عادة ما تجري مبادرات التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الموصلي، على وتيرة حضور مجموعة من المسلمين الى قداس المسحيين في كنائسهم، او زيارة معبد لالش الخاص باتباع الديانة الايزيدية، من اجل ارسال رسائل تكاتف مجتمعي بين مختلف الديانات في نينوى، سيما بعد تحرير المدينة من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية "داعش".
ودخل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الى مدينة الموصل، في 10 حزيران 2014، وفرضوا سيطرتهم على المدينة، لثلاثة سنوات، حتى اعلن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، في 10 تموز 2017، النصر على التنظيم، وإستعادة مدينة الموصل من قبضته.
وعقب ذلك، بدأت المبادرات المدنية التي يتصدر الداعين اليها، فئة الشباب، لمشاركة الديانات الاخرى من غير المسلمين طقوسهم واعيادهم، تعبيرا للتعايش وتقبل الاخر.
الصلوات والدعوات بأدياننا المختلفة.
هذه المرة، كانت المبادرة فريدة من نوعها، حيث كتبت احدى الصفحات في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والموسومة بلهجة موصلة بـ(دحق دنحكي) : "دائما ما نسمع مبادرات عن قداس مسيحي حضره مسلمون، او مسلمون يزورون معبد لالش الايزيدي، لكن حتى الان لم يصار الى مبادرة دعينا فيها الاديان الاخرى للمشاركة في صلاة وخطبة الجمعة داخل الموصل، او مجلس ذكر اسلامي".
وتابعت الصفحة الموصلية، توجيه الدعوة لجمهورها على شكل سؤال، بقولها : "ما هو رأيكم بان تكون في الموصل دعوة نتشارك فيها الصلوات والدعوات بأدياننا المختلفة، ونتقارب اكثر ونعرف بعض اكثر؟".
وارفقت هذه الدعوة بصورة لشاب مسيحي يزرع شجرة في مسجد قرية من قرى النمرود.
وتعرض المسيحيون على يد تنظيم داعش لتهجير قسري بعد حزيران 2014؛ إذ خيرهم بين اعتناق الإسلام ودفع الجزية وترك المدينة وكل الممتلكات حتى أجهزة الهاتف الجوال، ومنعهم حتى من أخذ ملابسهم.
واستولى التنظيم بعدها على منازلهم وممتلكاتهم ووزعها بين عناصره، في حين اتخذ من الكنائس والأديرة مقرات له وكسر الصلبان ودمر بعض معالمها، وحوّلها إلى سجون لاحتجاز المتهمين بمخالفة تعليماته وتعذيبهم، أو مقرات أمنية له.
المبادرة التي اطلقت على منصة الـ"فيس بوك" لاقت ترحيبا من قبل عدد من المدونين والناشطين وحتى المتابعين من اهالي نينوى.
"كتبت صفحة (#دحق_دنحكي) وبالهجة الموصلية، نص يدعو للتأمل خصوصا في مناطق التنوع الاجتماعي، مثل نينوى"، هكذا بدأت الناشطة والاعلامية جمانة ممتاز تعليقها على مبادرة مشاركة الاديان الاخرى في طقوس المسلمين، موضحة : "انا لا افقه في الاسلام، اعرفه بحدود ما يعرفه العامة، لكن اعتقد ان المرونة تستطيع انصاف الكثير من المسلمين الذين شوهوا المتأسلمين سمعتهم لدوافع سياسية او مصالح شخصية".
وتؤكد ممتاز : "اصل الدين بمعزل عن العبادة، قيم اخلاقية ترقى الى درجة النظام او القانون الذي يدير شؤون البشر وينظم علاقاتهم ببعض".
أما المدون محمد كاظم، وهو من اهالي الموصل، فقد قال : "نحن لا نريد زيارات وحضور مناسبات لهذه الطائفة او تلك ، او هذه الديانة او تلك، نريد قلوب صافية ومفتوحة من كل القوميات والطوائف".
واضاف كاظم : "الفتنة زرعت ونحن بايدنا سقيناها والثمر نحصده بيدنا، وللاسف زرعنا الحقد وحب الانتقام وكره طائفة ومذهب الاخر، وان الحق لنا فقط، كل جماعة تعتقد بان الحق لها، وهي صاحبة الحق المطلق"، ويكمل متحسراً : "لا احد زرع الحب والنية السليمة"، لكنه دعا الجميع الى البدء بزرع الحب والاحترام لحصد التعايش المجتمعي والسلام.
ابراهيم شهاب ، له رأي آخر، فيقول لـ كركوك ناو : "في سهل نينوى الامور مختلفة يوجد مشاركة من الأخوة المسيحين والايزيدين في أحياء الشعائر الحسينية وتواجدهم في الحسينيات".
ويشير الى انه : "اما في داخل مدينة الموصل فيوجد حاجز نفسي قبل أن يكون ديني يمنع أئمة المساجد من مشاركة بقية المذاهب والطوائف والقوميات من دخول المساجد"، داعيا لـ"كسر هذا الحاجز".
أتمنى أن يساعدنا الآخرون على العودة السليمة إلى مدينتهم الموصل.
وشهدت الموصل عدد من المبادرات الهادفة الى تعزيز تقبل الاخر عقب تحريرها من "داعش" لعل اولها كان، اقامة مراسم القداس في كنيسة "مار بولس" في حي الثقافة بالموصل، في 24 كانون الاول 2017 . وقام حينها مجموعة من الشباب المسلمين من أهالي الموصل بتنظيف الكنيسة وتهيئتها لإقامة القداس، بعدما كان تنظيم "داعش" قد اتخذها كأحد مقراته وأحدث أضراراً بالغة بها.
وفي كلمة له أمام الحضور آنذاك، قال غبطة البطرياك لويس ساكو، بطرياك الكلدان، في العراق والعالم: "استقبال المسلمين لنا يدل على التغيير الذي حصل بالمدينة، وأن يكون شباب مسلمون يهيئون كنيسة هذا تعبير أعظم في الظروف الصعبة التي نعيشها".
وأضاف: "أتمنى أن يساعدنا الآخرون على العودة السليمة إلى مدينتهم الموصل، التي كانت تعبيرا قويا لهذا النسيج الوطني المتعدد، ووجودكم هنا اليوم تعزيز لهذا النسيج".
المدون صفوان المدني يقول لـ كركوك ناو : "هذه نقطة خلافي الجوهرية مع كل برامج التعايش، أنها تتعامل مع المسلمين وكأنهم هم أهل الذنب والقتلة وهم أجمعين وبكل طوائفهم مسؤولون عن مجازر داعش ويجب تكفيرها بالقداس وتنظيف الاماكن المقدسة لشركاء الوطن و زيارات دورية لكل المذاهب والاديان والطوائف".
ويوضح : "أنا أفهم التعايش بشكل حقيقي عندما يكون هنالك رد من الآخر لهذه المبادرات.. يعني مسيحي مثلا ينظف مسجد"، ويشير الى ان "المسجد هنا كرمز إسلامي يمثل توجه عقائدي وليس كاماكن انتجت بعضها فكر متطرف".