خلال السنوات العشر الماضية، تمكن موقع (كركوك ناو) من القيام بتغطية مستقلة وذات جودة عالية في مناطق شمال العراق، حتى حينما كانت المنطقة يسيطر عيها تنظيم داعش استمر (كركوك ناو) في إيصال الأخبار والمعلومات.
"هدفنا الرئيسي إيصال نفس المعلومة لجميع سكان تلك المناطق بغض النظر عن القومية التي ينتمون اليها. نحن نترجم جميع المواد للغات العربية، الكوردية والتركمانية، كما ننشر باللغة الانجليزية للمهتمين بمعرفة أخبار المنطقة في خارج العراق"، يقول سلام عمر، رئيس تحرير (كركوك ناو).
يعمل (كركوك ناو) في واحدة من أكثر المناطق تعقيداً وتشمل كركوك، وأجزاء من محافظات نينوى، ديالى وصلاح الدين شمالي العراق، حيث يقطن فيها الكورد، التركمان، العرب، الايزيديون والمسيحيون. هذه الأقليات تعرضت لعقود من التعريب إبان فترة حكم حزب البعث.
بعد سقوط نظام صدام حسين في عملية تحرير العراق، شهدت المنطقة توتراً وصدامات بين فترة وأخرى، وفي عام 2014 وقعت في قبضة داعش، وشهدت تلك الفترة ارتكاب العديد من الانتهاكات ضد حقوق الانسان، أبشعها كانت الإبادة الجماعية للايزيديين.
تظل هناك اليوم العديد من المناطق شمالي العراق كمناطق متنازع عليها بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة المركزية في بغداد، وصول الإعلام الى تلك المناطق أمر صعب والمساحة الاعلامية المحلية في تلك المناطق منقسمة، بحيث تصل سكانها فقط الأخبار التي تتسم بالتحيز أو عدم الاكتمال.
(كركوك ناو) الذي يعد أحد شركاء المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية (European Endowment for Democracy EED )، مؤسسة مستثناة من ذلك الفضاء الاعلامي، حيث دأب الموقع منذ عام 2011 على نشر الأخبار والمعلومات باللغات المختلفة لسكان المنطقة من أجل تأسيس الحوار بين مجتمعات المناطق المتنازع عليها.
بداية مليئة بالتحديات
"في البداية، كانت الأمور صعبة جداً، كان من الصعب العثور على صحفيين متمكنين لديهم علاقات مع المجتمعات المختلفة، والجميع كانوا يتهموننا بالعمل لصالح مجموعة اثنية أو أخرى"، يقول سلام عمر.
اليوم، بعد 11 سنة على تأسيسه، يملك (كركوك ناو) فريق عمل من 10 أشخاص من المجاميع الاثنية المختلفة الى جانب شبكة مراسلين واسعة في جميع أنحاء العراق.
نجح (كركوك ناو) في إنشاء سمعة جيدة كمصدر موثوق للأخبار حول المناطق المتنازع عليها، العديد من وسائل الاعلام الأجنبية تتواصل مع الموقع باستمرار للاطلاع وفهم الأوضاع في شمال العراق بصورة افضل.
على مدار سنوات من العمل، مر فريق (كركوك ناو) بظروف معقدة جداً. في أوج توسع نطاق عمله، سيطر داعش على 70 بالمائة من المنطقة التي يغطيها (كركوك ناو). "في تلك الفترة، طلبنا من أغلب مراسلينا الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش، التوقف عن العمل حفاظاً عن سلامتهم"، وبين سلام عمر أن قسماً كبيراً منهم أصروا على الاستمرار في العمل لأنهم كانوا يرون أن من واجبهم إيصال المعلومات والأخبار من المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش.
بلد غير آمن للصحفيين
حتى في يومنا هذا، بعد زوال داعش، يعتبر العراق بلداً غير آمن للصحفيين ويأتي في المرتبة 172 من بين 180 دولة، حسب تصنيف مراسلين بلا حدود لحرية الصحافة.
منذ عام 2003، قتل 22 صحفياً في العراق دون أن يعاقب أحد بتهمة قتلهم.
(كركوك ناو) مسجل كمؤسسة إعلامية، كل من الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان تسمحان لصحفيي (كركوك ناو) بالعمل في المناطق الخاضعة لسلطتهما، يعمل فريق (كركوك ناو) لبناء علاقة جيدة مع إدارات تلك المناطق، "باستثناء المتطرفين، لأن هذا أمر مستحيل"، بحسب سلام عمر.
حول التحديات التي تواجه الصحفيين في العراق، يقول سلام أنه في حين "تم تثبيت حرية الصحافة في الدستور العراقي، لكن عملياً لا تملك الحكومة رؤيا حقيقية، لا تفهم دور الصحفيين ولا تعرف أهميتهم للمجتمع، بالأخص للمكونات المهمشة التي لا يسمع صوتها".
لذا يحرص (كركوك ناو) على تغطية موسعة حول المكونات المهمشة، من الأقليات الدينية والقومية وصولاً الى النساء.
"في الوقت الحاضر، المضامين ذات الجودة العالية والموضوعية حول الأقليات في العراق قليلة. غالباً ما يتم عرضهم على هيئة مشاكل، في عين نعرضهم كمواطنين. نكتب مواضيع ومضامين واقعية ذات جودة عالية للتصدي للأخبار المضللة حولهم".
نموذج ناجح تقتدي به المؤسسات الاعلامية
يشدد سلام عمر على أنه يرى (كركوك ناو) كأداة لتحقيق السلام والديمقراطية. "الجهات المتنازعة دائماً ترى الاعلام كعدو لها أثناء الحرب. يحتاجون للدعايات وليس الجودة. يزدهرون على الأخبار الكاذبة ولا يريدون للمجتمع المحلي أن يعرف الحقائق. لذا من المهم أن يصبح الاعلام صوت المجتمعات المهمشة".
هذه الرؤيا أتت بثمارها. في عام 2020، حاز (كركوك ناو) على جائزة افضل تغطية لقضايا حقوق المرأة في العراق من قبل منظمة انترنيوز، والعام الماضي منح جائزتين من قبل إذاعة دنك (صوت) المحلية والمؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية لأفضل صحافة حقوق الانسان في المنطقة بعد نشر تقريرين أحداهما قصة طفل أجبر على القتال الى جانب مسلحي داعش، والآخر حول حرية التعبير ومحاكمة الصحفيين في كردستان العراق.
(كركوك ناو) مهد الطريق لقنوات إعلامية أخرى كي تغطي تلك المواضيع بشكل أفضل من السابق. العديد من المؤسسات الاعلامية أخبرت سلام عمر أن (كركوك ناو) منحهم الجرأة للكتابة حول قضايا الأقليات والنساء.
سلام عمر وفريق (كركوك ناو) مسرورون بالتقدم الذي أنجز حتى الآن، لكنهم ملتزمون بالاستمرار من أجل التغيير، "نريد إيصال أخبار ومعلومات قيّمة لمواطني العراق لكي يستطيعوا اتخاذ قرارات صحيحة بشأن مستقبلهم، بشأن الانتخابات وجميع القضايا التي يجب أن يواجهها بلدنا"، يقول سلام عمر.