التغييرات التي حدثت في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تجدد جرحاً قديماً ويدخل الجهات الثلاث المتألفة من العرب، الكورد والتركمان مرة أخرى في دوامة الخلافات التي تسبق الانتخابات ويحيي الشكوك حول عمليات التزوير.
التغييرات التي قامت بها المفوضية في 23 ايار 2020 لإعادة هيكلة مكتبها في كركوك من خلال تعيين مدير ومسؤولين جدد لأقسامها نتجت عنه احتجاجات مشتركة من قبل العرب والتركمان ضد الكورد.
الجهات الكوردية تعتبر منحهم منصب مدير مكتب المفوضية وعدة مناصب أخرى استحقاقاً لها، غير أن العرب والتركمان يعتبرون تلك التغييرات اجحافاً بحقهم ويصرون على أن يتولى مرشح منهم منصب الشخص الأول في مكتب المفوضية.
تُعَدُّ هذه التغييرات الخطوة العملية الأولى للمفوضية الجديدة في مكاتبها من أجل الاعداد لكل من الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في العراق والتي لم يتم تحديد موعد اجرائها بعد.
العرب يطالبون بـ"إعادة التوازن"
باعتقاد الأحزاب العربية الرئيسية في كركوك، لا يوجد أي توازن في توزيع المناصب في مكتب المفوضية، وذلك، حسب رأيهم، يفسح المجال لأعمال التزوير في الانتخابات.
المتحدث باسم الجبهة العربية الموحدة محمد الرياشي قال في تصريح لـ(كركوك ناو) "نشعر بقلق كبير ازاء مكتب المفوضية، لأن المناصب يتم تبادلها مرة أخرى فيما بينهم والذي كان سبباً رئيسياً لحدوث التزوير."
في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 ايار 2018 تعرض مكتب كركوك للمفوضية الى انتقادات كثيرة من قبل جهات عدة وتم اعتبار العملية غير نزيهة وذلك بعد اتهام جهة سياسية بالتزوير المنظم.
"نرفض التغييرات، يجب أن توزع المناصب وفقاً لرغبة كل القوميات وبصورة متوازنة"، حسبما قال الرياشي.
نرفض التغييرات، يجب أن توزع المناصب وفقاً لرغبة كل القوميات وبصورة متوازنة
المتحدث باسم الجبهة العربية الموحدة هدد بتنظيم تظاهرات واضرابات اذا لم يتم الاستماع لاعتراضاتهم، كما حَمَّل ادارة كركوك وممثلي المحافظة في البرلمان العراقي مسؤولية هذا الملف.
وتأتي الاحتجاجات في وقت ينتظر العراق اجراء عمليتين انتخابيتين، انتخابات مبكرة للبرلمان وانتخابات مجالس المحافظات.
المجلس العربي في كركوك رفض في بيان التغييرات الحاصلة في مكتب المفوضية معتبرين اياها " عملية مسح" واستيلاء على حقوقهم.
وأشار بيان المجلس العربي الى أن من بين 15 منصباً في مكتب المفوضية تم نحهم منصباً واحداً فقط، ويعتقدون أن ذلك يُعَدُّ أمراَ خطيراً "في حال كانت الأغلبية من نصيب احدى مكونات المحافظة والتي قد تستولي على مكتب المفوضية."
كما طالب المجلس العربي بإعادة النظر في التغييرات، بالشكل الذي يعيد التوازن في توزيع المسؤوليات ويؤدي الى ازالة مخاطر التزوير.
الجهات الكوردية: حصلنا على أقل ما نستحق
الاتحاد الوطني الكوردستاني، الجهة الكوردية الرئيسية في كركوك والتي تواجه أغلبية الانتقادات، تعتقد بأن المناصب التي حصل عليها الكورد في المفوضية أقل مما يستحقونه وليس أكثر.
"لا يمكن انتظار موافقة الآخرين، حصلنا على أقل ما نستحق، ولم يتصدق أحد علينا"، هذا ما قاله غازي كركوكي، عضو المجلس القيادي للاتحاد الوطني الكوردستاني لـ(كركوك ناو).
في اطار التغييرات التي حدثت في مكتب المفوضية، مُنِح الكورد ستة مناصب، من ضمنها مدير مكتب المفوضية ورؤساء عدة اقسام اضافةً الى معاوني عدة شُعَب في مكتب كركوك.
حول ذلك يقول غازي كركوكي بأن الكورد حصلوا في الانتخابات على نصف أصوات الناخبين في المحافظة، لذا "لن نتنازل عن حقوقنا ولن نرضى بالاستيلاء على حقوق الكورد."
وأكد المسؤول الكوردي بأن التغييرات جرت بدون أية تدخلات حزبية، المفوضية الجديدة أصدرت قراراتها من بغداد من قبل عدد من القضاة وبإشراف المنظمات الدولية.
في الدورات السابقة، كان منصب مدير مكتب كركوك للمفوضية من نصيب الكورد، وقد واجه كل من تولوا ذلك المنصب انتقادات من الجهات العربية والتركمانية بسبب شكوك التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.
لا يحق لأية جهة سياسية التدخل في شؤون المفوضية
نواب الاتحاد الوطني الكوردستان في البرلمان العراقي- وهو الحزب الكوردي الوحيد الذي يملك مرشحين في البرلمان- وقفوا في بيان ضد احتجاجات العرب والتركمان بشأن المفوضية، "لأنه لا يحق لأية جهة سياسية التدخل في شؤون المفوضية."
"هذه المزايدات ستعرقل اجراء انتخابات مبكرة"، كما يطالب نواب كركوك في البرلمان بأن لا ترضخ المفوضية العليا لضغوط تلك الجهات وتؤدي مهامها بمهنية وبصورة شفافة من أجل ضمان اجراء انتخابات نزيهة وعادلة.
التركمان يطالبون بضمانات
الأحزاب التركمانية في كركوك تعتبر التغييرات الحاصلة في مكتب المفوضية عاملاً لاحتمالات حدوث التزوير في الانتخابات، ويطالبون بمراجعة القرارات واعطاء مكونات المحافظة ضمانات حول نزاهة الانتخابات.
رئاسة الجبهة التركمانية اعترضت في بيان لها على مجمل التغييرات قائلةً "من الواضح أن المفوضية الجديدة تسير على خطى المفوضية السابقة التي لم تكن لها سمعة طيبة، ذلك لأنها تُعَيِّن أشخاصاً توجد دلائل على تورطهم في عمليات التزوير في الانتخابات الماضية."
كما عبرت الجبهة التركمانية عن شكوكها حول "وجود مساعي لإعادة عمليات التزوير في الانتخابات المقبلة"، وجاء في البيان "نشعر بالإحباط ازاء سكوت الكتل السياسية، الحكومة والأمم المتحدة، ونُحَمِّل البرلمان مسؤولية تلك الانتهاكات."
تركمان كركوك الذين يشاركون في الاحتجاجات المستمرة ضد مكتب كركوك لمفوضية الانتخابات طالبت في أكثر من مناسبة اجراء تغييرات تشمل جميع أعضاء مكتب المفوضية.
حول تلك المطالب، قال تيمور عبد العزيز البياتي، عضو المكتب التنفيذي لحزب تركمان ايلي لـ(كركوك ناو) "أساساً، يجب أن تكون المفوضية مستقلة، لكن قبل انتخابات 2018 تَبيَّن بأن مكتب المفوضية في كركوك واقع تحت تأثير نفوذ (حزب معيّن)، لذا طالبنا في وقته بإقالة جميع أعضاء مكنب المفوضية."
قبل انتخابات 2018 تَبيَّن بأن مكتب المفوضية في كركوك واقع تحت تأثير نفوذ (حزب معيّن)
البياتي يعتبر التغييرات الحالية "رجوعاً الى المربع الأول"، لأنها تَحول دون اعطاء ضمانات حول نزاهة الانتخابات وفقدان ثقتهم بمنظمي عملية التصويت في المحافظة.
واقترح البياتي منح منصب مدير مكتب المفوضية للتركمان.
المفوضية مستاءة
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مستاءة من الاعتراضات التي تقدمت بها بعض الجهات السياسية حيال التغييرات وتنكر تعيين أشخاص لتولي تلك المناصب على أساس المحاصصة الحزبية والقومية.
وفقاً لبيان المفوضية، في اطار عدد من الاجراءات وبعد استلام سماء المئات من المرشحين من المجلس القضائي في العراق واقليم كوردستان، هيئة النزاهة، البنك المركزي وديوان الرقابة المالية، تم اختيار 337 شخصاً من مجموع 860 مرشح لمنصب مدير، مسؤول قسم، مسؤول شعبة في المكاتب الوطنية في كافة المحافظات.
كما أكدت المفوضية على أن اختيار المرشحين للمناصب استند الى نظام إداري جديد للمفوضية مبني "على أسس الكفاءة والمهنية والاستقلالية بعيداً كل البعد عن الانتماءات والولاءات والمحاصصات الطائفية والسياسية التي أثرت على أداء بعض مفاصل الدولة."
المفوضية الحالية للانتخابات، وفقاً لقانون حديد، تتألف من عدد من القضاة الذين تم اختيارهم ضمن احدى مطالب التظاهرات الممتدة لشهور في بغداد والمدن الأخرى، وهم المسؤولون عن تحديد جميع المناصب الأخرى.
وأعربت المفوضية عن "استغرابها وأسفها الشديدين " بما نشرته بعض الجهات السياسية والنشطاء التابعين لها في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أكاذيب حول عملية اختيار الموظفين الجدد".
وفسرت تلك الاعتراضات على أنها محاولات لـ"إثارة البلبلة وتأليب الرأي العام ضدها وبالتالي التأخير في إجراء انتخابات مبكرة انسجاما مع رغبة أبنائنا المتظاهرين".
الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي أكدت في أول اجتماع لها على أن تهيئة ظروف مستتبة لإجراء انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة سيكون على رأس أولويات الحكومة.
المفوضية العليا للانتخابات أوضحت في بيانها بأن المرشحين للمناصب الجديدة، اضافةً الى استقلاليتهم ومهنيتهم، مستبعدون من تعرضهم لأبسط العقوبات الإدارية خلال تاريخهم الوظيفي.
مرحلة الصراعات الجديدة في كركوك تأتي بعد هدنة قصيرة تَلَت محادثات مكثفة ومشحونة جرت في أواخر العام الماضي بشأن ملف الانتخابات في المحافظة، والتي انتهت باتفاق الكتل السياسية، اتفاقٌ وقع مرةً أخرى في مهبّ الريح.