كان مجرد يومًا عاديا آخر في الجامعة بالنسبة لعلي نجم الدين، طالب في قسم اللغة كردية في السنة الثالثة بجامعة كركوك، عندما بدأ يسعل بشدة مع خروج افرازات ودم مع السعال، كان ذلك في نيسان ٢٠١٨. بعدها ذهب علي إلى عيادة الجامعة، وقيل له بأنه لا يعاني من أي مرض خطير، ووصفوا له بعض المضادات الحيوية فقط.
بعد انتهاء المحاضرات، عاد علي إلى منزله في حي ليلان بشرق كركوك ولم يفكر في الأمر مرة أخرى. ولم يزر أي طبيب لمتابعة حالته الصحية وحتى لم يخبر أسرته بأي شيء لأنه لم يكن يريد أن يقلقهم من ناحية وبسبب حالتهم المادية من ناحية أخرى، لأن عائلته ليس لديها مصدر دخل منتظم بخلاف معاش والده الراحل، بالإضافة إلى أن علي كان شابًا رياضيًا قويًا يشارك في نشاطات الألعاب الرياضية، وكان يعمل في مجال البناء كعامل يومي مدفوع الأجر كلما أتيحت له الفرصة للقيام بذلك، ولم يشعر أبدًا بأن حالته الصحية ليست على مايرام، بحسب تقرير لمنظمة الهجرة الدولية IOM.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، استيقظ علي في صباح يوما ما وكان مصابًا بالإنفلونزا الشديدة والسعال.
كانت لحظة صعبة للغاية عندما علمت أنني مصاب بداء السل
وبهذا الصدد قال علي، "شعرت بشيء ما في صدري، فهرعت مسرعا خارج غرفتي ورأيت الدم أثناء السعال مرة أخرى، لكن في هذه المرة ذهبت على الفور إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات".
ظهرت نتائج الفحوصات سريعا، وتبين بأن علي كان مصابا بداء السل!
رين الأول ٢٠١٩
ومع حوالي ٧,٠٠٠ حالة إصابة جديدة بداء السل في كل عام في العراق، أصبح العراق الآن واحدًا من البلدان ذات المعدلات الاعلى للإصابة بالسل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ساهمت سنوات الحرب والعقوبات منذ منتصف التسعينيات في عودة ظهور مرض السل في العراق. وازداد الوضع تدهوراً بعد عام ٢٠١٤، عندما سيطر تنظيم داعش على مساحات شاسعة من المناطق في العراق وما تلاها من عمليات عسكرية لاستعادة تلك المناطق التي تضررت بشدة بنيتها التحتية الصحية التابعة للحكومة.
صُدم علي من خبر إصابته بهذا المرض الخطير.
"لقد كانت لحظة صعبة للغاية عندما علمت أنني مصاب بداء السل، مما أثر على حالتي النفسية بشكل كبير. ولكن في النهاية، كل شيء بيد الله سبحانه وتعالى".
كما كان لهذا الخبر أثرا فادحا على عائلته أيضًا، وخاصة والدته.
حيث قالت والدة علي، "كنت أبكي يوميا عندما علمت أن ابني علي مصاب بداء السل، كما شعر شقيقه بحزن عميق أيضًا. لم نكن نعلم ماذا نفعل ولم يكن لدينا المال الكافي لاستخدام وسائل النقل لغرض زيارة الطبيب، ناهيك عن تكاليف الفحوصات والأدوية اللازمة "
ونتيجة لانتشار داء السل في العراق، أصبح لدى وزارة الصحة العراقية ١٩ مركزًا للبرنامج الوطني لمكافحة السل (NTP) في جميع أنحاء البلاد. وبدعم مالي مقدم من قِبل الصندوق الدولي، ينصب تركيز المنظمة الدولية للهجرة على تعزيز دور البرنامج الوطني العراقي لمرض السل، وذلك لمكافحة هذا المرض وتخفيف حِملهُ على النظام الصحي، عن طريق شراء الأدوية واللوازم المخبرية، وتدريب موظفي البرنامج الوطني لمكافحة السل وتنسيق الفرق الطبية المتنقلة (MMT) التي تعمل في سبع محافظات متأثرة بالنزاعات والنزوح.
كنت أبكي يوميا عندما علمت أن ابني علي مصاب بداء السل
زار علي مركز البرنامج الوطني لمكافحة السل في كركوك، حيث تم فحصه هناك مع تلقي العلاج.
بدأ علي بتناول الدواء، لكن خلال الأشهر القليلة التالية بدأت حالته الصحية بالتراجع، مع نقص حاد في الوزن بمعدل ينذر بالخطر. فعلم حينها أن هناك خطأ ما، قد يكون الدواء الذي يتناوله ليس له أي تأثير.
"أثر مرض السل بشكل كبير على صحة علي وبدأت علامات الإعياء والتعب الحادة تظهر عليه، بحيث أصبح رجلا شبه ميت في المنزل، مستلقيا بصورة دائمة ولا يقوى على فعل أي شيء"، هذا ما قالته والدته وأكملت حديثها قائلة، "كنت أستلقي بجانبه وألمس جبهته المشتعلة كالنيران نتيجة لأرتفاع درجة حرارة الجسم ".
وخوفًا على حياة علي، حاولت عائلته التواصل مع أي شخص يمكنه المساعدة، فقام أحد الأصدقاء بإحالتهم إلى الطاقم الطبي المتنقل التابع للمنظمة الدولية للهجرة في كركوك، والذين بدورهم قاموا بزيارة علي في منزله. وبالتنسيق مع مركز البرنامج الوطني لمكافحة السل، اكتشف الطاقم الطبي المتنقل، أن علي كان يتناول جرعات خاطئة من العلاج، وذلك بناءً على نصيحة طبيب محلي غير متخصص في داء السل.
وبهذا الصدد يقول عبد الجليل، وهو أحد المسؤولين في الطاقم الطبي المتنقل التابع للمنظمة الدولية للهجرة في كركوك، "هذا أمر خطير للغاية لأن الاستخدام الخاطئ لدواء مرض السل يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المرض".
أعاد الطاقم الطبي علي إلى مركز البرنامج الوطني لمكافحة السل لإجراء المزيد من الفحوصات الطبية للتأكد من حالته. وتبين أن علي الذي كان لديه حالة "مرض السل -إيجابي" عندما تم تشخيصه في المرة الأولى في تموز ٢٠١٨، قد تدهورت حالته الصحية وأصبحت حالة مقاومة للأدوية المتعددة (MDR) ، أي وصل المرض إلى مرحلة أكثر خطورة بسبب تناول جرعات خاطئة لدواء السل .
ونتيجة لذلك، تمت إحالة علي إلى بغداد لأن التشاور والعلاج المتعلق باستخدام الأدوية المتعددة غير متاح في كركوك. ومنذ ذلك الحين، يقوم الطاقم الطبي المتنقل التابع للمنظمة الدولية للهجرة بنقل علي إلى مركز البرنامج الوطني لمكافحة السل شهريا لمتابعة حالته الصحية وإجراء الفحوصات المخبرية للتأكد من أنه يتبع دورة العلاج الصحيحة.
كما قال عبد الجليل بهذا الخصوص، "بالتنسيق مع مركز البرنامج الوطني لمكافحة السل، وصفنا لعلي كمية الجرعة التي يجب أن يتناولها من الدواء. ونحن مستمرين في متابعة حالته الصحية يوميًا للتأكد من أنه يتناول الدواء بشكل صحيح ولكي نرصد مدى إستجابته للعلاج ".
أشعر الآن بتحسن كبير. فقد توقف السعال وها أنا آكل جيدا بحيث بدأت بإستعادة الوزن الذي فقدته
كما أشارت والدة علي إلى أنه، "لم يكن ليتعافى لولا إحالته إلى بغداد". وقالت أيضا، "في وقت ما كانت حالته الصحية سيئة للغاية لدرجة أننا فقدنا الأمل في شفائه، لكن الله أعاده إلينا".
كما قدم الطاقم لعلي طرود غذائية لمساعدته على استعادة قوته ووزنه أثناء تناوله الدواء. حيث تشمل الطرود الغذائية الأطعمة الغنية بالبروتين التي يحتاجها مرضى السل لاستعادة قوتهم، مثل أسماك التونة ولحم البقر وصدر الدجاج والحليب والفاصوليا والحبوب وجبنة الشيدر وزيت الزيتون وغيرها من الأطعمة الأخرى.
عانى علي من صعوبات وآلام جسدية ونفسية كبيرة منذ تشخيص إصابته بداء السل. ولكن منذ أن بدء بأخذ الدواء بشكل صحيح، عاد إليه الأمل من جديد. واعتبارًا من تشرين الأول ٢٠١٩، بدأ علي يتعافى بسرعة بحيث تمكن من إكمال تعليمه الجامعي.
وبعد معاناة طويلة مع المرض قال علي، "أشعر الآن بتحسن كبير. فقد توقف السعال وها أنا آكل جيدا بحيث بدأت بإستعادة الوزن الذي فقدته. فقد أصبح وزني الآن ٦٩ كيلوغراما، وها أنا أستعيد قوتي وأستيقظ وأتجول وأخرج وكذلك ألعب كرة القدم مع إخواني وأصدقائي من وقت لآخر، بحيث بدأت أشعر بأني قوي نفسياً."
والدة علي توافقه الرأي.
"سنجد عروسًا له حتى يتزوج قريبًا!" وضحك الجميع .