تكاد شيلان محمد (38 سنة) تفقد كل من كانوا حولها، لأن الجفاف وشح المياه أجبر جيرانها في القرية على الهجرة صوب المدن بعد أن تخلوا مجبرين عن الزراعة وتربية المواشي.
تعيش شيلان في قرية الصالحية بقضاء كفري، وحسب متابعات (كركوك ناو) تعيش فيها الآن 15 عائلة فقط، في حين كان عددها العام الفائت 42 عائلة.
"بسبب شح المياه والجفاف ذهب الآخرون، جفت محاصيلهم وباعوا مواشيهم بنصف قيمتها وأخلوا القرية،... هناك عوائل أخرى تستعد للرحيل)، هذا ما قالته شيلان لـ(كركوك ناو).
أغلب العوائل، كعائلة شيلان، التي تخشى منذ الآن من شح المياه في الصيف القادم، يرون أن على الحكومة أن تستغل موسم الأمطار الحالي لتخزين المياه واستخدامها فيما بعد.
وفقاً لإحصائيات دائرة الأنواء الجوية في العراق واقليم كوردستان، تعد كفري من المناطق التي شهدت أعلى نسبة تساقط للأمطار خلال الـ24 ساعة الماضية، حيث بلغت أكثر من 31 ملمتراً.
لم نستطع حتى الآن تحديد كمية المياه المهدورة في كرميان
"سأضطر أيضاً لبيع منزلي في القرية بنصف قيمته والتوجه الى المدينة.. لم نعد نزاول الزراعة وتربية المواشي، لدينا انبوب مياه وحيد وهي مالحة ومتكلسة ولا تصلح للشرب، كان عندنا بئر بعمق 30 متر لكنه جف"، بحسب شيلان محمد، التي يمثل وضعها ما يواجهه معظم سكان القرى في قضاء كفري.
بموجب الدستور العراقي، قضاء كفري من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان، لكنه إدارياً يتبع إدارة كرميان المستقلة بمحافظة السليمانية.
إدارة كرميان كانت أعلنت موسم الجفاف في المنطقة نيسان 2022 وفي 2021 أيضاً بسيبب قلة الأمطار، لكن وفقاً للخطة الجديدة للحكومة، من المقرر الاعتماد على سدود صغيرة لتخزين مياه الأمطار والاستفادة منها في الصيف.
مؤيد أحمد، مدير الري بكرميان أوضح لـ(كركوك ناو)، أن نسبة كبيرة من مياه الأمطار التي تسقط في الشتاء والربيع تهدر في المنطقة، "لم نستطع حتى الآن تحديد كمية المياه المهدورة في كرميان".
حسب احصائيات إدارة كرميان، وصل مجموع كمية الأمطار التي سقطت في كرميان هذا العام الى 101 ملم، فيما كانت النسبة خلال العام الماضي لغاية 23 كانون الأول 2021 حوالي 24 ملم فقط، كما زادت نسبة تساقط الأمطار في مناطق كرميان الأخرى عشرات الأضعاف، فوصلت في كلار الى 89.3 بعد أن كانت العام الماذي 8.6 ملم فقط.
وبين مؤيد أنه "لدينا العديد من القرى التي تناقص عدد سكانها بسبب شح المياه واضطرارهم للهجرة، على سبيل المثال، كانت تعيش في قرية كوبان 60 عائلة لكن عددها الآن تراجع الى 20 عائلة فقط، بسبب شح المياه، وهذه مشكلة تواجه جميع مناطق كوردستان وطلبنا من الحكومة الاهتمام بإنشاء السدود الصغيرة، التي يمكنها أن تنقذ كرميان وجميع كوردستان".
توجد عدة سدود صغيرة في اقليم كوردستان فضلاً عن سدود أخرى لا زالت قيد الانشاء، واكتمل سابقاً بناء ستة سدود ضمن إدارة كرميان، تتراوح ارتفاعاتها بين 9 الى 17 متراً بسعة تخزينية تصل الى أكثر من مليون و600 ألف متر مكعب، ويمكن الاستفادة منها لري مساحة تقدر بـ200 دونم، حسب الإحصائيات الرسمية لحكومة اقليم كوردستان.
السدود الصغيرة تستخدم لتخزين مياه الأمطار والثلوج للاستفادة منها في مجالات الزراعة وتربية المواشي.
"شح المياه والجفاف أضر بنا كثيراً، لا نستطيع العمل في الزراعة وتربية المواشي كالسابق، حتى مياه الشرب بات من الصعب الحصول عليها"، تقول فاطمة خدر (50 سنة)، من سكنة قرية سيد خليل بقضاء كلار.
وتضيف فاطمة، بأن سكان القرية يزودون بالماء عن طريق الصهاريج المتنقلة وإذا لم يتم إيجاد حل لمواجهة مخاطر الجفاف، "سنضطر للهجرة، لأنه لم يعد لدينا ما نعيش عليه، أصبحت معيشتنا صعبة جداً".
وفقاً لإحصائيات إدارة كرميان، أثر الجفاف هذا الصيف على 135 دونم من الأراضي الزراعية الى جانب 700 ألف رأس ماشية، وكانت أضرار الجفاف أكبر في العام المنصرم.
مدير الري في كرميان يقول أنه طلب بناء 14 سد صغير لتخزين المياه ومواجهة الجفاف، لكن الطلب لم تتم الموافقة عليه بعد.
من المقرر تنفيذ مشروع بناء ثلاثة سدود صغيرة جديدة في كرميان، وتشمل سد كوبان بكلار وسعته التخزينية 250 ألف متر مكعب، سد سيد حسين في كفري، وسد سرقزل بناحية قوره تو بسعة 335 ألف متر مكعب، وبدأ العمل في بناء هذه السدود الصغيرة هذا العام.
وقال مؤيد أحمد، "أنشأنا سداً في قرية سرقزل التي يعاني سكانها من شح المياه، هذا السد سيخلص سكان القرية من أزمة المياه"، ويتوقع مؤيد عودة سكان قرية كوبان الى منازلهم بعد اكتمال بناء السد الصغير فيها.
آبار المياه إحدى مصادر المياه في كرميان، وتشير احصائيات الحكومة الى أن من مجموع أكثر من 24 ألف بئر لمياه الشرب، الزراعة والتصنيع في اقليم كوردستان، يوجد ألف و 796 بئراً في كرميان، 507 منها لمياه الشرب وأكثر من ألف بئر يستخدم للزراعة.
برأينا عدد أكبر من السدود الصغيرة ضروري لكرميان لأنها منطقة حارة وجافة
وتشمل الخطط والمشاريع الجديدة بناء تسعة سدود استراتيجية في اقليم كوردستان، واحدة منها تقع في كرميان وهو سد بردسور على نهر سيروان.
وقال مدير الري بكرميان أنه ليس من المعلوم كم سداً تحتاج كرميان للتخلص من مشكلة شح المياه، مبيناً ، "إذا تم بناء سد بردسور سيكون طوق النجاة لجميع سكان كرميان".
وأوضح مؤيد تعذر بناء سدود صغيرة في بعض قرى كرميان لأن طبيعة أراضيها لا تصلح لمثل هذه المشاريع، لكن بصورة عامة يمكن لأكثر من قرية الاستفادة من السدود الصغيرة في مجال الزراعة وتربية المواشي، "برأينا عدد أكبر من السدود الصغيرة ضروري لكرميان لأنها منطقة حارة وجافة".
توجد ضمن حدود منطقة كرميان سدود آوه سبي و باوه شاسوار، إضافة الى سد باوه نور الذي بلغت نسبت انجازه 5 بالمائة فقط وقد توقف العمل فيه منذ تسع سنوات.