يأمل ثلاثي نسوي عراقي إِحداث تغييرات جذرية طويلة المدى، هبة، نسيمة ومروة لديهن الآن انطباعات مختلفة عن السابق بخصوص الانتخابات، فهن لديهن الأن معلومات كاملة حول العملية وحين يَزُرن المخيمات لا تقفن مكتوفات الأيدي لأنهن يعلمن كيف تشجعن الناس على استخدام حقوقهم لكي يكون صوتهم مسموعاً.
هؤلاء الفتيات الثلاث شاركن في الدورات التدريبية التي نظمتها جمعية الأمل العراقية في ثلاث مناطق مختلفة في العراق ضمن برنامج يحمل اسم (لنجعل صوت النازحين مسموعا)، الهدف منه تنظيم حملات توعية في مخيمات النازحين لدعم تمثيل عادل ومشاركة أكبر للنازحين، خصوصاً النساء والأقليات في الانتخابات المقبلة.
الدورات التدريبية تُجرى في اطار مشروع تأسس في عام 2018 بدعم من منظمة هيفوس ويمتد لأربع وعشرين شهراً، البرنامج نُفِّذ في ستة محافظات يتواجد فيها نازحون من أقليات مختلفة وهي (بغداد، نينوى، صلاح الدين ، كركوك، أربيل والأنبار).
تصاعد وتيرة العنف بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية تسبب في نزوح قرابة ستة ملايين عراقي خلال بضع سنين يعيش أغلبهم في ظروف قاهرة دون أن يستمع أحد لمعاناتهم ودون حصولهم على حقوقهم، لذا فان هدف منظمة هيفوس هو ايصال صوت النازحين لمسامع السياسيين والمجتمع.
جمعية الأمل العراقية، نظمت 361 جلسة تدريبية ضمن هذا المشروع عن طريق اشخاص متطوعين، استفاد منها الآلاف.
من "مظلومين" الى أصحاب قرار
"لم أُرِد أن تبقى النساء مظلومات، ومحرومات من أصواتهن، لذا تعَلَّمتُ الكثير واصبحت قادرة على حث الناس على كيفية استخدام حقوقهم"، هذا ما قالته هبة رائد عبد الله (32 سنة).
هبة خريجة جامعية، منخرطة في العمل التنظيمي منذ عدة سنوات، قبل مشاركتها في الجلسات التدريبية لجمعية الأمل كانت تعلم القليل بشأن الانتخابات ودور النساء، "كنت فقط أُدلي بصوتي وأغادر، بعد انتهاء الدورة اكتسبت الكثير من المعلومات حول قوانين الانتخابات ودور النساء."
جمعية الأمل، احدى منظمة المجتمع المدني، تأسست عام 1993 في اقليم كوردستان ثم انتقلت للعمل في عموم العراق، كان لها دور ريادي في البرنامج ونفذت عدداً من جلسات التوعية استقطبت من خلالها العديد من الشباب من عدة محافظات عراقية واهلتهم للتعامل مع النازحين وتقديم الدعم لهم.
"الآن أدرك أهمية دور النساء من مرحلة الترشح الى مرحلة الوصول الى البرلمان، النساء بمقدورهن المشاركة اسوةً بالرجال، أنا الآن على اطِّلاع بالإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية وأساعد الناس لكي لا يُحرموا من ممارسة هذا الحق."
أنا الآن على اطِّلاع بالإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية وأساعد الناس لكي لا يُحرموا من ممارسة هذا الحق
واشارت هبة في حديثها لـ(كركوك ناو) بأنها صادفت في احدى الجلسات مع النازحين امرأة مُسِنّة سألتها عن جدوى امتلاكها لبطاقة الناخب، لأنها مثل كثيرين غيرها لم تكن تدرك حقوقها ولماذا يجب أن يدلين بأصواتهن، "تلك المرأة قالت في كل مرة يأخذ زوجي بطاقتي معه ولا أعرف شيئاً عن التصويت."
هذه الفتاة قامت بمساعدة النازحين لكي لا يقوم اشخاص آخرون باتخاذ القرار بدلاَ منهم، ويستخدموا أصواتهم لانتخاب أُناس أكفّاء، وأيضاً لمعرفة الاختلاف بين كل من الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات.
"مطالبهم بسيطة تتمثل في الحصول على الرواتب، الخدمات والتعويضات، عملت كل ما باستطاعتي لنقل الخبرات التي اكتسبتها بعد الدورة اليهم، لكي يتمكنوا من ايصال مطالبهم وصوتهم الى مسامع المسؤولين عن طريق صناديق الاقتراع"، كما تقول هبة.
احدى الأهداف الأخرى لمشروع هيفوس يتمثل في زيادة وعي النازحين حول الانتخابات، من خلال نشر المعلومات العامة حملات التثقيف الانتخابي من اجل ضمان ادارة شاملة، المصالحة الاجتماعية والتعايش.
استرجاع الحقوق
اتضح لـ(نسيمة شمو) من خلال مشاركتها في الدورة التدريبية بأن كوتا النساء ومشاركتهن في الانتخابات حق سُلِبً من الكثيرات أوأنهن أهدرنه في الانتخابات السابقة.
"قبل الدورة التي نظمتها جمعية الأمل لم أكن عرف شيئاً عن كوتا النساء، حصلت على معلومات وافرة بخصوص قانون الأحزاب والعملية السياسية، كنت أظن ان باستطاعة أي شخص تكوين حزب ما، لم أكن أدرك أن ذلك بحاجة الى قوانين واجراءان معينة."
نسيمة (22 سنة)، نزحت من سنجار الى دهوك وهي طالبة معهد في المرحلة الأخيرة، تقول نسيمة بأن السبب الرئيسي وراء مشاركتها في الدورة التدريبية كان للاطلاع حول الحياة خارج المخيم واكتساب المعلومات الخاصة بالانتخابات والعملية السياسية لكي تتمكن بدورها من ايصال ما تعلمته الى النازحين الآخرين.
التعلم في المخيم مهم ايضاً لكي نفكر في حقوقنا ولا نهدر أصواتنا يجب أن نفكر في التغيير عن طريق الانتخابات
وتابعت قائلة "التعلم في المخيم مهم ايضاً لكي نفكر في حقوقنا ولا نهدر أصواتنا، يجب أن نفكر في التغيير عن طريق الانتخابات."
تؤمن نسيمة بأن أصوات النازحين لا ينبغي أن تكون من أجل التصويت فحسب، بل يجب أن يكون الهدف منها إحداث التغيير واختيار أشخاص ذو كفاءة وقابلية، وليس الادلاء بالأصوات على أساس الانتماء العشائري أو القومي.
احدى الأهداف الأخرى لمنظمة هيفوس هي تحفيز النازحين، وتحديداً النساء والأقليات، من خلال الجلسات التدريبية للإيمان بقدرتهم على تولي أدوار قيادية في المجتمع وفي المجال السياسي.
تقول نسيمة "تعلمنا الكثير حول مفهوم الجندر، حقوق النساء وكيفية توزيع الأصوات والمقاعد في الانتخابات،" مضيفةً بأنها بعد انتهاء الدورة حرصت على أن تنصح كل من قابلته بالتصويت بصورة صحيحة وعدم منح أصواتهم لمرشح من اقربائهم أومن عشيرتهم.
صوت من أجل الديمقراطية
بالرغم من أن مروة تعتقد بأن التجربة الانتخابية والديمقراطية لم تصل بعد الى درجة كافية في العراق، إلاّ أنها وبعد انتهاء الدورة التدريبية لجمعية الأمل ووقوفها على التفاصيل، لديها أمل كبير في امكانية التغيير.
في هذا الصدد تقول "شاركت في الدورة التدريبية لعدة اسباب، منها الحصول على المعلومات بشأن الانتخابات لأنها لا تزال تجربة جديدة لنا ولا نمتلك خبرة كافية حولها."
مروة أليوسف (28 سنة)، تحمل شهادة الماجستير وتعمل كمتطوعة مع فرق مختلفة بين الحين والآخر في مجال المساعدات الانسانية، تقول مروة بأنها استفادت الكثير من الدورة التدريبية واكتسبت معلومات مفصلة حول قانون الانتخابات مما غير انطباعاتها حول الانتخابات بصورة كاملة.
شاركت في جميع الانتخابات، الظروف السياسية الراهنة تستوجب من جميعاً أن نوظف أصواتنا في سبيل التغيير، تعلمت ضرورة توعية النازحين حول كيفية ايصال أشخاص أكفّاء وذوي قابلية الى مراكز السلطة، ربما سيحتاج التغيير الى عدة سنوات، لكن المهم هو أن يكون هناك أمل."
تؤمن مروة بأن "مشاركة النساء في السياسة والانتخابات ليست في المستوى المطلوب، ... والسبب هو أن النساء يخفن من اظهار امكانياتهن في الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي تمر بها البلاد"، مروة وغيرها ممن شاركوا في الدورات التدريبية تعلموا كيف يتخطون تلك العراقيل.
"تعلمت تفاصيلاً دقيقة في تلك الدورة، اطلعت على القوانين وأي منها لم يتم تطبيقه، الآن اعرف الكثير حول العملية السياسية."
حاولت منظمة هيفوس عن طريق الدورات التدريبية التي نظمتها جمعية الأمل العمل على تخفيف التوترات، مناهضة العنف وتقوية المصالحة الاجتماعية بين النازحين والمجتمعات المضيفة باختلاف أديانهم وقومياتهم.
تحاول مروة بث الوعي بين النازحين بخصوص الانتخابات وترى بأن مطالبهم بسيطة تتمثل في العودة الى مناطقهم الأصلية والحصول على التعويضات، وذلك يمكن تحقيقه عن طريق انتخاب أشخاص مناسبين وأكفّاء.
شجعت النازحين على عدم التخلي عن حقهم في التصويت وكيف أنهم يستطيعون تحقيق الديمقراطية واحداث التغيير باصواتهم
"ما تعلمته وما نقلته للنازحين بعد انتهاء الدورة هو أن لا يصوتوا للأسماء الرنانة، أن ينظروا الى الشباب الواعدين والتغيير الذي بإمكانهم صنعه في ميادين التظاهرات، شجعت النازحين على عدم التخلي عن حقهم في التصويت، وكيف أنهم يستطيعون تحقيق الديمقراطية واحداث التغيير باصواتهم، الطريق لا يبدو قصيراً وربما سيحتاج الى سنوات عدة، ولكن في النهاية يقدرون معاً ايصال مكالبهم وجعل صوتهم مسموعاً"، كما تؤكد مروة.
عدم توفر قيادة حقيقية بين النازحين، بالأخص بين النساء والأقليات، هي باعتقاد منظمة هيفوس من الأسباب الرئيسية التي تمنعهم من الترشح، في حين أن جزءاً من عملية صنع القرار السياسي يمكن تحقيقه من خلال اجراء انتخابات نزيهة تمهد الطريق للمصالحة وضمان حق التصويت للنازحين.