الموصل القديمة تعاني الإهمال والحكومة المحلية تسعى لتحويلها الى مشاريع استثمارية

نينوى، اذار 2019، الجانب الايمن لمدينة الموصل على ضفاف نهر الدجلة تصوير: كاروان الصالحي

كركوك ناو - نينوى

طلب محافظ نينوى من مواطني مناطق (الميدان، الشهوان والقليعات) في قديمة الموصل ببيع وحداتهم السكنية المهدمة للحكومة االعراقية مقابل صرف تعويضات لاصحابها، اشتعل الشارع الموصلي غضبا، واتهزت الأوساط الثقافية، ويؤكد الاهالي بأن السكان الذين فقدوا كل ما يملكون وباتوا بحاجة الى المساعدة لا الاستغلال.

المناطق التي طالب محافظ نينوى، منصور المرعيد بتحويلها هي مناطق (الميدان، الشهوان والقليعات) كانت تمثل الإرث الحضاري للموصل ونينوى عامة اختفت من الوجود بفعل نيران المعارك ولم يبق منها الا الركام، هي الان شاهد على قصص المعاناة والظروف الصعبة التي عاشها السكان.

المواطن الموصلي الستيني عبد اللطيف النجار، وهو يقف بالقرب من حطام منزله، في منطقة الميدان، الذي امتزج مع حطام المنازل المجاورة وضاعت معالمه قال لـ (كركوك ناو) "مر عامان على اعلان تحرير مدينة الموصل من قبضة داعش، ولغاية اليوم لم نشهد الإعلان عن انطلاق عمليات الاعمار"، 

ويضيف ان "الحكومتين المحلية والمركزية غير جادتين في اعمار المنطقة القديمة واصلاح ما دمرته الحرب، فالبنى التحتية منعدمة، والمشاريع الحيوية لا وجود لها، والانقاض في كل مكان وحتى معالم الشوارع والازقة قد اختفت".

الانقاض في كل مكان وحتى معالم الشوارع والازقة قد اختفت

(القليعات، الميدان والشهوان) من مناطق مدينة الموصل القديمة ذات العمق التاريخي المهم في العراق، تقع تلك المناطق  في الجهة المقابلة لنهر دجلة، وكانت النواة لإنشاء مدينة الموصل.

ويشير النجار ان" جثث الكثير من المدنيين الذين سقطوا جراء الحرب على تنظيم داعش، ماتزال تحت الأنقاض، وان الجهات الحكومية لم تكلف نفسها وتعمل على رفعها، وهذا دليل قاطع على حجم الظلم الذي يتعرض له السكان المنكوبين".

جولة غير موفقة لمحافظ نينوى

محافظ نينوى، منصور المرعيد، وفي جولة ميدانية اجراها في المدينة القديمة وسط الموصل في ١٨ حزيران من العام الجاري، ابلغ خلالها مجموعة من السكان يقفون على ركام منازلهم، بأن الحكومة العراقية، تعتزم شراء الوحدات السكنية المهدمة، وصرف تعويضات لأصحابها.

نينوى، نيسان 2019، تجمع احتجاجي لاهالي منطقة الشهوان للمطالبة باعادة اعمار مناطقهم وتوفير الخدمات لهم تصوير: احمد بلة
 

وقال المرعيد خلال الجولة ذاتها، موجها خطابه للاهالي المتجمهرين حوله، وكانوا ينتظرون سماع ما يخدمهم، ان" الجهات الحكومية لا تسمح لأحد بالبناء العشوائي في المنطقة القديمة لاسيما (احياء الميدان والشهوان والقليعات) التي تدمرت، وهناك مقترحات مطروحة في مجلس الوزراء لتحويلها إلى مدينة حديثة، ما يشبه “داون تاون”، حاثا اياهما بقبول عرض بيع منازلهم الى جهات استثمارية لقاء أموال اكثر تمكنهم من شراء منازلا في مناطق أخرى كالساحل الايسر للموصل، او خارج المدينة".

بعد ذلك التصريح للمحافظ اشتعل الشارع الموصلي غضبا، واتهزت الأوساط الثقافية، وتصدرت منصات التواصل الاجتماعية الموصلية ترند (لا لمحو تاريخ الموصل)، فالجميع عد التصريح، دعوة الى تحقيق النفع الذاتي على حساب اهات ومعاناة المواطنين، ثم توالت ردود الفعل الشعبية الغاضبة وتعالت الأصوات المنددة بكل من يحاول المساس بإرث الموصل المعماري، والسكان الذين فقدوا كل ما يملكون وباتوا بحاجة الى المساعدة لا الاستغلال.

سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل وعدد من الاقضية والنواحي التابعة لها في منتصف عام 2014، تمكنت القوات العراقية قبل عامين من استعادة مدينة الموصل من قبضة مسلحي التنظيم، الا ان الدمار التي خلفتها الاشتباكات بين القوات الامنية ومسلحي التنظيم، خلف اضرارا جسيمة بالبنى التحتية في المحافظة.

منصور المرعيد يوضح هدف جولته

اليوم وبعد اكثر شهر على زيارة المحافظ منصور المرعيد للمدينة القديمة، وما اثارته من لغط، يقول لقد أوضحت الامر سابقا، ومن خلال (كركوك ناو) اعيد ايضاحه، ان" ما اشيع عن دعوتي لاجبار أصحاب الدور المهدمة في المدينة القديمة، على بيع منازله عارٍعن الصحة ولا أساس له جملة وتفصيلا".

وتابع، ان "ما يجري تداوله الان في المؤتمرات الدولية وورشات العمل الإنسانية، وهو كيف سيكون التخطيط المعماري لواجهة المنطقة القديمة المهدمة المطلة على نهر دجلة، وهناك الكثير من الطروحات والاقتراحات لبناء الواجهة النهرية، وهي قيد الدراسة من قبل لجان مختصة لاختيار الأفضل والانسب للمواطن، وللموصل ونينوى عامة".

وبين، ان الشريط المحاذي للنهر في المنطقة القديمة والممتد من الجسر القديم، نحو الجسر الخامس، هو مدمر بالكامل، وكانت هناك رؤى مقدمة، من المعماريين، والمهندسين، والمختصين، تفييد ببناء الواجهة النهرية بطريقة البناء العامودي كمجعات سكنية ومشاريع خدمية وترفيهية، كي يستفيد الأهالي منها على اتم وجه، مع تعويض أصحاب الأراضي بتعويضات مجزية".

ما اشيع عن دعوتي لاجبار أصحاب الدور المهدمة في المدينة القديمة، على بيع منازله عارٍعن الصحة

وصوت مجلس محافظة نينوى، منتصف شهر ايار 2019،، بالاغلبية اعلى انتخاب المهندس منصور المرعيد محافظا لنينوى وذلك عقب اقالة مجلس النواب العراقي، المحافظ السابق، نوفل حمادي السلطان بعد حادثة العبارة السياحية بسبب الفساد.

وليد خالد، مواطن من سكنة القليعات يتحدث عنه وعن المواطنين من حوله ، والذين يقضون أيامهم بالتساؤلات حول مصير مناطق وأحياء مدينتهم ويقول ما نسمعه عن إعادة اعمار مدينتنا ومناطق الجهة القديمة من الموصل هو مجرد كلام.

وتابع حديثه بالقول بغداد هي من تبت بالقضية لا نحن، مشيراً بذلك إلى الحكومة المحلية التي تتضارب آراءها بخصوص مصير إعادة الاعمار لتلجأ بعد ذلك إلى حكومة بغداد للبت في كل قضية عالقة في تلك المدينة.

ليس بيدنا شئ نفعله

تتحدث البلدية عن حجم الدمار الذي طال تلك المنطقة تحديداً والذي وصل إلى 90% من محتواها العمراني ، والذي لا يمكن العمل على إعادته إلى وضعه الطبيعي سابقاً على حد أحاديث وأقوال موظفوها ، والذين يتحدثون لمواطنوا المنطقة أثناء تواجدهم فيها وذلك للمحاولة في رفع جزء بسيط من أنقاض بناياتها القديمة التي تملئ جميع الأماكن.

نينوى 3 ايلول 2017، جانب من الساحل الايمن للموصل، تصوير: جعفر التلعفري

مسؤول في بلدية الموصل الذي يعمل مديراً لأحد الأفرع التابعة للبلدية والذي امتنع عن ذكر اسمه تجنباً للمساءلة القانونية داخل وظيفته، حيث رفض الحديث عن موضوع الإهمال الخدمي لواقع المنطقة القديمة لمدمرة وأحياءها، ومنطقة القليعات على وجه الخصوص، عازياً في ذلك بالقول  ليس بيدنا شئ نفعله ، فإمكانياتنا الخدمية ضعيفة جدا مقارنة بحجم الدمار الهائل.

محافظ نينوى، منصور المرعيد اشار الى ان" المنازل في الجهات الأخرى من المدينة القديمة، والتي تضررت جراء العمليات العسكرية على تنظيم داعش، فان العمل متواصل مع الجهات ذات العلاقة في الحكومة الاتحادية، والمنظمات الدولية لمساعدة الأهالي وإعادة النازحين، كي يمارس الجميع حياته الطبيعية من جديد".

إمكانياتنا الخدمية ضعيفة جدا مقارنة بحجم الدمار الهائل

وعزا المرعيد "اغلاق الطرقات في بعض مناطق الموصل القديمة، الى أجراءات امنية، اتخذتها القوات، لحماية المدنيين من مخلفات حربية، او استغلالها من قبل خلايا تنظيم داعش، في تنفيذ هجمات تهدد امن واستقرار المواطن، وان العمل متواصل لفتح جميع الطرقات بما لا يضر بالواقع الأمني".

بعد اكثر من عامين على استعادة مدينة الموصل من قبضة داعش، الا ان المواطنين المتضررين جراء العمليات العسكرية يعيشون في ظروف صعبة ويطالبون الحكومتين المحلية والمركزية، بالاسراع على اعادة اعمار ما دمرها الحرب وليس استغلالهم وتحويل مناطقهم الى مشاريع استثمارية.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT