الخدمات الطبية الأهلية في الموصل تتحول لتجارة وسط ذهول المرضى

نينوى2020، احدى العيادات الطبية الخارجية في الموصل، تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو- نينوى

المريض في الموصل يحسب قبل مراجعة الدكتور ألف حساب بسبب الأجور المرتفعة الخاصة بالكشف الطبي والتحليلات والدواء والتي لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه.

حرب استعادة الموصل أدت إلى تدمير ما يقرب 16 مستشفى رئيسا وفرعيا في عموم نينوى، وأكبر الأضرار كانت من نصيب الجانب الغربي لمدينة الموصل المعروف بالجانب (الأيمن) الذي يضم المجمع الطبي الرئيس في المدينة الذي يشبه إلى حد كبير مدينة الطب في العاصمة بغداد.

 الطبية في الموصل 2
مختبر طبي لاجراء الفحوصات المرضية في الموصل، تصوير: كركوك ناو

"20 ألف دينار عراقي اقل مبلغ مالي للحصول على اذن الدخول الى طبيب في الموصل من اجل اجراء الكشف الخارجي فقط وطرح الأسئلة المتعلقة بمعرفة المرض لا غير والباقي يتطلب الكثير من المال" يتحدث بذلك المواطن عثمان عبد السميع 51 سنة.

يقول المواطن عثمان عبد السميع الى (كركوك ناو)، ان" ابنتي علياء 23 عاما تعاني من التهاب حاد في الأمعاء الدقيقة وقد ذهبت بها الى المشفى الحكومي ولكن حالتها الصحية لم تتحسن بسبب سوء الخدمات المقدمة وقد نصحني أحد الممرضين في المشفى ان اخرج ابنتي الى دكتور اخصائي خارجي يتمكن من علاجها".

ويضيف عند اصطحاب ابنتي الى دكتور الباطنية الخارجي في الساحل الايسر من الموصل صدمت بان سعر الحصول على ورقة للدخول اليه 20 ألف وما ان دخلنا سأل ابنتي عن أماكن الالام ثم طلب منا اجراء سلسلة تحليلات مرضية والعودة اليه لمعرفة ما بها.

 الطبية في الموصل 4
 احدى العيادات الطبية الخارجية في الموصل، تصوير: كركوك ناو

مشفى ابن سينا التعليمي قبل دخول تنظيم الدولة الإسلامية ("داعش") الى الموصل 2014 كان يضم 8 طوابق بواقع 535 سريرا، والردهات الصحية مجهزة بمختلف المستلزمات الطبية الضرورية، الا انها دمرت بالكامل خلال معارك استعادة السيطرة على المدينة ما اضطر الى افتتاح موقع بديل لها في الساحل الايسر بقدرة منخفضة جدا.

يواصل المواطن عثمان عبد السميع (أبو علياء) حديثه ان التحليلات المرضية التي اجراها الى ابنته في المختبر الذي حدده الدكتور له كلفته 130 ألف دينار عراقي، وان الدواء الذي أكد الدكتور جلبه من الصيدلية القريبة منه كلفه نحو 66 ألف دينار ليكون مجموعة مراجعة الطبيب الخارجي 216 ألف دينار دون ان تشفى ابنته من المرض الذي تعاني منه ابنته على حد قوله.

منظمة أطباء بلا حدود الدولية في تقرير صدر عنها في وقت سابق، اشارت الى إن مدينة الموصل ما تزال تفتقر إلى 70 بالمائة من قدرات الرعاية الصحية وان الكوادر ماتزال غير مؤهلة.

 الطبية في الموصل4
جهاز الاشعة في احدى العيادات الخارجية داخل الموصل

"تحليل الادرار 20 ألف دينار، والخروج 25 ألف دينار، الدم يعتمد على نوع المرض ولكن في المجمل لا يقل عن 25 ألف دينار، الاشعة أنواع أيضا الا انها لا تقل عن 15 ألف دينار، السونار 20 ألف دينار" تلك الأسعار في اغلب المختبرات الطبية الاهلية في مدينة الموصل يؤكد ذلك الدكتور بكر الدباغ صاحب مختبر طبي في المدينة.

يوضح، ان" سبب ارتفاع الأسعار يعود الى غلاء المواد اللازمة لإجراء التحليلات المرضية وبدل ايجار أماكن المختبرات، فالمسألة ليست كما يتصور المريض ان صاحب المختبر لا يخسر أي شيء وانه يستغل المريض فبعض المواد والأدوات اللازمة لإنجاح التحليل مكلفة جدا، وان وزارة الصحة ومديرية صحة نينوى والجهات الحكومية لا تدعم المختبرات الخارجية وهذا بالتالي يؤثر على المريض".

تقارير طبية اشارت انه لا يوجد سوى أقل من ألف سرير في مشافي الموصل لـ 1.8 مليون نسمة، وهي نسبة تقل عن نصف الحد الأدنى المقرر عالميا لتقديم الرعاية الصحية في سياق إنساني.

نقيب أطباء العراق الدكتور عبد الأمير الشمري، أكد ان في وقت سابق ان صلاحية تحديد اسعار الادوية في الصيدليات وكشفية العيادات الخاصة للأطباء تقع ضمن صلاحيات النقابات، مبينا ان "نقابة الأطباء حددت اسعار كشفية الاطباء في عياداتهم الخاصة من 10 الاف الى 15 ألف دينار للطبيب الممارس، ومن 20 - 25 للطبيب الاخصائي، والطبيب الاستشاري وهم قلة من 35-40 ألف دينار".

 الطبية 4
ادوات طبية تستخدم في اجراء العمليات الجراحية للمرضى في الموصل

"الطب في الموصل بات تجارة والأطباء كانت مهنتهم تمثل الانسانية المطلقة، غير انها وفي الوقت الحاضر، اصبحت تجارة هدفها استحصال المال من المواطن المريض، بأي طريقة حتى وان كانت على حساب انسانية الطبيب الذين باتوا لا يراعون أحوال المرضى وواقعهم الاقتصادي المزري بعد الحرب" يقول ذلك المواطن مروان عبد العظيم.

يوضح في حديث الى (كركوك ناو)، ان" اقل اجر يتحصل عليه الطبيب في الموصل هو 20 ألف دينار واعلى اجر يتحصل عليه يتراوح ما بين 45- 50 ألف دينار، وان جدول هذه الأجور يعتمد على سمعة الطبيب وخبرته لا شيء اخر فالكثير من الاطباء يهمهم جمع المال والتنافس ماديا فيما بينهم، موهمين المرضى بان الطبيب صاحب الكشفية الاغلى هو الأفضل، غير ابهين ومهتمين لمظهر عيادتهم الرثة والمتهالكة طالما ان اسمائهم بات مشهورة ومعروفة".

ويشير الى ان المرضى الذين لا يستطيعون تأمين مبلغ مالي لمراجعة الطبيب عليه ان يتحمل سوء الخدمات الصحية في المشافي الحكومية التي اغلبها لا تمتلك قدرات لمساعدة المراجعين.

(كركوك ناو) تجول بين العيادات الخارجية في الموصل واستمع من المرضى الى عشرات القصص عن ارتفاع أجور كشف الأطباء والتحليلات المرضية والدواء، الذين عبروا عن امتعاضهم من عدم وجود حلول لهذه المشكلة.

 الطبية في الموصل 3
احدى العيادات الطبية الخارجية في الموصل، تصوير: كركوك ناو

(كركوك ناو) التقى بالدكتورة سما العبيدي التي اشارت الى ان اغلب الاطباء تحولوا تجارا وسلعتهم المواطن المريض، وان السبب نقابة الأطباء العراقيين وحكومة نينوى المحلية والحكومة المركزية.

وقالت، انه" لا يوجد قانون يلزم الطبيب بتحديد اجرة كشفه على المريض ويلزم المختبر الطبي بتحديد سعر تحليلاته وكذلك أصحاب الصيدليات الذين يتمادون في بيع الدواء دون أي إحساس بالمريض، وهنا يجب على الجهات المسؤولة العمل وإصدار قرارا يقضي بتحديد أسعار الكشف والتحليل والدواء ومن يخالف تفرض عليه عقوبات صارمة".

نقابة الاطباء العراقيين فرع نينوى رفضت الادلاء بتصريح الى (كركوك ناو) عن الامر بحجة انها غير مخولة للحديث الى وسائل الاعلام.

نينوى وحسب إحصائية رسمية صادرة عن مدير دائرة صحة نينوى الاسبق فلاح الطائي كانت تحتوي على 6 مراكز طبية متخصصة و16 مشفى حكوميا بسعة 4600 سرير قبل سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية ("داعش") لها في يونيو/حزيران 2014، لكن عدد الأسرة انخفض بعد الحرب إلى 1700 سرير مخصصة لـ3.7 ملايين مواطن، هم قوام سكان المحافظة.

"الأطباء في الموصل لا يكتفون باجور كشفيتهم العالية انما وصفتهم العلاجية لا يمكن فك رموزها الا صاحب الصيدلية الذي دائما ما يتواجد تحت عيادة الدكتور، وان أي صاحب صيدلية ان استطاع فك رموز الوصفة العلاجية يقول ان الدواء لا يوجد لديه، وهذا يكشف ان هناك اتفاق مسبق بين الطبيب وصاحب الصيدلية" تقول ذلك المريضة هيام سلام 37 عاما.

توضح في حديث صحافي الى (كركوك ناو)، ان" الموصل تعاني من واقع صحي متدهور للغاية وان الأطباء الخارجيين كل هم استغلال المريض دون شعور بالمسؤولية وعلى الجهات الحكومية وضع حدا لأطماعهم".

سالم يحيى عثمان مدير صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية فرع نينوى قال خلال حديث صحافي خاص مع (كركوك ناو) في 2019-11-15، ان" مبلغ المنحة الكويتية المخصصة للقطاع الصحي في نينوى هو 1,611,347,000 لثلاثة مراكز صحية ومختبر للصحة العامة في مدينة الموصل وقضاء سنجار غربي المحافظة.

الكويت احتضنت في شباط -فبراير 2018 مؤتمر إعمار العراق بمشاركة المئات من كبريات الشركات والمنظمات الدولية والمؤسسات المالية العالمية، وخصصت عبره الدول المانحة إسهامات بقيمة 30 مليار دولار لإعادة الإعمار والبناء.

 2-8
مرضى في اروقة المشفى الحكومي بانتظار الحصول على العلاج، تصوير: ارشيف كركوك ناو

الدكتور كريم وصفي العزاوي يرى ان سبب ارتفاع أجور الأطباء والدواء والتحليلات المرضية في الموصل يعود إضافة لغياب الرقابة الى تضرر المنشآت الصحية بشكل شبه تام.

يقول العزاوي في حديث الى (كركوك ناو)، ان" المنشآت الصحية الواقعة في الجانب الأيمن غربي مدينة الموصل تضررت بشكل كبير، إذ خرج المجمع الطبي الحكومي الذي يضم مشافي "ابن سينا والأورام والبتول والجمهوري" بالكامل عن الخدمة، ولم يتبق في المنطقة سوى مستشفى الموصل العام الذي ظل يعمل منذ تحرير المدينة حتى الآن، رغم أنه لم يسلم من آثار العمليات العسكرية، لكن نسبة الأضرار لم تتجاوز الـ 40%".

ولفت الى ان نينوى بشكل عام تفتقر الى نظام طبي وان جميع المرضى من القرى والنواحي والاقضية باتوا يقصدون الموصل التي في الأصل هي منهكة لطلب العلاج وهذا أدى الى ارتفاع أسعار الأطباء وكل شي متعلق بعملهم.

البنى التحتية الصحية في الموصل تعرضت لدمار كبير على مدى 3 سنوات من القتال بين القوات العراقية وتنظيم الدولة "داعش" الذي فرض سيطرته على ثلث مساحة العراق منتصف عام 2014، قبل استعادتها من التنظيم نهاية 2017.

 الاطباء3
شارع الاطباء في الموصل الذي مازال متضررا جراء الحرب الاخيرة

ارتفاع أجور الأطباء لم يقتصر على الامراض المستعصية انما شمل جميع ما يعاني منه المريض، فالمريضة هبة كرم 27 عاما تشكو ارتفاع تكلفة علاج الأسنان في القطاع الخاص، لتصل الى مليونين ونصف المليون دينار عراقي.

تقول هبة كرم الى (كركوك ناو) ان" ان القطاع الصحي العام في الموصل يخلو بشكل تام من العلاجات اللازمة لمرضى الاسنان، وان جميع الخدمات التي يمكن ان يقدمها الأطباء بهذا الشأن تقتصر على القلع السن حتى وان كان يعاني من ابسط أنواع الالتهابات".

توضح هبة انها راجعت أطباء الاسنان كثر في القطاع الخاص بالموصل طلبا لزراعة أربعة أسنان، وقليل من العظم لتقوية الفك الحامل للأسنان المزروعة، وتركيب مادة (زيراكون) لها، وسحب عصب لسنين آخرين، ما كلفها بحدود 21 ورقة فئة مائة دولار امريكي.

تذكر هبة، انه" خلال مراجعة الاطباء، اكتشفت أن علاج الأسنان في الموصل" تجارة"، اذ أخبرها بعض الأطباء بوجود طبيب آخر في عيادة أخرى سيشاركه العمل على علاجها، لتكتشف انهم يقومون بذلك لمضاعفة السعر على المريض".

الرقابة على عيادات الاطباء والصيدليات والتي تتباين اسعار الادوية فيها بفروقات كبيرة بين مكان وأخر، رغم انها تبيع الدواء نفسه ومن نفس المنشأ، مطلب يجمع عليه سكان الموصل لتحقيقه من قبل الجهات المسؤولة.

 الاسنان في الموصل
احدى عيادات معالجة الاسنان في الموصل
  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT