البرلمان الأوروبي وبكل صراحة يدافع عن المرأة العراقية: يجب رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية

نينوى/ 2024/ احتجاجات ناشطي حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني ضد مساعي تعديل قانون الأحوال الشخصية في البرلمان العراقي  تصوير: أحمد بله

كركوك ناو

طالب البرلمان الأوروبي بالرفض الفوري والتام للتعديلات المقترحة في قانون الأحوال الشخصية، لأنها تنتهك الحقوق الأساسية للمرأة، وحذر من مغبة تراجع سمعة العراق الدولية وحجب بعض المساعدات الأجنبية.

المطالب الأوروبية جاءت في إطار قرارٍ أصدره يوم الخميس الماضي، 10 تشرين الأول 2024 حول التعديلات المقترحة في قانون الأحوال الشخصية في العراق رقم 188 لسنة 1959، والتي أثارت موجة من الاحتجاجات من قبل المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة.

يتضمن نص التعديل تغيير المادتين 2 و10 من قانون الأحوال الشخصية والذي يتيح للمواطنين اللجوء إلى رجال الدين الشيعة والسنة للتقاضي فيما يخص عقود الزواج وتصديقها خارج المحكمة.

مخاوف المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والمنظمات الدولية تتمثل في أن التعديل يتيح زواج القاصرات في سن التاسعة.

بعض المذاهب تبيح زواج الفتيات من سن التاسعة، هذه هي النقطة التي نطالب برفضها

وحث قرار البرلمان الأوروبي الذي ترجمه موقع (كركوك ناو) من الانجليزية، البرلمان العراقي على "الرفض الفوري والتام للتعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959"، مشيراً الى أن التعديلات تنتهك التزامات العراق الدولية بشأن الحقوق الأساسية للمرأة، ما يؤدي الى تراجع ملحوظ  في السمعة الدولية وحجب بعض المساعدات من قبل المنظمات المتعددة الأطراف".

وطالب القرار من نائب الرئيس/ الممثل السامي والدول الأعضاء في البرلمان ألأوروبي بإدانة التعديلات المقترحة، "بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق تدعو الى جعل منح التنمية مشروطاً بالتدريب القضائي على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وإنشاء ملاجئ للنساء".

البرلمان الأوروبي في تفسيره لتداعيات التعديلات استند الى خبراء الأمم المتحدة الذين أعربوا عن مخاوف ازدياد العنف ضد المرأة في المستقبل، حيث أن في الحد الأدنى لسن الزواج القانوني بالنسبة للبعض هو 9 سنوات للفتيات و15 سنة للفتيان، في حين أن 22 بالمائة من الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات دون سن الـ14.

وأشار الى أن 73 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع الذي أجراه فريق استطلاع الرأي العراقي أعربوا عن "معارضتهم الشديدة" للتعديلات على قانون الأحوال الشخصية.

مشروع تعديل القانون تم تقديمه لرئاسة مجلس النواب العراقي من قبل النائب المستقل رائد المالكي ويحظى بدعم نواب ومسؤولين من المذهب الشيعي، من ضمنهم الإطار التنسيقي.

بحسب التعديلات تم إضافة فقرة للمادة الثانية تتيح للمواطن العمل بأحكام المذهبين الشيعي أو السني عند إبرام عقود الزواج، بالاستناد الى مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية.

ويلتزم المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السنّي والوقف الشيعي بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى بوضع (المدونة) وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال (6) أشهر من تاريخ نفاذ القانون، حسب التعديل المقترح.

شوخان احمد، مديرة منظمة المساعدة القانونية للنساء في السليمانية –من مهامها الدفاع عن حقوق النساء- قالت لـ(كركوك ناو)، إن "بعض المذاهب تبيح زواج الفتيات من سن التاسعة، هذه هي النقطة التي نطالب برفضها".

فيديو: بغداد/ 2024/ تجمع احتجاجي نظمه "تحالف 188" ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية    المصدر: صفحة التحالف على فيسبوك

بموجب قانون الأحوال الشخصية في العراق رقم 188 لسنة 1959، يشترط أن تكمل الفتاة 18 سنة للزواج، لكن الفقرة واحد من المادة 8 من نفس القانون تنص على أنه "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فالقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية".

البرلمان الأوروبي أعرب في قراره عن خشيته من أن تمهد التعديلات الى إضعاف الأطفال الإناث، وخاصة الأيتام والأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض، وتفاقم خطر وقوعهم ضحية للإتجار بالبشر والاستغلال من قبل الأوصياء أو الأقارب.

كما حث البرلمان الأوروبي العراق على اعتماد خطة عمل وطنية للقضاء على زواج الأطفال، وتجريم الاغتصاب الزوجي، ومكافحة العنف المنزلي، وتعزيز حقوق النساء والفتيات، بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

اللجنة القانونية النيابية اصدرت بياناً في 20 ايلول 2024 تعهدت فيه بأخذ جميع الاعتراضات والملاحظات حول تعديل قانون الأحوال الشخصية بنظر الاعتبار ونفت فرض إرادة أي جهة لتمرير التعديلات.

التعديلات ستؤثر على حقوق المرأة في حين أن الأمور العائلية، بما في ذلك الزواج والطلاق وحضانة الأطفال

القراءة الأولى لمشروع قانون التعديل جرت في 4 آب 2024، وسعى البرلمان لإتمام القراءة الثانية للمشروع، لكن احتجاجات بعض النواب المعارضين حالت دون اكتمال النصاب القانوني للجلسة. القراءة الثانية لمشروع القانون جرت في 16 أيلول وكان من المقرر التصويت عليه مطلع تشرين الأول 2024، لكنه تأجل الى إشعار آخر.

الناشطة في مجال حقوق المرأة في نينوى، ميسم عبدالله قالت لـ(كركوك ناو)، "نحن نرفض التعديلات لأنها تنتهك حقوق المرأة، بخلاف ما يقال عن أنها للدفاع عن حقوقنا"، وذلك خلال تجمع احتجاجي بمشاركة العشرات من النساء والناشطين.

في مقابل الدعم القوي الذي تحظى به التعديلات من النواب الشيعة، يقف عدد من نواب المكونات الأخرى، بالأخص القوائم الكوردية ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية، فضلاً عن إقامة تجمعات احتجاجية للمنظمات النسائية في معظم محافظات العراق واقليم كوردستان، من بينها "تحالف 188" الذي يضم عدداً من منظمات المجتمع المدني وناشطات حقوق المرأة.

"تحالف 188" في العراق والسليمانية رحب في بيان قبل أيام بقرار البرلمان الأوروبي وشدد مجدداً على معارضته للتعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية.

البرلمان الأوروبي أشار في قراره الى أن التعديلات ستؤثر على حقوق المرأة في حين أن الأمور العائلية، بما في ذلك الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، سوف تقع فعلياً ضمن اختصاص المحاكم الدينية وليس المدنية.

مجلس القضاء الأعلى في العراق عبر في بيان صدر في 22 أيلول 2024 عن دعمه للتعديلات المقترحة في القانون ونفى أن تكون خطوة لتشجيع الزواج المبكر وأوضح بأن التعديلات تستند الى أحكام المادة 41 من الدستور العراقي الذي ينص على أن "العراقيين احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون".

وفي 17 ايلول أجازت المحكمة الاتحادية تعديل قانون الأحوال الشخصية وشددت على أن "الدستور منح الشعب العراقي حرية تنظيم أحواله الشخصية".

منظمة العفو الدولية، طالبت في تقرير صدر يوم 10 تشرين الأول 2024 بإسقاط المشرعين العراقيين لتعديلات قانون الأحوال الشخصية، والتي من شأنها أن تنتهك حقوق النساء والفتيات، وترسّخ التمييز، ويمكن أن تسمح بزواج الفتيات في سن التاسعة.

461780022_8274955545935840_1056562186899247302_n

السليمانية/ 2024/ الناشطة في مجال حقوق المرأة تتلو في تجمع احتجاجي  بيان "تحالف 188" ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية  الصورة: من صفحة بهار منظر على فيسبوك 

وقالت الباحثة المعنية بشؤون العراق في منظمة العفو الدولية، رازاو صالحي، "يجب على المشرعين العراقيين أن يستمعوا إلى تحذيرات المجتمع المدني، ومجموعات حقوق المرأة، من التأثير المدمر لهذه التعديلات، التي من شأنها إلغاء سن الزواج القانوني الحالي البالغ 18 عاما للفتيات والفتيان على حد سواء، مما يمهد الطريق لزواج الأطفال".

وفقاً لمنظمة العفو الدولية، التعديلات المقترحة تنتهك التعديلات المعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واتفاقية حقوق الطفل.

بحسب احصائية لمنظمة اليونيسيف، 28 بالمائة من فتيات العراق يتزوجن قبل بلوغ الثامنة عشرة، وكشفت احصائية لبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، 22 بالمائة من حالات الزواج غير المسجلة هي لفتيات دون سن الـ14، ويأتي ذلك في حين حذرت الأمم المتحدة من أن الفتيات اللائي يُجبرن على الزواج قبل سن الـ18 أكثر عرضة للتعنيف والتهديد والمشاكل الصحية.

في آب 2024، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير من آثار تعديل قانون الأحوال الشخصية، ورأت المنظمة الحقوقية أنه في حال إقراره "ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي".

حتى إعداد هذا التقرير (ظهر الأحد، 13 تشرين الأول 2024)، لم يرد البرلمان العراقي ومراكز صنع القرار في بغداد على قرار البرلمان الأوروبي، وليس من الواضح فيما إن كانت التعديلات ستمرر أو ستتكرر أحداث أعوام 2014 و 2017، حين تم تقديم تعديلات مماثلة لكنها لم تقر بسبب تصاعد الاحتجاجات.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT