

كنت أعلم بأن الحال سيكون أسوء من ذي قبل، اخذت اهلي بعد ان فرغ حينا من رجال الأمن وانطلقت الى الجانب الايسر

الشوارع اكتظت بقطع الأسلحة والخوذ والبدلات العسكرية الملقاة على الأرض، سيارات الأمن رُكنت جانبا أو في وسط الطرقات وتُركت لمن يرغب، الناس حملوا أمتعتهم وعبروا الجسور الى الجانب الايسر، وما تبقى من المسيحيين أول من غادر المدينة، ولم تفلح خطط الفرق العسكرية التي اجتمعت لقطع الجسور، وما هي الا ساعات حتى فرغت المدينة لسيارات "العذاري" التي يعتليها أجانب بشعر طويل ولحى كثيفة.

يقول عبد الله العبيدي الذي عبر الجسر الثالث وهو يدفع عربة خشبية يحمل عليها والده المريض، لـ كركوك ناو " كنت أعلم بأن الحال سيكون أسوء من ذي قبل، اخذت اهلي بعد ان فرغ حينا من رجال الأمن وانطلقت الى الجانب الايسر ومن بعدها الى إقليم كردستان لنعود بعد 4 سنوات".

أول نزوح

في نفس اليوم اصطفت طوابير المركبات امام بوابات محافظات إقليم كردستان، كان المشهد في سيطرة دهوك يشي بهجرة جماعية، يقول احمد عبد الباقي لـ كركوك ناو "وقفت على سيطرة الدخول الى دهوك، يوم كامل بنهاره وليله ومعي الكثير من الناس، نمنا في السيارات وعلى الشارع، كان اهم شيء عندي أني لن أعود كنت موظفا في قناة سما الموصل وبقائي يعني موتي فقد قتلوا قبلي اثنين من زملائي".

بدأ محافظ نينوى الأسبق وقتذاك "اثيل النجيفي" بالتجوال ليلا في أزقة وأحياء لن يصلها التنظيم بعد، داعيا الناس الى مواجهة الإرهاب الذي يدهم المدينة لان اليوم هذا سيكون نقطة فاصلة.

يقول الخبير السياسي علي غانم لـ كركوك ناو، ان " توقع محافظ نينوى الأسبق اثيل النجيفي الخطر الذي يحيق بالمدينة لكنه نسي أنه كان سببا قبل ذلك اليوم بسياسته العدائية مع بغداد ولا سيما مع رئيس الوزراء الأسبق أيضا نوري المالكي".

انخرطت جبهات وتكتلات في بداية الامر مع القوة التي دخلت الى الموصل باعتبارها قوة أزاحت ظلم وحيف استمر لسنوات وهؤلاء يريدون للمدينة الأفضل

انقسم الناس في ذلك اليوم بين من حضّر للخروج من المدينة مع سيل الخارجين منها حيث بلغت النسبة وقتها أكثر من نصف مليون مواطن موصلي خرج من المدينة مع اول أيام دخول داعش، بحسب مصدر من الحكومة المحلية، ليعود قليل منهم بعدها بأيام لأسباب متعددة، وقسم لزموا بيوتهم لأن الحال صارت مستقرة بعد هدوء تام من أزيز الرصاصات والانفجارات على اعتبار الداخلين اليها "ثوار عشائر" بحسب الرؤية التي روّجها زعماء سنة أرادوا بسبب عداء قديم لكنهم بدلوا آراءهم بعد أيام.

يقول الدكتور محمد العطار، لـ كركوك ناو " انخرطت جبهات وتكتلات في بداية الامر مع القوة التي دخلت الى الموصل باعتبارها قوة أزاحت ظلم وحيف استمر لسنوات وهؤلاء يريدون للمدينة الأفضل! من مثل النقشبندية وغيرهم لكن رفع علم تنظيم الدولة الأسود بعد أيام على البنايات الشاهقة صدم الجميع وبان كل شيء".

هل سقطت الموصل بذلك التاريخ؟

ويرى مواطنون واكاديميون وشخصيات من مختلف فئات المجتمع، بأن تاريخ 10/6/2014 لم يكن تاريخا لسقوط الموصل إذ كانت الموصل بالأساس بعهدة تنظيم القاعدة الذي كان يصول ويجول من خلال موظفين مخترقين في الأجهزة الأمنية ويفرض الاتاوات على المقاولين والتجار ويوقف مشاريع ويغلق شوارع ويختطف ويقتل ويعترض دون أن يخسر فردا واحدا.

الدكتور محمد العطار هو واحد ممن سرت عليه طقوس محكمة لتنظيم القاعدة بعد أن تحدث على منبر مسجد بأمور لا يريد التنظيم الحديث عنها يقول "أخبروني بأن لزاما عليّ القدوم الى بيت في حي الانتصار بالجانب الايسر من الموصل لمحاكمتي وامتناعي عن الذهاب وقتها يكلفني حياتي.. ذهبت فوجدت رجال يحمون البيت وانتظرت حتى أدخلوني الى القاضي بسبب محاكمات أخرى لمواطنين معي، كانت القوات الامنية الرسمية موجودة في الشوارع وهي من تمسك الارض لكن الامر كان شكليا فقط".

يقول محافظ نينوى نجم الجبوري في حديثه عن ذكرى سقوط الموصل، لـ كركوك ناو، ان " الموصل لم تسقط بذلك التاريخ هي كانت ساقطة بيد التنظيم قبل ذلك التاريخ، لكن 10/ 6 هو الإعلان الرسمي لسقوط الموصل ليتم استعادتها بجهود القوات الأمنية بكافة صنوفها ويتحقق هذا الأمن".

ماذا خسرت الموصل؟

العاشر من حزيران كلف الموصل أرقاما هائلة وبحسب تقديرات رسمية وغير رسمية فإن الموصل خرجت بتكلفة باهظة ندرجها تاليا:

 -15 ألف مواطن بين شهيد وفقيد بحسب منظمة حقوق الانسان.

- 100 مليار دولار الخسائر الاقتصادية في القطاعات كافة

-36 مليار دولار قيمة خزائن المال والاسلحة المتروكة ابان سيطرة داعش

-250 ألف منزل دُمرَ خلال الحرب ضد التنظيم الارهابي

-30 ألف دولار قيمة إعمار المنزل الواحد مقبل اكثر من 100 الف وحدة سكنية دمرتها الحرب.

- 8457 وحدة اقتصادية حكومية تضررت خلال الحرب

- 88 مليار دولار قيمة إعمار المدن المحررة.

- 144 بناية دُمرت في جامعة الموصل اي ان 80% منها كان خارج الخدمة.

فيما لم تتم إدانة أي جهة تسببت بهذا الحدث الذي اكل الأخضر واليابس.

ماذا حققت الموصل؟

ثانية كبريات المحافظات العراقية تضعضع الامن فيها بدءا من سقوط العراق عام 2003 ولم يستقر الا عام 2018 أي بعد التحرير بعام.. الطائفية والاقتتال والحروب والخروق الأمنية بتنوعها نهشت بنية المدينة قبل أن تنهشها الحرب.

لم تمت كل الأحوال العصية على الحكومة والشعب الا بذلك التاريخ الذي وحد الجميع ضد عدو واحد.

الباحث السياسي علي غانم يصف ذلك اليوم بالقول " لم تكن الموصل لتهدأ ويصفى الحال فيها لولا ذلك اليوم. ولم يكن العراق ليقتل الطائفية لو لا ذلك اليوم الذي اجتمع فيه الجميع للخروج بشكل جديد لعراق واحد ضد عدو واحد".

وبحسب اهالي المحافظة من مختلف القوميات والاديان والطوائن، ان 10/6 هو ليس يوما لاستذكار يوم السقوط الذي جر المدينة الى خسائر فادحة فحسب، وانما ذكرى للكشف والغربلة التي نتج عنها انحسار الخلايا النائمة وافتضاح أمرها ليتمخض عنها مدينة مستقرة.

 وبحسب تقارير دولية ومحلية لمنظمات, تعد الموصل من أكثر المحافظات العراقية أمانا واستقرار،وهي بالمركز الثاني بعد مدينة دهوك بحسب تصريحات رسمية، وهذا ما كسبته الموصل بعد أن خسرت الكثير، وهي تنتظر أن تستكمل مسيرة النهوض من خلال إعادة الحياة اليها وبكل ما فيها.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT