سلفانا خدر (30 سنة)، آخر الناجيات الإيزيديات من أسر "داعش"، لديها أمنيتان، رؤية والدتها من جديد والعودة للدراسة، بعد أن قضت 10 سنوات في قبضة مسلحي التنظيم والمجاميع المسلحة في سوريا والعراق.
سلفانا، من أهالي قرية "كوجو"، تم تحريرها في سوريا بتاريخ 7 كانون الأول 2024، أثناء احتدام المواجهات بين مسلحي جبهة تحرير الشام والقوات الموالية للحكومة السورية والتي أسفرت عن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. وصلت سلفانا إلى العراق في 5 كانون الثاني 2025 والتمّ شملها بشقيقتها في مجمع "شاريا" بمحافظة دهوك.
قصة اختطاف سلفانا
في 3 آب 2014، سيطر مسلحو تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" على قرية كوجو بسنجار.
"أتذكر حين دخل مسلحو داعش كوجو طلبوا من مختار القرية ووالدي أن يعتنقا الاسلام لكنهما رفضا، كرروا الطلب بعد عدة أيام، لكن طلبهم قوبل مرة أخرى بالرفض وقال الايزيديون بأنهم لن يتركوا ديانتهم.."، وتضيف سلفانا، "بعد ذلك اقتادونا إلى مدرسة القرية".
كان من بين المعتقلين والدا سلفانا وخمسة من أشقائها وشقيقاتها.
"هناك فرقوني عن عائلتي ونقلوني إلى الموصل، فيما نقلوا والدتي وشقيقاتي إلى قرية صولاغ –جنوبي سنجار-، أما والدي وأشقائي فنقلوا إلى تلعفر".
قضت سلفانا 15 يوماً في أحد سجون الموصل، بعدها أصيبت بالمرض وطلبت من المسلحين نقلها إلى صولاغ لتكون مع والدتها وشقيقاتها، واستجابوا لطلبها.
التفكير في الهروب
بعد أيام من فكرت سلفانا في الهروب مع والتها وشقيقاتها، لكن خطة الهروب انكشفت قبل تنفيذها.
بعد فترة، نقلت مجموعة من الفتيات المختطفات بأربع حافلات نحو مدينة "الرقة" السورية التي كانت تخضع لسيطرة داعش، سلفانا كانت الوحيدة التي اختيرت من بين عائلتها.
عذبوني بشدة، أحياناً كانوا يمنعون عني الطعام لأسبوع أو أكثر، كانوا يطلبون مني أن أصلّي
تقول سلفانا، "بعدها نقلنا إلى مدينة باهوز... مررنا هناك بأوقات عصيبة، لم أجرؤ على النوم لمدة شهر، دوي الانفجارات كان يتردد باستمرار، الحياة هناك كانت صعبة، كنا نرى جثثاً وأشلاءً على قارعة الطريق، كانت أشبه بالجحيم".
وتقول سلفانا بأنه خلال الفترة التي قضتها في قبضة التنظيم تم نقلها أكثر من 15 مرة من مدينة إلى أخرى، آخرها كان مدينة "إدلب" التي عاشت فيها بمنزل لمدة سنة وستة أشهر.
في عام 2014، سيطر داعش على أجزاء واسعة من شمال لعراق واستهدف الأقليات الدينية والعرقية بشكل ممنهج –أبرزها الأقليتان الإيزيدية والمسيحية- في إطار حملة لمسح الأقليات التي تتنافى معتقداتها مع الأيديولوجية المتطرفة للتنظيم.
في 15 آب 2014، نفذ مسلحو التنظيم حملة إبادة جماعية في قرية كوجو، وبحسب إحصائيات مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين التابع لحكومة إقليم كوردستان، قتل ألفان و293 ايزيدي على يد مسلحي داعش.
الناجون، بينهم سلفانا، يروون قصصاً مرعبة عن العنف الذي ارتكبه مسلحو داعش بحقهم، وتقول سلفانا "عذبوني بشدة، أحياناً كانوا يمنعون عني الطعام لأسبوع أو أكثر، كانوا يطلبون مني أن أصلّي، وفي حال رفضت طلبهم سيكون عقابي شديداً".
خلال فترة الأسر، حاولت سلفانا الهرب ست مرات، لكن محاولاتها باءت بالفشل. ووفقاً لإحصائية مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، من مجموع ستة آلاف و417 مختطف، تم حتى الآن تحرير أكثر من ثلاثة آلاف و580 ايزيدي.
"المعاناة التي ذقتها لا توصف، تمت المتاجرة بي خمس مرات".
قضت سلفانا آخر أيام الأسر في منزل بمدينة إدلب، وبعد توصل مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين والبيت الإيزيدي في سوريا على معلومات، تم العثور على سلفانا وأعيدت في 5 كانون الثاني إلى مخيم "شاريا" وهي الآن تعيش مع إحدى شقيقاتها.
سألبي لها كل ما تطلبه، سنصدر لها بطاقة وطنية، بعد ذلك سنقدم معاملاتها لدائرة شؤون الإيزيديين
أحداث سوريا أعادت من جديد ملف المختطفين الايزيديين إلى الواجهة، وكُثفت جهود البحث عنهم، وبحسب النائب عن المكون الإيزيدي في البرلمان العراقي، محما خليل، لا يزال نحو 600 مفقوداً من المكون الايزيدي موجودين في مخيمات وسجون سوريا.
لذا أبلغوا المنظمات الدولية والحكومة العراقية بضرورة الكشف عن مصير المختطفين الإيزيديين بأسرع وقت.
"أعيدوا لي والدتي ودراستي"
"سعيدة جداً بنجاتي، أمنتي الوحيدة هي أن ألتقي مجدداً بوالدتي، أطالب بالكشف عن مصير المختطفين الآخرين"، بحسب سلفانا.
شقيقات سلفانا الخمس تم إنقاذهن في فترات مختلفة، أربع منهن هاجرن إلى أوروبا وواحدة فقط بقيت في مخيم شاريا، والد واثنان من اشقاء سلفانا قتلوا، ومصير والدتها وأحد اشقائها لا يزال مجهولاً.
حين وقعت سلفانا بقبضة داعش كانت في الصف التاسع الأساسي في مدرسة تابعة لقسم الدراسة الكوردية، "أرغب بالعودة إلى الدراسة، لكنني نسيت الكوردية"، حتى أنها تحدثت لـ(كركوك ناو) باللغة العربية.
قبر سلفانا
أقارب سلفانا فقدوا الأمل في عودتها منذ عام 2021، لذا أعدوا لها قبراً من ضمن القبور التي أعدت للضحايا في كوجو، حتى أنهم أقاموا لها أيضاً مجلس عزاء.
رعد أحمد، ابن عم سلفانا، قال "لم تكن هناك أي معلومات تخص مصيرها، لذا أعددنا لها قبراً"، اعتقدوا بأن سلفانا ربما تكون بين ضحايا المقابر الجماعية التي كان يعثر عليها بين آونة وأخرى.
في نيسان 2024، حصل أقارب سلفانا على بعض المعلومات التي تفيد بأنها على قيد الحياة، لذا هدموا القبر الذي أعدوه لها.
ويقول رعد، "قبل ثمانية أشهر أبلغونا بأن سلفانا موجودة في إدلب، إلى أن تم إنقاذها بمساعدة البيت الإيزيدي، كان الأمر بمثابة معجزة".
تقيم سلفانا حالياً في منزل مؤجر مع شقيقتها بمجمع شاريا وتقول، "أريد البقاء هنا".
ملوكة خدر، شقيقة سلفانا، تم تحريرها من قبضة "داعش" في 12 أيلول 2018، وقالت وهي تحتضن سلفانا، "سألبي لها كل ما تطلبه، سنصدر لها بطاقة وطنية، بعد ذلك سنقدم معاملاتها لدائرة شؤون الإيزيديين لكي يصرف لها راتب شهري".