الناس في خِضَمّ الحملات الانتخابية، الدعايات الانتخابية للأحزاب منتشرة في كل مكان، ملصقات وصور المرشحين وصلت جدران المواقع الدينية، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل أنها أصبحت حديث الناس داخل المساجد، الكنائس والمعابد.
في تلك الفترة، كانت خُطب الأئمة والقساوسة ونداءات رجال الدين تؤثر على الناخب أضعاف تأثيرات مطالب وبرامج القوائم الانتخابية.
"أُدلي بصوتي في كل انتخابات، لأنني أعتبر ذلك واجباً دينياً يتحتم علي تأديته، وذلك بسبب الأهمية التي تعطيها ديانتي لتلك العملية"، تقول هيفاء صالح.
هيفاء تُقِرُّ بأنها واقعة بشدة تحت تأثير خُطَب رجال الدين، وتلتزم بإرشاداتهم في كل مسألة، "الدين الاسلامي مؤثر جداً ويولي أهمية كبرى للتعبير لكي يكون للناس رأي في مختلف الشؤون، لولا ذلك ما كانت للانتخابات تلك الأهمية بالنسبة لي."
هيفاء تعيش في قضاء شيخان، المنطقة التي تقطن فيها تضم عدة أديان مختلفة، هي ترى أن من الضروري عدم الاستهانة بالدور الذي يلعبه الدين في تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات.
منابر ومآذن أماكن العبادة تستخدم بشتى الطرق، بعضها تهتم بتوصية الناس باستخدام حقهم في التصويت، والبعض الآخر تصبح منصة للدعايات الانتخابية للمرشحين أو القوائم الانتخابية أو أحزاب معينة.
جوزيف ألياس يلدا، رجل دين مسيحي في ناحية القوش، قال لـ(كركوك ناو) "ربما هناك بعض الناس أو بعض الجهات التي تستخدم الدين لخدمة مصالحها الشخصية، ويعتبر ذلك جريمة كبرى، خصوصاً حين يقوم البعض بتفسير النصوص الدينية حسب رغباتهم."
"ليست لدينا أية مصلحة في الأمر، نحن نشجع الناس على المشاركة في الانتخابات، فقط لمصلحتهم ولضمان نجاح العملية الانتخابية."
ويوضح جوزيف بأنهم يشجعون الناس خلال الانتخابات على الادلاء بأصواتهم للأشخاص الذين يخدمونهم، دون تحديد أي مرشح أو قائمة أو حزب، وبغض النظر عن القومية التي ينتمون اليها.
"في كل انتخابات نتواصل مع الناس... بدون شك الناس تستمع الى ما نقوله"، حسبما أشار اليه جوزيف ألياس يلدا.
بموجب قانون انتخابات مجلس النواب العراقي، يُمنع استغلال أماكن العبادة والرموز الدينية لأي دعاية اوانشطة انتخابية للكيانات السياسية والمرشحين.
أميرا حيدر، فتاة ايزيدية نازحة في مخيم قاديا بمحافظة دهوك، كانت قد قررت عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2018، "من أجل مجموعة من رجال الدين الذين طلبوا مني التصويت لمرشح ايزيدي، غيرت رأيي وصوتت."
وألمحت أميرا الى أن هناك مقولة عند المجتمع الايزيدي حول الانتخابات، تؤكد على أن عليهم القيام بأنفسهم بانتخاب شخص يقود الايزيديين ولا يَدَعوا الآخرين يقررون بدلاً منهم."
تضم أغلب القوائم والائتلافات في كل عملية انتخابية مرشحين من رجال الدين، بعضهم ينال الأصوات الكافية التي تؤهله للفوز بمقعد.
بدر الدين شيخ الاسلام، رجل دين يؤمن بأن دورهم في الانتخابات ليس مقتصراً على اعادة الثقة للناس بالعملية الانتخابية، "دين الاسلام تناول كل المسائل، منها الانتخابات، من الصعب فصل الدين عن الانتخابات، لأن رجال الدين لعبوا دوراً ايجابياً في تشجيع الناس على المشاركة فيها."
واستشهد رجل الدين بعدة آيات قرآنية تؤكد على أهمية مشاركة الناس في انتخاب ممثليهم وضرورة الأخذ بالرأي، وجميع تلك الآيات "تؤكد على أن يدلي كل شخص بصوته بصورة طوعية دون أي ضغوط"، كما يقول بدر الدين.
من جانبها، حددت المفوضية العليا للانتخابات عقوبات وغرامات مالية للمرشحين أو القوائم التي تستغل أماكن العبادة لغرض الدعاية الانتخابية.
في هذا الشأن تقول بيريفان سليم شمو، نائبة رئيس مجلس محافظة دهوك، وهي من المكون الايزيدي، " صحيح أن الانتخابات مسألة سياسية، لكنها مرتبطة بصورة مباشرة بالدين، ويمكنني القول بأنهما يكملان بعضهما."
بيريفان تعتقد بأن نسبة المشاركة في الانتخابات ستكون قليلة ذا لم يلعب الدين دوره فيها، وألمحت الى أن مئات الشباب الايزيديين تراجعوا عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية في 2018 تلبية لدعوات رجال الدين.
وينص الدستور العراقي على أن الإسلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية.
" المساجد، الحسينيات، الكنائس والمعابد تُستَغَلّ لأهداف طائفية وحزبية وسياسية، وذلك لأن أعدادا كبيرة من الناس تجتمع في هذه الماكن، فيما لا تُفَسَّر النصوص المقدسة بصورة دقيقة، بل يتم توظيفها لأغراض سياسية ولتحريض الناس لتحقيق هدف معين" هذا ما قاله صالح زاهر، الخبير في شؤون الانتخابات.
في الوقت الذي يستبعد فيه تعطيل دور الدين في الانتخابات، أوضح صالح لـ(كركوك ناو) بأن الحل يكمن في العمل على عدم جعل الدين وسيلة للوصول الى أهداف سياسية محددة، مشدداً على ضرورة أن تكون خطب رجال الدين حول حث الناس على المشاركة في الانتخابات فقط وليس الشخص أو يالجهة التي يصوتون لها.