يوم سقط حي الجمهورية
القتل وانتهاك حقوق الإنسان في اشتباكات طوزخورماتو

عندما سقط حي الجمهورية في طوزخورماتو، شهد القضاء عمليات القتل وانتهاك حقوق الإنسان

دخول القوات الاتحادية العراقية الى قضاء طوزخورماتو أسفر عن مقتل مدنيين، وتعرض مساكن الأسر الكوردية وأسواقهم في القضاء للنهب والحرق، ذلك حسب المتابعات التي قام بها الفريق الصحفي لموقع (كركوك ناو) في الأيام الأخيرة.

تركت الأسر الكوردية في قضاء طوزخورماتو أثناء سير المعارك الطاحنة بين القوات العراقية والقوات التابعة لحكومة إقليم كردستان في 16 من تشرين الأول، منازلها في ظلمة الليل، دون أن يأخذوا معهم أي شيء، وفروا بأرواحهم من تحت نيران الاشتباكات، ويعيشون الآن مشردين نازحين في أوضاع معيشية صعبة مطالبين المساعدات الإنسانية.

شامل محمود، (65سنة)، لم يطق صبرا تلك الليلة، يتجول في بيته، ينظر من خلال نافذة بيته، يعود إلى أسرته، يقول “اسمع أصوات طلقات نارية كثيفة، وأصوات إطلاق الهاونات، أردت أن أعلم ماذا يحدث! هل أترك المدينة أم أبقى”.

“سقطت الهاونات والقاذفات في حينا، وكان الدخان يتصاعد في كل مكان، كأن القيامة قد قامت”، شامل محمود أحد سكان الحي الجمهوري لم يستطع النوم تلك الليلة، منتظرا حسم المعركة لصالح أحد الطرفين.

يقول شامل “بدأ إطلاق النار ما بعد الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، في البداية لم أتوقع سقوط البيشمركة، دافعوا من المقار الكوردية عدة ساعات، لكن فجأة وبعد الساعة الخامسة فجرا تغير كل شيء، وبدأ الناس يهربون.. لا أدري ماذا حدث.. رأيت بأم عيني في الطرقات جثثا هامدة، ولم يستطع الناس إسعافهم خوفا على أنفسهم، ثم بدأوا باطلاق النار علينا من حينا”.

وفي الساعة السادسة وعشر دقائق، قال شامل لأفراد عائلته علينا مغادرة طوزخورماتو.

قضاء طوزخورماتو إحدى المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد وتقع في محافظة صلاح الدين، وهي المنطقة الأولى التي وقعت في أيدي القوات العراقية يوم 16 تشرين الأول، وذلك بعد قرار حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي لبسط نفوذ الدولة في تلك المناطق.

أثناء مغادرة شامل منزله في الحي الجمهوري الذي يقطنه الكرد، تكثف الهجوم وازدحمت الطرقات، يقول شامل “حينما خرجنا من المنزل، أطلقوا علينا النار، تضاءل الأمل بالخروج سالمين، قطعنا كيلومترا واحدا خارج المدينة في ساعة كاملة، غطت أصوات القذائف والهاونات والطلقات النارية سماء المدينة، قصفوا الأحياء الكوردية عشوائيا بالأسلحة الثقيلة، والناس يُـقـتـَـلون، قلت في نفسي هذا، هو اليوم الذي نموت فيه”.

تقول آمينة حسين، وهي من سكان الحي نفسه، تعيش الآن نازحة في ناحية الزنانة ـ 22كم شرق طوزخورماتو ـ “إن القوات الكوردية طمأنتنا حتى الساعة الواحدة أنه لا شيء يحدث، بعدها بدأت الاشتباكات، وقد غادرنا المدينة قبل شروق الشمس.. رأيت بأم عيني جثث المدنيين والقوات الأمنية في الأزقة و الطرقات”.

xanw-2
طوزخورماتو، 16 تشرين الأول، حرق منزل احد مواطنين تصوير: إعلام القائممقامية

غادر السكان الكورد قضاء طوزخورماتو والقوات التابعة لإقليم كردستان المتمركزة في القضاء، المدينة صباح 16 من تشرين الأول، وقد هرب المتطوعون الذين حملوا السلاح لإنقاذ النازحين والصد من تقدم القوات العراقية، أيضا وتركوا المدينة.

سامي أحمد، أب لأربعة أولاد، أحد أولئك الذين قتلوا ذلك اليوم أمام بيته في طوزخورماتو.

قالت خولة مجيد (31 سنة) زوجة سامي لـ (كركوك ناو)، “خرج زوجي إلى باب المنزل حوالي الساعة الخامسة فجرا أثناء دوي أصوات إطلاق النار، فجأة ارتفعت صيحات في الحي تنادي لقد قتل سامي”.

قالت خولة “إن سامي لم يكن مسلحا.. في ذلك الاثناء جاءت إحدى أخواتي وهم يملكون سيارة، وقالت لي أسرعي، يجب أن نغادر”. تضيف خولة “رأيت جثة زوجي ملقاة على الأرض، لكنني كنت مضطرة لتركها كي أحفظ حياة أولادي الأربعة، وركبنا السيارة بسرعة وهربنا”.

أولاد خولة تترواح أعمارهم بين أربع سنوات إلى عشر، واثنان منهما مريضان، قالت والدتهم لفريق (كركوك ناو) أصابهم البرد. وأضافت أن الأولاد يطلبون والدهم منذ أيام، لأنها لم تقل لهم إن أباهم قد قُتل.

نظّفت خولة في 17 من تشرين الأول حظيرة لتربية المواشي في قرية (سالة بان) قرب ناحية الزنانة، وجعلتها مأوى للعيش مع أولادها، وهي تقول: “فقدت زوجي، ويقولون إنهم أحرقوا منزلنا، أريد فقط أن لايكون أولادي جائعين”.

حسب إحصاءات إدارة طوزخورماتو والتي زوّدَتْ بِها موقع (كركوك ناو)، تم حرْق 200 منزل من منازل المواطنين وعشرات المحلات والمخازن في الحي الجمهوري في القضاء، أو تم نهبها. ومع ذلك تم تفجير خمسين منزلا من منازل المسؤولين الكورد والبيشمركة والمسلحين المتطوعين أيضا.

تحدث (كركوك ناو) مع ما يقارب عشر أسر فرّت من طوزخورماتو، جميعهم أكدوا على أنهم رأوا بأعينهم انتهاكات متعددة من النهب، والقتل، والحرق.

“كان هناك أحد عشر قتيلا من صفوف شرطة النجدة التابعة لإقليم كوردستان والبيشمركة”، حسب تصريح لمحمد فائق، المسؤول الإعلامي للقضاء، لكنه أنكر مقتل مدنيين، واكتفى بالقول “هناك أربعة من المفقودين لا نعرف مصيرهم”.

وفي اليوم الثاني لاشتباكات طوزخورماتو أطلِق قوات الحشد الشعبي التابع للحكومة العراقية سراحُ 37 أسيرا من قوات البيشمركة.

وقال رشيد عبدالرحمن (50عاما) صاحب محل لبيع المواد الغذائية في طوزخورماتو، كنت وقتها ما زلت موجودا في القضاء حينما رأيت بعيني أشخاصا كسروا باب محلي ونهبوا ما فيه، ثم أحرقوه، صدّقْني هربت حافي القدمين”.

يقع دكان رشيد في الحي الجمهوري حيث يعد أكبر حي يقطنه السكان الكورد في القضاء، يقول رشيد “كان في محلي ما يبلغ قيمته 30 ألف دولار من المواد الغذائية”.

هذا كله في وقت طلب عطاف نجار، مسؤول منظمة بدر في طوزخورماتو يوم 18 من تشرين الأول من مواطني طوزخورماتو أن يكفوا عن النهب.

awara.dwzxwrmatw

ناحية الزنانة، 17 تشرين الاول، نزوح الاف الاسر من طوزخورماتو تصوير: علي محمود

يقول علي هاشم الحسيني، المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي في طوزخورماتو لـ(كركوك ناو) “ليس كل الإحصاءات صحيحة، لكن بعضا من المنازل والمحلات قد أحرقت بسبب القصف، وقد قصفت أيضا قوات البيشمركة الأحياء التركمانية وذهب التركمان ضحايا أيضا”.

تماشيا مع ذلك، فقد اتهمت الأمم المتحدة يوم 19 تشرين الأول، الجماعات المسلحة بحرق ما يقارب 150 منزلا وتفجير 11 منزلا آخر في طوزخورماتو.

وأقر حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي يوم 17 من تشرين الأول بحدوث انتهاكات في طوزخورماتو وقال “أصدرت أوامر صارمة بإلقاء القبض على كل من يشكل خطرا على الأمن الداخلي ويهجم على المواطنين وممتلكاتهم”.

يعيش حوالي 60 ألف كوردي في قضاء طوزخورماتو، من مجموع 180 ألف نسمة هم سكان المدينة، الكورد والتركمان والعرب يشكلون المكون الرئيس للسكان. ويمثل طوزخورماتو إحدى المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان و الحكومة العراقية وعلق مصيره بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي.

الأحياء التي ألحق بها الضرر عبارة عن ثلاثة أحياء كوردية، مع حيّين مختلطين بين الكرد والتركمان، والقضاء مكون من 16 حيا سكنيا.

شلال عبدول، القائممقام الكردي لطوزخورماتو، أعلن منذ يوم الاشتباكات ولعدة مرات أنهم خسروا المعركة بسبب عدم التكافؤ بين القوتين، ولاسيما بعد أن اقترب بعض القوات العراقية من مدينة كركوك مما أدى إلى كسر شوكة الكورد في القضاء. وقد غادر شلال عبدول القضاء وعيّنت الحكومة العراقية قائممقاما جديدا بالوكالة لإدارة المدينة.

وقد دعا الاتحاد الوطني الكردستاني وهو القوة الكوردية الأولى في المنطقة، إلى تشكيل لجنة تحقيق حول أحداث طوزخورماتو، معلنا أنه تم “قتل عشرات المواطنين في القضاء وحرق أكثر من ألفي منزل”.

جاء طلب الاتحاد الوطني في بيان للمكتب السياسي للحزب أعلن في الأربعاء 25 من تشرين الأول وجهه إلى الأمم المتحدة والرأي العام أشار فيه إلى أن طوزخورماتو “تعرض لحقد طائفي، نزحت آلاف الأسر، قُـتِـل عشرات المواطنين، إضافة إلى المفقودين في المنطقة وحرْق أكثر من ألفي منزل”.

وحذر البيان من أن “هذه النار الطائفية، تشكل خطرا يؤدي إلى الإبادة الجماعية للكرد في المنطقة”، إن لم تقم الأمم المتحدة والحكومة العراقية ومجلس النواب والولايات المتحدة الأمريكية بتدارك الوضع.

جمعة محمد سالـَـيِـي، أحد النازحين الذين تحدثوا إلى الفريق الصحفي لموقع (كركوك ناو)، يقول: “إن سكان طوزخورماتو امتلكهم الخوف، عودتهم ليست سهلة، يريدون المساعدة هنا على الأقل، وأن يتم تأمين مكان لهم”.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT