"وليرة ودرهم"
لماذا يشتري العراق الروبية واليوان بدل الدولار؟

صورة تجمع العملات الأجنبية مع خلفية لمبنى البنك المركزي العراقي قيد الإنشاء تصميم: عمر الهلالي

بكر نجم الدين

يتجه العراق نحو تقليص هيمنة الدولار على ميزان تبادلاته التجارية الخارجية، ويحاول الخروج من العزلة المصرفية بالانفتاح على بنوك المنطقة وتجديد رغبة الانخراط  في الأسواق التجارية العالمية، لذلك أطلق البنك المركزي إجراءات جديدة لتخفيض الطلب على الدولار ورفع قيمة الدينار بشراء عملات الدول ذات التبادل التجاري مع العراق، مثل الليرة التركية واليوان الصيني والروبية الهندية والدرهم الإماراتي والتومان الإيراني وأخيراً اليورو الأوروبي خارج منصة المركزي لبيع الدولار.

وتعتبر هذه الإجراءات خدمية، تحقق للتاجر السرعة والسهولة في تحويل المستحقات وتفتح آفاق التعاون بين البنوك العراقية والأجنبية، لكن كيف تتم هذه العملية وما فوائدها؟

البنك المركزي يحوّل يومياً عبر نافذة بيع العملة أكثر من 200 مليون دولار لتغطية قيمة البضائع المستوردة من خارج العراق، فضلاً عن داخله، وهذه العملية تستنفذ الدولار العراقي، وتسبب ضغطاً على قيمته، سيما بعد تخفيض السعر الرسمي من 1450 إلى 1300، إذ يقوم التاجر العراقي باستيراد البضائع من الدول الأخرى، ويأتي إلى المركزي حاملاً وصولات الشراء لاستلام قيمتها بالدولار وفقاً للسعر الرسمي ثم تحوّل الأموال إلى الخارج، وهذه العملية تحتاج إلى الوقت وتسبب ضغطاً على الدولار الذي يملكه المركزي.

العراق الآن في مرحلة انفتاح بعملية تحويل العملات، وبدأ ذلك من الصين والإمارات والهند وحالياً منطقة اليورو

كيف تتم العملية الجديدة؟

ولأن العراق يستورد البضائع من دول لا تتعامل بالدولار في التبادلات التجارية، طرح المركزي عملية جديدة، إذ سيقوم بشراء عملات الدول الأخرى بالدولار، لاستخدامها في التبادل التجاري، وبدأ بشراء الليرة والدرهم واليوان والروبية لتسديد مستحقات تجار الدول بعملاتهم.

المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة، علي طارق يقول إن العراق الآن في مرحلة انفتاح بعملية تحويل العملات، وبدأ ذلك من الصين والإمارات والهند وحالياً منطقة اليورو، إذ باشر العمل مع الجانب التركي مؤخراً لتعزيز التحويلات للمصدّرين من تركيا وإجراء تسويات باليورو أو الليرة التركية، باستثناء إيران، لأن عملتها "التومان" تخضع لعقوبات اقتصادية، إلا أن الحكومة العراقية تعمل على إيجاد آليات تراعي المعايير الدولية وفي الوقت ذاته تمول التجارة بشكل يضمن حقوق جميع الأطراف.

علي طارق
المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة، علي طارق

الشروط والمتطلبات الخاصة بعملية التحويل ستبقى هي ذاتها، وعلى التاجر أن يقدم كافة المستمسكات والوثائق التي تثبت الاستيراد، لكن عملية التحويل ستكون خارج المنصة، وستجري بشكل مباشر من خلال المصارف العراقية التي لديها حسابات في مصارف تركية، وفقاً لطارق الذي يؤكد أن "البنك المركزي سيشتري وعن طريق المصارف، عملات الدول الأخرى، كاليورو والليرة التركية بالدولار، وأن العملية ستتم عبر البنك المركزي، إذ سيستلم من التجار العراقيين المستحقات الواجب دفعها لتجارتهم، بالدينار العراقي، وسيدفعها للتجار الموردين بعملات بلدانهم، عن طريق حساب المصارف العراقية المعتمدة في الخارج".

فوائد وصعوبات

طارق يبيّن أن العملية الجديدة ستسهم في بناء علاقات مصرفية بين المصارف العراقية ومصارف الدول الأخرى، وستحقق السرعة في تلبية طلبات التجار وبالدينار العراقي، وستنعكس إيجاباً على فرق الدولار بين السعر الرسمي والموازي.

ولأنها تتم خارج المنصة، لذلك ستخفف الضغط عن حاجة المركزي إلى تأمين الدولار لتغذية التجارة الخارجية.

"لا علاقة لهذه العملية بحصر الدولار وتخفيض سعر الصرف بشكل مباشر، إنما هي عملية خدمية، وسرعة تحقيق الخدمة قد يخفض الفرق ما بين السعر الرسمي والموازي"، بحسب طارق الذي يؤكد أن التجار سيجدون هذه العملية مجدية من ناحية الوقت والإجراءات الفنية، فضلاً عن الضمان المالي، بالتالي سينخرطون فيها بشكل أكبر، وهذا سيؤثر على طلب الدولار من منافذ غير رسمية، فالصين وعدة دول عالمية تتبع هذه العملية وهي مجدية ومفيدة سيما للتجّار.

صعوبات العملية تكمن في عدم امتلاك جميع المصارف العراقية لحسابات معتمدة في مصارف الدول التي يرتبط معها العراق بتجارة خارجية، لذلك العملية تتطلب فتح حسابات جديدة للمصارف العراقية في الدول التي يرتبط معها العراق في التجارة، وبالتالي يمكن تغطية جميع العمليات التجارية بعملات الدول الأخرى عبر حسابات المصارف العراقية.

وكان البنك المركزي قد أدخل اليورو الأوربي إلى خط الاعتماد في التبادل التجاري مع تركيا قبل نحو أسبوعين، وضخ عشرات الملايين منه، كما فتح قنوات جديدة مع الدول ذات العلاقة التجارية مع العراق للمباشرة باعتماد العملية الجديدة، وتجري عملية شراء العملات بشكل منظم ومدروس من قبل المركزي.

ماذا يقول الخبراء؟

"العراق لا يحتاج الدولار في التعاملات الخارجية، لأن 80% من حجم استيراداته هي من الإمارات، الصين، تركيا، إيران، والهند وهذه الدول جميعها لا تتعامل بالدولار"، بحسب الخبير الاقتصادي منار العبيدي، الذي أكد أن العراق يحتاج عملات هذه الدول، وأن تداول عملاتها في التجارة سيخفف الضغط على الدولار، سيما تركيا التي يبلغ حجم استيراد العراق منها نحو 10 مليارات دولار سنوياً، بالتالي فتح أو تعزيز أرصدة لهذه المبالغ يقلل الحاجة إلى الدولار.

العبيدي متفائل بالعملية الجديدة ويؤكد أن اعتمادها سيخفّض سعر الصرف في السوق الموازي، وسيلجأ التجار إلى التحويل الرسمي ويصبح التعامل مباشر مع عملات الدول المستورد منها.

2022-08-02_090732
الخبير الاقتصادي منار العبيدي

بعكس الخبير الاقتصادي دريد العنزي، الذي يقول إن العملية "مضحكة"، فالعراق سيشتري عملات الدول الأخرى بسعر تحدده الدولة المقابلة مثل تركيا، وسيتحمل رسوم تحويل الأموال من الدول الأخرى لحساب المصارف العراقية في كل عملية تحويل، وكلها "خسارة".

المصارف ستبيع التاجر العراقي العملات الأخرى بعد تحميله العمولة، والتاجر سيضع العمولة على سعر البضائع وبالتالي المواطن هو من سيتحمل الفرق.

ويتساءل العنزي لماذا لا يسمح الفيدرالي، للعراق أن يبيع النفط الخام بالليرة التركية حتى تصبح تجارة متبادلة مع تركيا وبعملتها وليست استيراد باتجاه واحد، وكذلك الأمر مع الهند والصين؟ ويقول إن الأولى رفع قيمة الدينار العراقي عن طريق الصناعة والإنتاج المحلي.

تقلبات سعر صرف الدولار بين الدينار وعملات الدول الأخرى بسيط لا يذكر، ولا يؤثر على العملية

ويصل إلى نتيجة يعتبرها محصلة العملية وهي سحب عرض الدولار وبيعه من البنك المركزي العراقي لصالح الفيدرالي الأميركي.

لكن مدير المصارف علي طارق يقول إن تقلبات سعر صرف الدولار بين الدينار وعملات الدول الأخرى بسيط لا يذكر، ولا يؤثر على العملية، وعمليات التحويل بين المصارف العراقية والأجنبية هي اعتمادات متبادلة بين الحسابات فقط.

المشهد يبدو واضحاً، فشراء البنك المركزي لعملات الدول ذات التبادل التجاري مع العراق وبالدولار هي عملية خدمية للتجّار وتعزز من قوة المصارف العراقية فقط، وليست لحصر الدولار وتخفيض سعره بشكل مباشر، والغاية منها تجارة أسلس وأسرع تخفف الضغط على الدولار وقد تقلل من الفرق بين السعر الرسمي والموازي.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT