ردت محكمة القضاء الإداري أخر الدعاوى المقدمة من المعترضين العرب والتركمان والكورد بشأن ملف تشكيل حكومة كركوك المحلية في "فندق الرشيد" بالعاصمة العراقية بغداد، وكانت مقدمة من قبل المحافظ السابق ورئيس التحالف العربي راكان سعيد الجبوري، وتخص عقد الجلسة الثالثة للمجلس وانتخاب ريبوار طه محافظاً وهو قيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني، وإبراهيم تميم شقيق وزير التخطيط، نائباً فني له بنفس اليوم دون تبليغ جميع الاعضاء وعدم انتخاب نائبي رئيس المجلس محمد الحافظ عن تحالف "القيادة" والمقرب من حزب الحلبوسي.
في 10 آب 2024، انتخب رئيس المجلس والمحافظ ونائبه الفني ومقرر المجلس " انجيل زيا" بلجسة عقدت بوقت متأخر غاب عنها أعضاء التحالف العربي والكتلة التركمانية والديمقراطي الكوردستاني، الجلسة حضرها 9 أعضاء من أصل 16 وهكذا كان الناصب مُكتمل.
وخلال الأشهر الماضية ردت المحكمتين الإدارية والاتحادية العديد من الشكاوى المقدمة من المعترضين، وكان الحسم والاعتراف بهذه الحكومة في 22 كانون الثاني الجاري حيث ردت المحكمة الإدارية الدعوى المقامة بشأن عدم شرعية انتخاب الحكومة المحلية في محافظة كركوك، مؤكدةً بشكل نهائي صحة إجراءات جلسة "فندق الرشيد".
وبعد يوم على قرار محكمة القضاء الإداري، أعلنت الجبهة التركمانية العراقية، مقاطعتها لاجتماعات ائتلاف إدارة الدولة، على خلفية رد الدعوى المرفوعة ضد شرعية حكومة كركوك، وقالت إن لديها معلومات تفيد بأن القضاء تعرض لضغوطات غير قانونية.
وبعد ساعة من القرار قالت قائمة جبهة تركمان العراق الموحد، إن إصدار القرار دون مراعاة خصوصية محافظة كركوك سابقة خطيرة كما أن الجلسة المنعقدة في فندق الرشيد خالفت قانون رقم (4) لسنة 2023 "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018" في الفقرة (13) منه، والتي دعت لإدارة المحافظة من قبل كل المكونات.
مؤكدةً "إننا إذ نرفض جلسة فندق الرشيد، وكافة مخرجاتها، نأمل من المحكمة الإدارية العليا إعادة الأمور إلى نصابها، وانصاف المكون التركماني وأبناء محافظة كركوك لينعم أهلها بحكومة محلية تمثل تطلعاتهم وآمالهم في الإدارة المشتركة والتعايش السلمي وإبعاد شبح الإرهاب عن محافظتهم".
نعبر عن استغرابنا العميق من هذا القرار الذي يتناقض مع سوابق قضائية مشابهة حسمت لصالح القانون والعدالة
رئيس الجبهة التركمانية وفي تغريدة غاضبة عبر منصة "أكس" قال، إن "قرار محكمة القضاء الاداري المتعلق بقضية الحكومة المحلية في محافظة كركوك 118/2025 كانت بالنقيض تماما لرؤية السيد رئيس مجلس الوزراء التي تلخصت بالحفاظ على العيش المشترك وتعزيز اواصر الاخوة والتعاون بين ابنائها على ان يكون منهج الشراكة والتوافق وعدم الاقصاء اساسا للعمل في محافظة كركوك عبر مبادرة دولته في ائتلاف ادارة كركوك المشكلة من القوائم الفائزة والتي استمدت شرعية التمثيل من صناديق الاقتراع".
وجاء في بيان مشترك للتحالف العربي وحزب السيادة، " شكل القرار الصادر عن محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22 / 1 / 2025، الذي أقر بشرعية حكومة فندق الرشيد التي تشكلت على أساس العديد من المخالفات القانونية، صدمة كبيرة لأبناء كركوك عامة، ولأبناء المكون العربي على وجه الخصوص، لقد كان أبناء كركوك يعولون على نزاهة وعدالة القضاء الإداري الذي طالما عُرف بمواقفه الحيادية والمنصفة في القضايا المشابهة".
"نعبر عن استغرابنا العميق من هذا القرار الذي يتناقض مع سوابق قضائية مشابهة حسمت لصالح القانون والعدالة".
وفي 12 آب 2024 وصف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الجلسة بغير قانونية، عازياً ذلك إلى عدم إشراك جميع أعضاء مجلس المحافظة في الجلسة.
ماذا حدث في ليلة "الرشيد" وقبلها؟
لم يكن مفاجئاً أن يفوز ريبوار طه بمنصب محافظ كركوك، لأن اسمه بقي متداولاً طيلة الأشهر قبل ليلة الحسم وحتى قبل إجراء الانتخابات المحلية، بينما كان اللغط على اسم رئيس المجلس، لكن كثيرين توقعوا شداً وجذباً ومشادات قبل جمع 9 أعضاء في قاعة واحدة لعقد جلسة انتهت بسرعة وهدوء وابتسامات وصور تذكارية و”سيلفيات” متفائلة، وبذلك حظيت كركوك بمحافظ ورئيس مجلس منتخبين لأول مرة منذ 2005 هما ريبوار طه عن الاتحاد الوطني الكوردستاني ومحمد إبراهيم الحافظ المقرب من حزب تقدم.
ولعب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دوراً واضحاً في تفتيت أزمة تشكيل حكومة كركوك والضغط لإنهائها بطلب من جميع الأطراف، ومن الملفت أن الوفد العربي الذي أطلق “الدخان الأبيض” من قاعة فندق الرشيد وسط المنطقة المحصنة، كان قد خرج من بيت رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي قبل دقائق من جلسة النهاية، وكان من بين أكثر المحتفلين حماساً زعيم حركة بابليون المسيحية ريان الكلداني، الذي اضطلع بدور رئيسي في لعبة الأرقام والنصاب لتلك الجلسة، وظهر كتفاً لكتف مع رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني بافل طالباني، بعد استعادة حزبه منصب المحافظ للمرة الأولى منذ أحداث 2017، حين سيطر نائب المحافظ عن العرب راكان الجبوري على المنصب لسبعة أعوام.
وبرغم أن التركمان أطلقوا تصريحات ضد تهميشهم وتجاهلهم من الدعوات لحضور الجلسة، لكن الصور أظهرت وجود القيادي التركماني مقرر مجلس النواب غريب عسكر، مصافحاً ريبوار طه ومباركاً له المنصب ونجاح الجلسة، وتشير المعلومات إلى أن التركمان سيحصلون على مناصب بينها نيابة المحافظ أو نيابة رئيس المجلس، ولم يصدر أي تعليق من عضوي البارتي في المجلس واللذين قاطعا الجلسة مع راكان الجبوري رئيس السن والعضوين العربيين والتركمانيين.
استغرب متابعون للحراك السياسي في كركوك، عدم حل أزمة تشكيل الحكومة المحلية لمدة 8 أشهر بسبب عدم التوافق على مقترح تدوير المناصب لسنتين بين المكون العربي والكردي، فيما لم يتم ذكر هذا التوافق وما يتعلق به من مناصب داخل كابينة الحكومة المحلية، لا قبل دخول قاعة الرشيد، ولا بعد اختيار المحافظ ورئيس المجلس.
المكون الكوردي الذي فاز بـ7 مقاعد يطالب منذ سنوات بمنصب المحافظ، في حين سعى العرب (6 مقاعد) تحديداً التحالف العربي الذي يترأسه راكان سعيد على بقاء المنصب لهم، أما التركمان فاقترحوا تدوير المنصب بين المكونات الرئيسية الثلاثة.
ابان فترة حكم نظام البعث، كانت معظم المفاصل الرئيسية للحكم في كركوك بيد المكون العربي دون إجراء أي انتخابات، وبعد عام 2003، تسنم الكورد قمة السلطة التنفيذية حتى عام 2017.
أول محافظ لكركوك، بعد انتخابات مجلس المحافظة عام 2005، كان عبدالرحمن مصطفى وهو من المكون الكوردي وفي عام 2011 انتخب نجم الدين كريم عن المكون الكوردي/ الاتحاد الوطني، محافظاً لكركوك من قبل نفس المجلس، وبعد ستة أعوام تم استبعاده من المنصب بقرار من البرلمان العراقي.
بعد عام 2003، واستناداً الى مشروع طرحه رئيس الجمهورية العراقي الأسبق والسكرتير السابق للاتحاد الوطني الكوردستاني، الراحل جلال الطالباني، تقرر توزيع المناصب الإدارية في محافظة كركوك بنسبة 32 بالمائة لكل من الكورد، العرب والتركمان الى جانب تخصيص نسبة 4 بالمائة للمكون المسيحي ،المشروع أُقِرّ في مجلس محافظة كركوك في 28 تموز 2009.
تعتبر محافظة كركوك (تعدادها أكثر من مليون و770 شخص) منطقة متنازع عليها بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان ويرتبط حسم مصيرها بتنفيذ المادة 140 من الدستور التي تتضمن ثلاث مراحل هي التطبيع التعداد والاستفتاء.