يدور ريان فارس في دائرة مغلقة داخل مخيم خانكي بدهوك منذ أن تم ترحيله من قبل الحكومة الألمانية إلى العراق وبات الآن يبحث عن فرصة عمل بعد أن كان يأمل بحياة رغيدة في ألمانيا.
تقوم الحكومة الألمانية بين فترة وأخرى بترحيل اللاجئين العراقيين إلى بلدهم، ويشمل الترحيل الإيزيديين أيضاً، رغم وجود مساعي لمعاملتهم بشكل مختلف بسبب الظروف التي مروا بها إبان حرب داعش.
ريان فارس (25 سنة)، غادر صوب تركيا في آب 2021 بعد أن اتفق مع أحد المهربين ومن هناك توجه إلى بيلاروسيا، وبعد شهر وصل الأراضي الألمانية مقابل 12 ألف و800 دولار.
"حين وصلت إلى ألمانيا شعرت بسعادة كبيرة، قلت ساعمل هنا وسأعيش دون خوف"، ريان سلم نفسه للسلطات الألمانية بعد ثلاثة أشهر من وصوله، على أمل أن يحصل على حق اللجوء، خلال تلك الفترة كان يعمل يومياً ليؤمن معيشته.
حين وصلت إلى ألمانيا شعرت بسعادة كبيرة، قلت ساعمل هنا وسأعيش دون خوف
قبل أن يهاجر إلى ألمانيا، كان ريان يعيش في مخيمات النازحين بإقليم كوردستان حتى بداية 2021، ولم تكن لديه أدنى رغبة بالعودة إلى سنجار بسبب الأوضاع التي يصفها النازحون بـ"الغير مستقرة".
في ألمانيا مكث في مخيم بالقرب من مدينة أولدنبيرغ بانتظار الحصول على حق اللجوء، لكنه يقول بأنه سمع في أحد الأيان أسوء خبر في حياته، حين علم بأن الحكومة الألمانية قررت ترحيل اللاجئين العراقيين.
وقال ريان، "هاجرت إلى ألمانيا من أجل حية أفضل، لأنني كنت في العراق بدون عمل، اعتقدت بأننا سنتمكن من العثور على فرص عمل جيدة في ألمانيا".
ألمانيا التي يطلق عليها بلد اللاجئين، كثفت منذ سنوات حملاتها لترحيل اللاجئين العراقيين،وعدد المرحلين العراقيين يزداد عاماً بعد آخر، على سبيل المثال، في عام 2022 تم ترحيل 77 عراقي فقط، لكن في عام 2023 ارتفع العدد إلى 164 شخص.
تعد ألمانيا –بعد العراق- الموطن الثاني لأغلب الإيزيديين، بعض المصادر تتحدث عن وجود 250 ألف إيزيدي في ألمانيا.
وفقاً لإحصائيات غير رسمية، وصل عدد الإيزيديين الذين تم ترحيلهم من ألمانيا إلى العراق خلال السنوات الثلاث الماضية إلى حوالي 300 شخص، لكن المشكلة هي أن قسماً من العائدين ليست لديهم القدرة على تأمين معيشتهم بسبب تفشي البطالة، كما يعيش قسم منهم في أوضاع نفسية متردية.
بعد فشل محاولته لتغيير حياته، عاد ريان فارس إلى مخيم خانكي ويقول بأنه مديون بمبلغ 15 ألف دولار صرفها للوصول إلى ألمانيا.
مصير الايزيديين أثناء حرب داعش كان من المواضيع المهمة. في كانون الثاني 2023، أقر البرلمان الألماني بالجرائم التي ارتكبت بحق الايزيديين على أنها جرائم "إبادة جماعية". وفي ربيع 2023، رفضت الحكومة الاتحادية الألمانية ترحيل الايزيديين الى العراق. ومنذ ذلك الحين، تزايدت حالات ترحيل العراقيين، من ضمنهم الايزيديين، وتعد هذه سابقة–الايزيديون لم يكونوا يُرَحّلون سابقاً على الاطلاق-.
في عام 2017، حكم أول قاض ألماني في ألمانيا بأن الإيزيديين لم يعودوا عرضة “للاضطهاد الجماعي” في العراق بعد أن تم القضاء على تنظيم داعش. في هذه الأثناء، أصبح وضع الوافدين الجدد يزداد سوءاً - وبما أن المزيد من العراقيين يتم ترحيلهم الآن، كان بينهم ايزيديون.
شاب إيزيدي آخر، طلب عدم ذكر إسمه في هذا التقرير، قال "أنا أيضاً كنت من بين العراقيين المرحّلين"، الشاب غادر مخيم شاريا للنازحين بدهوك في عام 2021 متجهاً إلى ألمانيا وبعد أقل من عامين تم ترحيله من مدينة فرانكفورت إلى العراق وهو الآن يعيش في سنجار.
"بحسب القوانين المعمول بها في ذلك الإقليم، أي لاجئ لم يكمل إقامة ثلاث سنوات وتم رفض طلب لجوئه، يتم ترحيله، وأنا كنت من المشمولين بالترحيل".
هذا الشاب متخرج من كلية الهندسة لكنه يقول بأنه لا توجد فرص عمل في العراق، لذا اختار الهجرة إلى ألمانيا وصرف أكثر من 10 آلاف دولار للوصول إليها.
هناك مفارقة في هذه القضية، ففي الوقت الذي يشددون فيه على غياب فرص العمل، يصرفون مبالغ تتراوح بين 10 آلاف و20 ألف دولار للوصول إلى ألمانيا.
يعيش هذا الشاب في منزل أحد اشقائه بسنجار وهو الآن بدون عمل، "جميع الإيزيديين الذين وصلوا إلى ألمانيا كانوا يقولون بأنه لا توجد فرص عمل في سنجار لذا قرروا الهجرة إلى ألمانيا".
جميع الإيزيديين الذين وصلوا إلى ألمانيا كانوا يقولون بأنه لا توجد فرص عمل في سنجار لذا قرروا الهجرة إلى ألمانيا
الحكومة العراقية تمنح قطعة أرض ومبلغ مالي لكل لاجئ عراقي يتم ترحيله، لكن القرار لا يشمل المواطنين المقيمين في محافظات إقليم كوردستان.
الحكومة الألمانية حددت عودة الإيزيديين إلى سنجار كأولوية لها، وذلك بحسب السفير الألماني في العراق كريستيانا هومان التي شددت خلال اجتماع مع مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإيزيديين،خلف شنكالي، في 11 أيار الجاري قائلاً، "ألمانيا ستلتزم بدعم مساعي الحكومة للوصول إلى هذا الهدف".
مدير مكتب الهجرة والمهجرين والإستجابة للأزمات التابع لحكومة اقليم كوردستان، بير ديان جعفر، قال لـ(كركوك ناو)، "فقط في مكتبنا، تم تسجيل اسماء 100 إيزيدي رحلتهم الحكومة الألمانية، لكن لا تتوفر لدينا إحصائية بجميع المرحلين الإيزيديين، لأن قسماً منهم عادوا إلى سنجار مباشرةً من بغداد ولم يعودوا إلى المخيمات".
"الأشخاص الذين يتم ترحيلهم عن طريق مطار بغداد، تقدم لهم الحكومة دعماً مالياً أضافةً إلى قطعة أرض وتسعى لإيجاد فرص عمل لهم، لكن العائدين عن طريق مطارات إقليم كوردستان لا تشملهم هذه المساعدات".
المرجع الأعلي للإيزيديين بذل مساعي من أجل استثناء الإيزيديين من قرار الحكومة الألمانية بترحيل العراقيين، حسبما قال مستشار المجلس الروحاني الإيزيدي، خدر ديرو لـ(كركوك ناو).
واضاف ديرو، "نطالب دول العالم بمراعاة أوضاع الإيزيديين في العراق بسبب الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها".