فتاة من مدينة الموصل ذات 14 عاما، كانت لها عشرات الاحلام، كانت تحن للعب بدميتها والذهاب الى المدرسة، الا ان الحروب والثغرات الموجودة في قانون الاحوال الشخصية العراقية، اجبرت يمامة على الزواج ووقوع مسؤوليات كبيرة على عاتقها كتربية الاطفال والاهتمام بمنزل الزوجية بدلا من اللعب ومشاهدة افلام الكارتون.
"اشتاق للذهاب الى المدرسة وأحن للعب واللهو مع صديقاتي في زقاق الحي الا انني لا أستطيع ذلك منذ مدة طويلة، والسبب أني متزوجة" تقول ذلك بابتسامة خريفية (يمامة محمد النجار)، التي وجدت نفسها مسؤولة وهي في سن 14 عاما عن طفل.
يمامة ذات الملامح الطفولية والجسم النحيل والتي لا تتعدى قامتها 150 سم تجلس عند عتب دار والدها في منطقة 17 تموز بالساحل الأيمن لمدينة الموصل (المحور الغربي) للموصل، قائلة (لكركوك ناو) وسط مراقبة نظرات والدتها " انا من مواليد 2005 تزوجت او تم تزويجي من قبل اهلي قبل سنة أي عندما كان عمري 13 عاما الى شاب يكبرني سناَ بعام واحد فقط، وبعد ذلك رزقت بابن اسميته (قسورة "احد أسماء الأسد") ، وقد واجهت ولغاية اليوم صعوبات كبيرة في تربية طفلي وفي التعامل مع زوجي وأهله، ما أدى الى حدوث مشاكل عائلية وخلافات واسعة وعلى نحو مستمر الا اني لا استطيع تغيير حياتي فهذا مصيري".
تقاطع والدة يمامة الاربعينية بصوت حاد ابنتها قائلة (لكركوك ناو) "لدي أربع بنات وثلاثة اولاد وان يمامة هي اكبرهم سنا، فقدنا منزلنا في حي خزرج بالموصل القديمة جراء الحرب على "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، وفقد زوجي عجلته الـ (بيك اب) جراء الحرب أيضا والتي كان يستخدمها في نقل الخضروات، ويؤمن بالمردود المادي الذي يحصل عليه من ذلك العمل لقمة العيش، ولم نعد نملك أي شيء لنجد انفسنا نجلس في دار مكون من غرفتين في منطقة تموز ايمن الموصل (المحور الغربي)، ببدل ايجار قيمته 120 الف دينار شهريا، لذا كان لابد عدم السماح ليمامة واخوتها بالذهاب الى المدرسة وتزويجها للتخلص من بعض التكاليف المادية التي تشكل عبئا علينا في ظل غياب الدعم الحكومي".
وحول زواج القاصرات في العراق، يقول وزير التخطيط والتعاون الانمائي علي الشكري في تموز 2013 خلال الاحتفال باليوم العالمي للسكان ان 5.5% من النساء المتزوجات تزوجن قبل سن 15 عاما، و23.4% تزوجن قبل سن 18 عاما”.
تقر والدة يمامة ان "ابنتها صغيرة على الزواج واعبائه ومسؤولياته، الا انها في ذات الوقت لا ترى هناك خيارات امامها لمواجهة الظروف الصعبة على حد وصفها"، مؤكدة ان "ابنتها الثانية (فاطمة) هي الان تبلغ من العمر 11 عاما وعلى الاستعداد تزويجها اليوم لو تقدم اليها رجلا".
ويعرف القاصر او القاصرة قانونياً بأنه كل إنسان في مرحلة الطفولة، وما زال تحت وصاية والده، أو ولي أمره، ويعرف أيضاً بأنه كل فرد يعجز عن تولي مسؤولية نفسه القانونية، ويكون مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بعائلته، وفي أغلب دول العالم يعد كل فرد تحت السن القانوني الذي يقدر في عُمر الثمانية عشر عاماً قاصراً قانونياً.
وفي العام 2013 ذكرت وزارة التخطيط ان 11% من حالات الزواج التي جرت داخل المحاكم تندرج في خانة زواج القاصرات، مع وجود نسب أكبر تسجل خارج المحاكم.
زواج القاصرات امام القانون
تقول المحامية والناشطة الحقوقية الموصلية نداء العبيدي ان" قانون الاحوال الشخصية العراقي يتحمل النتائج المرتبة عن زواج القاصرات لاحتوائه ثغرات وخلل في التطبيقات القضائية والتي أبرزها السماح بتسجيل عقود الزواج المبرمة خارج المحاكم لاحقا في المحاكم".
توضح العبيدي (لكركوك ناو)، ان" قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، اشترط اكمال الثامنة عشر عاما للزواج في المادة 7 الفقرة 1، الا ان المادة 8 من ذات القانون في الفقرة 1 و2 (التي تنص على 1 – إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فللقاضي ان يأذن به اذا ثبت له اهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي فاذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فان لم يعترض او كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار اذن القاضي بالزواج، 2 – للقاضي ان يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو الى ذلك، ويشترط لإعطاء الاذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية)".
وتضيف ان هذه “الثغرات” وغيرها أسهمت بشكل او باخر استمرار زواج القاصرات في جميع مناطق محافظة نينوى وتصديقه من قبل محاكم الأحوال الشخصية بعد بلوغ سن الـ 18 من العمر للأنثى والذكر".
وتقول السلطة القضائية الاتحادية أن الأرقام الخاصة بطلاق القاصرات تتصاعد منذ 2014 وان أغلب حالات الطلاق تحدث خارج المحاكم.
رأي الدين بزواج القاصرات
يقول رجل دين موصلي رفض الإفصاح عن اسمه، ان "تحديد سنا معينا لزواج الفتيات مخالف فقهيا لشرع الإسلام، الذي يشترط وصول كلا من الفتاة والفتى إلى حد التكليف، ووجوب الفرائض الشرعية".
ويوضح (لكركوك ناو)، أن "أهم علامات التكليف هي الحيض عند الأنثى، وطاقتها للجماع، أو بلوغها 15 عاما حتى بدون ظهور العلامات السابقة".
سبب تزايد حالات زواج الأطفال هو ضعف القانون
"زواج الأطفال"
المحامية الموصلية شذى العبدلي ترفض إطلاق مصطلح زواج القاصرات على الفتيات اللاتي يتزوجن دون سن 18 عاما، وتشدد على تسميته بزواج الأطفال كون زواج القاصرات مصطلحا يبخس حق الطفولة "على حد وصفها".
تقول العبدلي في حديث خاص مع (كركوك ناو)، ان" سبب تزايد حالات زواج الأطفال في نينوى وغيرها من المحافظات العراقية هو ضعف القانون وعدم وجود عقوبة بحق المشاركين في إتمام حالات الزواج خارج المحاكم المختصة".
وتضيف انه " وفق حكم المادة (10/5) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الخاصة بعقوبة الزواج خارج المحاكم تنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار كل رجل عقد زواج خارج المحكمة وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات إذا عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجية).
وتشير الى ان" التراخي في تطبيق العقوبة، حيث يؤخذ عادة بأخف عقوبة وهي الغرامة التي لا تزيد عن 1000 دينار (أقل من دولار واحد) يصبح الزواج خارج المحاكم بكل ما يحمله من محاذير أمراً متاحاً ومخرجا ميسرا لزواج القاصرات".
زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة والجديدة على المجتمع الموصلي
خطورة زواج القاصرات على المجتمع
"إن زواج القاصرات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة والجديدة على المجتمع الموصلي وسببها الحرب وما انتجته من اثار سلبية كفقدان العوائل للمعيل والمأوى والعمل (مصدر الرزق)، وبالتالي مواجهة العوز والفقر، ودفع بتلك العوائل الى محاولة التخلص من أبنائها البنات عن طريق الزواج حتى وان كن قاصرات لأجل التخلص من مصروفهن، ونفقاتهنّ، والدفع بأبنائها الأولاد للعمل بمختلف المهن والاشغال".. يقول ذلك الباحث الاجتماعي عدي الحمداني.
يوضح الحمداني (لكركوك ناو)، ان" الفتاة القاصرة طفلة وهي غير مدركة للحياة وشؤون الزواج ومسؤولية الأولاد، لذلك سرعان ما تنهار العلاقة ويكون ضريبة زواج القاصرات جريمة بحق أطفال سوف ينشئون دون حنان ورعاية ابوية شاملة وابسط مقومات الحياة".
وتتزوج حوالي 12 مليون فتاة تحت سن 18 عاما في العالم سنويا، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة في آذار/مارس 2018، وتتم نسب كبيرة من هذه الزيجات في منطقة الشرق الأوسط.
اثار الزواج المبكر على صحة الفتاة
تقول الدكتور الموصلية فوزية حاجم التي تقيم في مدينة أربيل شمالي العراق ان" الاثارة الصحية المترتبة على زواج القاصرات كبيرة وقد لا تظهر في السنوات الأولى من الزواج ولكن بعد فترة ستكون وخيمة".
توضح حاجم في حديث صحافي مع (كركوك ناو)، ان" الفتاة القاصر لايزال جسمها في طور النمو، وهي غير مستعدة بنسبة 99% الى الحمل والانجاب والتربية، وقد تكون الفتاة القاصر معرضة الى الموت اثناء الولادة فجميع عضلات جسدها غير مستعدة لهكذا عملية".
وتشير الى ان" زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة واغتيال للبراءة".
ويقول مسؤول اعلام وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، ان الوزارة لا تملك فعليا أية احصائية لزواج القاصرات ولا لنسب لطلاقهن من مجموع المطلقات.
دعوات لحماية القاصرات
في ذات الشأن يقول الناشط المدني الموصلي أيوب كاظم ان" هناك حالات مشابه لحالة زواج القاصرة (يمامة محمد النجار)، داخل المجتمع الموصلي حصرا، ولكن يرفض اهل القاصرات الكلام والحديث خوفا من الفضيحة والعار فيتم الزواج بشكل شبه سرية أي على نطلق ضيق وعند الطلاق لا يتم الاشهار والافصاح"
ويوضح، (لكركوك ناو) ان" الحكومة هي المسؤولة عن إيقاف تدمير المجتمع الموصلي والعراقي عامة من خلال تفعيل القوانين الخاصة بمنع زواج القاصرات، اما خلاف ذلك فأننا مقبلين على كوارث اجتماعية".
تمضي (يمامة محمد النجار) حاملة ابنها قسورة نحو اكمال مشوار حياتها الزوجية محرومة من حياة طفولتها وعليها الاهتمام بأبنها وتنفيذ مطالب زوجها، بدلا من اللعب والذهاب مع المدرسة اسوة بصديقاتها.