قبيل أحداث السادس عشر من اكتوبر 2017، دفع أحد الشارين مبلغ 50 مليون دينار عراقي لنهاد هادي لكي يبيعه منزله الواقع في حي سرجنار بكركوك و الذي تبلغ مساحته 150 مترا. و لكن نهاد كان يؤمن بأن منزله يساوي أكثر من ذلك المبلغ المدفوع و رفض كل العروض المقدمة له حينها.
تغير الوضع و انقلبت الأمور. اليوم يبحث نهاد بنفسه عن شارين لمنزله و قد علق لافتة "الدار للبيع" على جدار منزله الذي يدفعون مقابله الآن نصف المبلغ السابق.
نادرا ما يصدف أن تمر في أحد الأحياء الكوردية في كركوك دون أن تقع عيناك على لافتات كالتي على جدار منزل نهاد. مكاتب بيع و شراء العقارات مكتظة بأرقام و عناوين هذه المنازل المعروضة للبيع و لكن هناك قلة ممن ينوون شراءها.
نهاد هادي عاد من أربيل الى كركوك بعد سقوط النظام البعثي في العراق، و هو الآن ينوي أن يغادر مدينته و ينتقل الى مدينة جمجمال.
"لا أشعر بالسعادة في هذة المدينة، لا حياة هنا، الخوف و الموت يطاردنا. أريد أن أبيع منزلي و أترك هذا المكان."
"لا أشعر بالسعادة في هذة المدينة، لا حياة هنا، الخوف و الموت يطاردنا. أريد أن أبيع منزلي و أترك هذا المكان."
عرض البيوت و الممتلكات للبيع من قبل الكورد في كركوك، و الذي نتج عنه انهيار في أسعار العقارات، بدأ مباشرة بعد أحداث 16 اكتوبر 2017، حين عادت القوات العراقية للمحافظة، و في غضون اسبوع غادرت مئات العوائل المحافظة متجهة نحو مدن اقليم كردستان.
يقول نهاد " كل يوم يخلقون لنا مشكلة جديدة... ها هم الآن يحرمون أحياءنا من أبسط الخدمات بحجة ان منازلنا بنيت على أراض متجاوز عليها."
بحسب متابعات (كركوك ناو) توجد منازل معروضة للبيع في أغلب أحياء كركوك، هناك أزقة توجد فيها ما لا يقل عن خمسة منازل معروضة للبيع.
محمد عثمان، من سكنة حي باروتخانة في كركوك، يقول " أنوي بيع منزلي لأنه قبل أحداث السادس عشر من اكتوبر كنت اؤجره بمبلغ جيد و لكنني لا أجد أي مستأجرين حاليا."
أغلبية المنازل المعروضة للبيع تعود ملكيتها للكورد، فيما انخفضت أسعار العقارات مقارنة بما قبل أحداث 16 اكتوبر الى حوالي نصف قيمتها السابقة، و مع ذلك لا يوجد اقبال على شرائها.
ستار جباري، و هو خطاط يسكن حي رحيماوا، تحدث ل(كركوك ناو) قائلا " يوميا تصلني ما بين 7 الى 10 طلبات لاعداد لافتات خاصة ببيع المنازل، في حين كنت أكتب لافتة واحدة فقط خلال اسبوع قبل أحداث 16 اكتوبر.
"جميع الذين يأتونني هم من الكورد، غالبا ما أسألهم عن سبب بيعهم لمنازلهم فيقولون أن الوضع هنا لا يطاق"، يقول ستار.
رغم ذلك، هناك العديد ممن يعتقدون أن الوضع ليس سيئا في كركوك الى درجة أن يضطر الناس الى بيع أملاكهم بمبالغ زهيدة.
حملات المداهمة و التفتيش موجودة في كل حي من أحياء كركوك، لا توجد انفجارات و الناس مشغولون بأعمالهم، فلم يبيعون منازلهم بثمن بخس.
هيوا محمد (37 سنة)، صاحب محل عطارة في كركوك، يقول "قسم كبير من اولئك الذين يغادرون كركوك يعملون لصالح الأحزاب و يداومون في السليمانية أو أربيل، يريدون أن يوظفوا الاموال التي يستحصلونها من بيع منازلهم لشراء أخرى في مدن الاقليم، و هناك قسم آخر ممن كانوا فيما مضى أصحاب سلطة و نفوذ هنا و قد جردوا منها، لذا يغادرون كركوك."
ويضيف "حملات المداهمة و التفتيش موجودة في كل حي من أحياء كركوك، لا توجد انفجارات و الناس مشغولون بأعمالهم، فلم يبيعون منازلهم بثمن بخس".
بيوند عاصي، صاحب مكتب لبيع و شراء العقارات، يعج محله يوميا بأشخاص يقصدونه لعرض منازلهم و أراضيهم للبيع، و لكن قلة هم من يقصدون مكتبه بغرض الشراء.
"بعض الذين يأتون هنا لبيع عقاراتهم ينوون أن يشتروا بثمنها منازل أخرى، فيما ينوي بعضهم الآخر مغادرة كركوك نهائيا.... الاقبال الكبير على بيع العقارات أدى الى انخفاض قيمتها الى نصف ما كانت عليه من قبل"، بحسب ما يقول عاصي.
الخوف من ازالة منازلهم أو الحجز على أملاكهم لافتقارها الى عقود تمليك رسمية، عامل آخر وراء زيادة الاقبال على بيع العقارات.
ويشير أصحاب مكاتب بيع و شراء العقارات الى أن أغلبية الذين يعرضون عقاراتهم للبيع هم من الكورد فيما ان الغالبية العظمى من الشارين هم من العرب أو التركمان.
وكانت الحكومة العراقية قد قررت تمليك المنازل التي شيدت على أراضي مملوكة للدولة و ذلك وفقا لقرار أصدرته في أواخر العام 2019.
وينص القرار على استيفاء مبلغ مقداره 5% من قيمة العقار للحكومة، فيما يقسط الباقي لمدة 20 سنة.
ألماس فاضل، النائبة في البرلمان العراقي ، تحدثت ل(كركوك ناو) "وزارة البلديات بصدد وضع آلية بالتعاون مع ميدريات البلدية للبدء بالاجراءات الخاصة بتمليك العقارات."
يبدو أن هذا القرار لم يثن نهاد عن رأيه. " أنا نستعد لبيع منزلي بثمن بخس... انخفاض أسعار المنازل مؤشر على انخفاض قيمة الحياة هنا."