"هنا كانت غرفة النوم.. وهنا المطبخ.. وهناك الاستقبال، وهذه دراجة طفلي الصغير التي لم يركبها سوى لأيام قليلة".. يقف زينل محراب الذي يبلغ من العمر اكثر من خمسين عاما على أطلال منزله الذي بات ركاماً بفعل تنظيم داعش.
ويردد زينل محراب بحسرة وأنين: "عملتُ لسنوات سائقاً لسيارة أجرة كي أتمكن من بناء بيت متواضع ليّ، وقمتُ بتشيده بيدي وبمعية أفراد عائلتي بهدف تقليل نفقات البناء.. وكنتُ أسدد أقساطاً شهرية بدل مواد البناء التي كنت أجلبها..".
ويضيف الرجل الخمسيني، لـ (كركوك ناو) والدموع تكاد تطفر من عينيه، "خلصتْ عمري حتى بنيتْ لي بيت.. أشون أكدر ارجع ابنيه من جديد، لا تعويضات من الحكومة ولا من المنظمات لهسه". ويتابع "بعد نحو أربعة أشهر من نزوحي عن تلعفر أتصل أحد جيراني ليخبرني أن بيتي تمّ تفجيره، إلى جانب 95 بيتاً في المنطقة ذاتها".
ويؤكد أنه "في 2006 تمّ تفجير بيته الذي كان يقع في حي القادسية شمال تلعفر، ما اضطر إلى النزوح إلى حي الكفاح الشمالي حيث بيته المهدم الآن"، ويشير "لستُ عسكرياً ولا منتسباً لأي وظيفة مدنية أو أمنية.. أنا ولا أحد أفراد عائلتي.. الأمر كان بدافع طائفي محض".
"150 شجرة زيتون، وبستان عامر بمختلف أنواع الخضراوات والفواكه، إلى جانب بئر ارتوازي، ومنزل كبير، فجّره التنظيم الارهابي بعد أن اضطررتُ إلى النزوح عنه جراء سيطرته على تلعفر في 2014".. هكذا يعبر حيدر عبد الأمير عن معاناته.
ويشير في حديث لـ(كركوك ناو)، إلى أنه فقد اثنين من أفراد عائلته وأصيب الثالث بجروح بليغة جراء سقوط قذيفة هاون على منزله ليلة احتلال التنظيم لتلعفر. متسائلاً: "متى تلتفت الحكومة إلينا وتعوضنا لنعيد بناء بيوتنا المهدمة ونعود إليها".
من جانبه يؤكد مدير بلدية تلعفر المهندس محسن حسين زين العابدين، أن "تلعفر أكبر قضاء في العراق، يضم 23 حياً، و30 ألف وحدة سكنية، وعندما سقطت المدينة بيد داعش، عمل على تدميره، بشكل كبير، فقد دمرّ البنى التحتية لها، وفجّر الكثير من منازل المواطنين، والدوائر الحكومية والمدارس، والمحال التجارية".
ويضيف لـ(كركوك ناو) قائلاً "التنظيم عمل على جعل تلعفر منطقة مغلقة ونشر السواتر بين الأحياء، وزرع الاف العبوات، الأمر الذي ترك تأثيراً كبيراً على واقع الشوارع العامة والمباني، وساهم في رفع نسبة الدمار في المدينة، حيث تمّ إحصاء تفجير التنظيم لـ 44 عبوة ناسفة في مسافة 400 متر في احد شوارع تلعفر".
ولفت إلى أن "التنظيم تسبب في تدمير نحو خمسة الاف منزل بشكل جزئي، وأكثر من 600 منزل بشكل كامل، عبر تفجيرها أو حرقها". مقدراً نسبة الدمار في تلعفر بـ35%. وكشف "أننا نسعى لاعادة اعمار تلعفر، ولكن لا توجد أية التفاتة من قِبل الحكومة الاتحادية أو المحلية، رغم أننا طرقنا كل الأبواب الا أننا لم نتلقى أية إجابة، والمدينة اليوم مهملة بشكل كامل، وشوارعها مدمرة ولا تصلح للسير".
التنظيم تسبب في تدمير نحو خمسة الاف منزل بشكل جزئي، وأكثر من 600 منزل بشكل كامل
وأردف قائلاً "البرلمان صوّت على اعتبار تلعفر مدينة منكوبة، وكان يفترض أن تخصص لها مبالغ مالية لاعادة اعمارها، ورغم أن بعض النازحين عادوا إلى مناطقهم، ينتظر آخرون من الجهات المعنية توفير الخدمات الأساسية ليحذوا حذو العائدين".
من جانبه، دعا مؤتمر لشباب ومثقفي تلعفر، الأسبوع المنصرم، الجهات الحكومية، إلى "إعادة النظر في ملف إعمار تلعفر وتعويض المتضررين من العمليات الارهابية، وبناء القلعة الأثرية التي فجرها التنظيم، والدوائر الخدمية المهدمة في المدينة". كما شدّد المؤتمر الذي حمل عنوان "تلعفر بقلعتها أجمل"، على ضرورة "تعويض عوائل الشهداء والجرحى والمتضررين".
ووقعت تلعفر تحت سيطرة التنظيم الارهابي في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها، إلى محافظات الوسط والجنوب واقليم كردستان وكركوك وتركيا، قبل أن يعاود نحو 45% منهم العودة إليها مجدداً بعد تحريرها في أب 2017.
وتقع تلعفر، ذات الاغلبية السكانية التركمانية، شمال غرب مدينة الموصل، وتعرضت بعد العام 2004 إلى عمليات عنف متواصلة خلفت الاف الشهداء والجرحى، ودمرت الاف المنازل والمتاجر، في مناطق القضاء المختلفة.