منشور غير متوقع في الفيسبوك، كاد ان تطيح بجميع الاستعدادات التي خططها مسعود البارزاني لاجراء استفتاء استقلال كوردستان وتنهي حلم السفر نحو العالم بجواز سفر كوردي في منتصف الطريق.
“قررنا بقبول مقترح التحالف، بديلا للاستفتاء” هذه الكلمات كانت ضمن منشور للنجل الاكبر لامين العام للاتحاد الوطني الكوردستاني جلال الطالباني، نشره في وقت متأخر من ليلة 23 ايلول 2017، وسبب بنوع من الصدمة في اقليم كوردستان، لانها جاءت قبل يوم واحد من تحقيق حلم كان يتمناه الامة الكوردية منذ امد طويل.
كان الجميع يراقبون الخير الذي كان يٌبث من على شاشات الفضائيات بحذر شديد، وقسم الرأي العام في الاقليم الى قسمين وكان الجميع يفسر الامر وفقا لرؤيته بخصوص الاستفتاء.
جاء المنشور بعد مرور اقل من 24 ساعة على خطاب حماسي القاه مسعود البارزاني، رئيس اقليم كوردستان انذاك امام عشرات الالاف من المواطنين حيث قال ان “مسألة اجراء الاستفتاء خرجت من يده ومن سلطة حزبه وانتم اصحاب القرار بعد الان” وذلك للتعبير عن عدم الرجوع من قرار اجراء الاستفتاء.
وأضاف البارزاني “انا لست بالشخص الذي يخجل نفسه امام امته”.
هذا كان اخر خطاب للبارزاني اثناء حملات الدعائية للاستفتاء التي جرت في 25 أيلول عام 2017 في اقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها، وذلك بعد مرور اكثر من ثلاثة أشهر على المباحثات الداخلية والخارجية بهدف تأجيل الاستفتاء، وخصوصا في المناطق المتنازع عليها.
قرار الاستفتاء
اجتمعت الاحزاب الكوردية يوم 7 حزيران 2017 في مصيف صلاح الدين، والذي يقع فيه مقر رئاسة اقليم كوردستان، باستثناء حركة التغيير والجماعة الاسلامية واللذان كانا يمتلكان 30 مقعدا في برلمان كوردستان.
مسعود البارزاني، كان يترأس الاجتماع كونه رئيسا للاقليم انذاك، وقرر المجتمعون اجراء الاستفتاء لاعلان استقلال اقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها في يوم 25 أيلول من عام 2017، وتم تشكيل المجلس الاعلى للاستفتاء برئاسة البارزاني.
دخل اقليم كوردستان مرحلة جديدة بعد مقررات الاجتماع، طالبت بعض الاطراف السياسية بضرورة الوصول للاجماع السياسي، أو صدور قرار من برلمان كوردستان حول مسألة اجراء الاستفتاء، فيما كان البعض الاخر يرى التوقيت غير ملائما لاجراء العملية.
بعد مرور ثلاثة ايام من قرار اجراء الاستفتاء، قرر كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني بتفعيل برلمان كوردستان من اجل الاستفتاء، والذي سبق تعطيل اعماله قبل حوالي عامين بسبب الخلافات السياسية وبقرار من المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني.
صادق برلمان كوردستان على اجراء الاستفتاء في موعده المحدد، وذلك كانت بداية لازمة جديدة شهدها اقليم وردستان والتي استمرت لحوالي ثلاثة اشهر لحين اجراء الاستفتاء.
بأستثناء حركة التغيير والجماعة الاسلامية، واللذان كانا يعتقدان بأن التوقيت ليس ملائما لاجراءه، الا ان جميع الاحزاب السياسية الاخرى ايدت البارزاني في قرار اجراء الاستفتاء، ومن جهة اخرى تم الاعلان عن حركة “كلا للاستفتاء في الوقت الحالي” الا انها لم تترك تأثيرا كبيرا على سير العملية برمتها.
الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها
مسألة اجراء الاستفتاء في المناطق المتنازع عليها، كانت من ابرز المسائل التي اثارت جدلا كبيرا في تلك المناطق، وفي الايام الاخيرة لحملات الدعائية للاستفتاء، ابدت قيادة اتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك معارضتهم لاجراء العملية في المحافظة، الا ان نجم الدين كريم، محافظ كركوك كان من بين المؤيدين بشدة لاجراء العملية في المحافظة.
ولكن قادة الاتحاد في محافظات الاقليم كانوا من ضمن الداعمين لاجراء الاستفتاء في 25 ايلول عام 2017، وخصوصا هيرو ابراهيم احمد، عقيلة جلال الطالباني، والنائب الاول للاتحاد الوطني الكوردستاني، كوسرت رسول والملا بختيار وعدد اخر من اعضاء المكتب السياسي للحزب.
في أواخر شهر الثامن، صوت مجلس محافظة كركوك، برئاسة ريبوار الطالباني بالاغلبية على اجراء الاستفتاء في كركوك أسوة بباقي محافظات اقليم كوردستان، وذلك بمقاطعة اعضاء العرب والتركمان في المجلس.
زار مسعود البارزاني محافظة كركوك برفقة كوسرت رسول يوم 12 أيلول ومع تأكيده على اجراء الاستفتاء في المحافظة قال ان “كركوك مدينة كوردستانية وستشارك في الاستفتاء”، وكان ذلك بمثابة سكب الزيت على النار لدى المكونات الاخرى في المحافظة.
بعد مرور ثلاثة أيام من زيارة البارزاني الى كركوك، وجهت قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك تحذيريا الى رئيس اقليم كوردستان السابق من تداعيات الاستفتاء في المحافظة.
نائب مسؤول المركز الثاني للاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك، روند ملا محمود قال في حديث لـ (كركوك ناو) “كان الوضع مختلفا في كركوك، تولد لدينا قناعة في الاتحاد الوطني في 23 ايلول بعدم اجراء الاستفتاء في كركوك وحتى بعض المسؤولين في الديمقراطي الكوردستاني كانوا يساندونا في هذا الامر، ولكن جرت العملية في كركوك وحصل الذي رأيناه فيما بعد”.
قبل اجراء الاستفتاء بيومين
كان الوضع متأزما جدا، بدأت جبهة المؤيدين لتأجيل الاستفتاء تتسع اكثر فأكثر، اعلن التحالف الدولي معارضته لاجراء الاستفتاء، فيما بدأ كل من تركيا وايران والعراق بتهديد الاقليم علنا بهدف اجباره للعدول عن قرار اجراء الاستفتاء.
كان موقف الحزب الديمقراطي الكوردستان واضحا جدا ولم تطرأ اية تغييرات على مواقفه، ولكن الوضع كان مختلفا بالنسبة للاتحاد الوطني الكوردستاني، طالب المجلس القيادي للحزب بأستثناء كل من كوسرت رسول ونجم الدين كريم، في يوم 24 أيلول عام 2017 بتأجيل الاستفتاء، الا ان هيرو ابراهيم احمد، والتي كانت مصدرا لحسم قرارات الاتحاد الوطني اختارت الصمت.
ان كان الوضع في اقليم كوردستان طبيعيا نوعا ما، الان ان مسألة اجراء الاستفتاء في كركوك كانت مختلفة تماما عما كان عليه الاقليم، وتم نقل الصراعات الى تلك المحافظة، لتأجيل الاستفتاء وعدم اجرائه في كركوك.
ريبوار الطالباني، رئيس مجلس محافظة كركوك، والذي كان من مؤيدي انجاح عملية الاستفتاء جنبا الى جنب مع نجم الدين كركوك قال لـ (كركوك ناو) ان “الاتحاد الوطني الكوردستاني حاول كثيرا عدم اجراء الاستفتاء في كركوك، وفي الايام الاخيرة لحملات الدعائية، شاركت في اجتماع ضم كوسرت رسول والدكتور نجم الكريم والملا بختيار وأسو مامند مع ممثل عدد من الاحزاب الكوردية تم التأكيد في الاجتماع على عدم وجود اي مانع لتأجيل الاستفتاء في كركوك”.
في يوم 23 أيلول رفض الاتحاد الوطني الكوردستاني في اجتماع الاحزاب الكوردية اجراء الاستفتاء في كركوك بصورة علنية وهدد بمنع وضع صناديق الاقترع في المحافظة.
“بعد اقل من خمسة ساعات، سوف تظهر جميع الحقائق للمواطنين حول مخططات الاستخبارات التركية ضد كركوك” هذا بحسب ماجاء في بيان الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك تمت نشره يوم 23 أيلول.
وأضاف ريبوار الطالباني “تعرضت لضغوطات كبيرة، ولكنني لم اخضع للقرارات الاحادية التي تصدر من طرف حزب واحد، وكنت بأنتظار قرار جماعي تصدر من جميع الاحزاب الكوردية”.
انتهت وقت المباحثات، اربعة قيادات كوردية من الذين كان يستمع البارزاني الى ارائهم اصروا على اجراء الاستفتاء في كركوك، وهم كل من كوسرت رسول، نجم الدين كريم، كمال الكركوكي ومحمد الحاج محمود، هذا بحسب ماقاله روند الملا محمود.
واضاف الملا محمود “كان للاحزاب الصغيرة دورا سلبيا في تشجيع البارزاني على اجراء الاستفتاء”.
وقال مصدر مطلع شارك في جميع اجتماعات الاتحاد الوطني الكوردستاني في تلك الفترة ان “كوسرت رسول توجه الى كركوك يوم 24 ايلول من العام الماضي بقيادة قوة عسكرية كبيرة، وفي حال اصرار قادة الاتحاد المعارضين للاستفتاء، لكانت تسفك الدماء، وكان يسانده في ذلك كل من نجم الدين كريم وشخص مسعود البارزاني، لذا التزم قادة الاتحاد الوطني المعارضين لاجراء الاستفتاء في كركوك الصمت”.
بديل التحالف للاستفتاء
عقد مسعود البارزاني في تلك الفترة عشرات الاجتماعات مع الدول الاوروبية وامريكا حول الاستفتاء، كان سفراء الدول يقبلون عليه باستمرار لاقناعه بتأجيل العملية لفترة زمنية اخرى.
في يوم 14 ايلول، قبل اجراء الاستفتاء بأحدى عشر يوما، زار وفد من التحالف الدولي برئاسة بريت ماكغورك، ممثل الخاص للرئيس الامريكي، والسفير الامريكي لدى العراق، ممثل الامين العام للامم المتحدة والسفير البريطاني في العراق الى محافظة دهوك للقاء البارزاني.
اجتمع الوفد ببارزاني في مقر قيادة العمليات ضد داعش، وتم مناقشة بديل التحالف مقابل تأجيل الاستفتاء.
اقترح ممثل امريكا، بريطانيا، فرنسا وممثل الامين العام للامم المتحدة مناقشة القضية الكوردية واجراء الاستفتاء في اجتماعات منظمة الامم المتحدة، مقابل تأجيل الاستفتاء لمدة عامين فقط.
مع مرور الوقت اكثر فاكثر، تزايد المطالبات بتأجيل الاستفتاء، وفي يوم 23 ايلول اعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء انهاء استعدادتها لاجراء العملية.
وفي تلك الاثناء، نشر بافل الطالباني، النجل الاكبر للرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني جاءت فيه “قررنا قبول بديل الاستفتاء المقترح من قبل التحالف الدولي من قبل، الامم المتحدة، امريكا، بريطانيا وفرنسا، وفضلنا بقبول هذا البديل، وسوف نذهب الى بغداد بوفد مشترك لمناقشة جميع الملفات العالقة بين بغداد واربيل بدلا من اجراء الاستفتاء في الوقت الحالي” وهذا المنشور ادخل الاقليم في مرحلة اخرى لساعات.
بعد مرور ساعتين، اكد الطالباني، بأن المنشور نشر عن طريق الخطأ من قبل احد موظفي مكتبه الاعلامي، وبعد ابلاغه بالموضوع، تم مسح المنشور على الفور.
اليوم الاخير
طالب مسعود البارزاني، بصفته رئيسا للمجلس الاعلى للاستفتاء، بعقد اجتماع عاجل للمجلس في يوم 24 ايلول، لمناقشة بدائل الاستفتاء المقترحة من قبل التحالف الدولي.
بعد ساعات من الاجتماع، اعلن المجلس عن طريق بيان تضمن “اجراء الاستفتاء في موعدها المحدد دون اية تأجيل”.
ومن جانبه اعلن عضو المجلس القيادي للحزب الديمقراطي الكوردستاني اكرم صالح في حديث لـ (كركوك ناو) انه “على الرغم من الضعوطات الداخلية والتي كانت تمارس من قبل حركة التغيير والجماعة الاسلامية وبعض قادة الاتحاد الوطني، الا ان رئيس بارزاني اصر على اجراء الاستفتاء في موعده”.
صوت 92% من المشاركين لصالح الاستفتاء في اقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها، ولكن انقلب السحر على الساحر. لانه بعد مرور 21 يوما وفي 16 تشرين الاول عام 2017، عادت القوات العراقية انتشارها في المناطق التنازع عليها، وتم تجميد نتائج الاستفتاء تحت ضغوطات بغداد.
لم ينهي هذا حلم عشرات الالاف من المواطنين للطيران نحو العالم بجواز سفر كوردي فقط، بل وتم حظر الطيران على مطارات الاقليم بجميع جوازات السفر.