حادثة مستشفى كركوك زعزعت ثقة المواطنين بالمؤسسات الصحية

تصوير: كلير توماس، برنامج الأمم المتحدة للتنمية في العراق / 2018

ليلى أحمد

"حالما سمعت بأن زوجة أحد المدرسي توفيت في المستشفى بسبب نقص الأوكسجين وأن الشرطة قامت بتكبيل زوجها، قلت لأبنائي دعوني أموت في البيت فهذا أفضل"، هذا ما قالته رمزية عبد الرحمن (58 سنة)، احدى المصابات بفيروس كورونا في كركوك.

رمزية هي واحدة من العديد من المصابين ممن فقدوا ثقتهم بالقطاع الصحي في كركوك، من مجموع 15 مصاباً في أسرتها لم يكن أحد منهم على استعداد للخضوع للفحوص، رغم ظهور أعراض الوباء عليهم.

ظهرت أعراض الاصابة بفيروس كورونا على رمزية في 13 تموز 2020، وتمثلت بالحُمى، الصداع، ضيق التنفس والاسهال، وصادف ذلك نفس اليوم الذي نشر فيه مقطع فيديو يظهر فيه المدرس محمد جباري مقيداً الى سرير زوجته المصابة بكورونا في مستشفى كركوك العام، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام ناظريه.

هذه الحادثة جعلت رمزية وأبناءها يقررون عدم الذهاب "قطعياً" الى المستشفى والبقاء في البيت.

حول ذلك تقول رمزية "عندما رأيت المدرس مكبلاً وزوجته تموت أمام عينيه بسبب نقص الأوكسجين شعرت بالذعر، تملَّكَني خوف شديد واقشعر بدني، أحسست أن يوم القيامة قد جاء، قلت في نفسي ها قد جاء اليوم الذي لن ينجو فيه أحد منا."

coronakirkuk

كركوك/ أيار 2020 / مستشفى خاص باستقبال وعلاج مصابي كورونا   تصوير: اعلام دائرة الصحة

تكبيل محمد جباري ووفاة زوجته كانت له ردود فعل واسعة في شبكات لتواصل الاجتماعي والشارع الكركوكي، الأمر الذي أدى الى ارسال لجنة تحقيقية الى كركوك، وتم اعتقال ثلاثة من أفراد الشرطة بشأن القضية.

محمد جباري دخل في مشادة مع العاملين في المستشفى بسبب عدم توفير الأوكسجين لزوجته المريضة، وأثناء نوبة غضب قام بتحطيم أحدى اجهزة التنفس الاصطناعي، "على اثر ذلك، أبلغت ادارة المستشفى الشرطة وقاموا بتكبيلي الى سرير زوجتي"، حسبما قال محمد جباري لـ(كركوك ناو)، وهذه هي خُلاصة القصة التي انتهت بوفاة زوجته.

حول الحادثة اتهم محمد جباري المشرفين على مستشفى كركوك العام بعدم اسعاف زوجته حينما كانت بحاجة للأوكسجين، وهوما أدى الى وفاتها.

هذه القضية جعلت رمزية تفقد ثقتها بالقطاع الصحي في كركوك.

وضعي الصحي كان متدهوراً جداً، لكنني آثرت البقاء في البيت وأخذت بعض الأدوية من الصيدلية

"وضعي الصحي كان متدهوراً جداً، لكنني آثرت البقاء في البيت وأخذت بعض الأدوية من الصيدلية... أصيب خمسة عشر شخصاً آخراً في أسرتي بالفيروس لكن لم يذهب أي منهم الى المستشفى". وتابعت رمزية، "أصيبت احدى اخواتي وابنتها بكورونا قبلي وذهبن الى المستشفى، هنّ أيضاَ اشتكين من الأوضاع داخل المستشفى."

هيمن خدر (24 سنة) شاب من كركوك، ظهرت معظم اعراض الاصابة بالفيروس على والد هيمن من ضمنها الحمى، الصداع والاسهال. يقول هيمن "ظهرت عليه هذه الأعراض منذ عشرة أيام وقرر أن يحجر نفسه في المنزل."

حول سبب عدم نقله للمستشفى واخضاعه للفحوص المختبرية قال هيمن "منذ ذلك اليوم الذي شاهدنا ما حصل مع محمد جباري، فقدنا ثقتنا بالمستشفيات، ما الذي يضمن أننا لن نلقى نفس تلك المعاملة."

سامان يابه، مدير اعلام دائرة صحة كركوك أكد من جانبه على أن عددا كبيراً من المصابين يرفضون الذهاب للمستشفى واجراء الفحوص، معتبراً ذلك خطراً كبيراً.

وقال سامان لـ(كركوك ناو) "الخدمات المقدمة في المستشفيات جيدة، لكن قضية محمد جباري والأخبار المفبركة حول عدم توفر قناني الأوكسجين أصابت الناس بالذعر، بعضهم يفضلون الموت في منازلهم على الذهاب الى المستشفى."

واشار سامان يابه الى أن أغلب حالات الوفيات حدثت في المنازل وليس في المستشفيات، قائلاً "المصابون الذين حالتهم الصحية ليست خطيرة بإمكانهم المكوث في منازلهم وتلقي العلاج، لكن الحالات الخطيرة تستوجب مراجعة المستشفى."

وأضاف بأنهم شَكَّلوا ما يقرب من 10 مجموعات تقوم بزيارة المنازل والأحياء لتقديم العلاج لمصابي كورونا.

corona-kirkuk-4

كركوك/ 2020 / الفرق الصحية تجري الفحوصات الخاصة بفيروس كورونا للمواطنين   تصوير: كركوك ناو

محمد أكرم (42 سنة)، صاحب محل وهو أحد مصابي كورونا في كركوك قال لـ(كركوك ناو) "في البداية ظننت أنها انفلونزا عادية، لكن الأمر استغرق عدة أيام وأُصيبت زوجتي وأولادي، أُصِبتُ بضيق في التنفس وخارت قواي، عند ذلك علِمتُ بأنني مصاب بكورونا."

زوجة وأطفال محمد، كما يقول، "تدهورت صحتهم كثيراً"، بعدها، يقول محمد، "خِفتُ كثيراً ولم أجرؤ على الذهاب الى المستشفى، لأنني كنت قد سمعت بعض الناس يتحدثون عن عدم توفر الأوكسجين وتردي الخدمات، لذا مكثنا في البيت لمدة 23 يوماً الى أن تعافينا من الفيروس."

كما أصيب والدا محمد بكورونا، والدته المصابة بداء السكري أقلقت بال محمد كثيراً، لكنه يقول "رغم ذلك لم أكن أثق بالمستشفيات لكي آخذها هناك، حالات الوفاة المسجلة في المستشفيات ازدادت، المكوث في الحجر الصحي لمدة 14 يوماً داخل مستشفى لا تتوفر فيه الخدمات اللازمة أمر صعب جداً."

مصانع تعبئة الأوكسجين في كركوك توقفت عن العمل مرتين خلال شهر واحد فقط.

يقول محمد، حينما كانوا يتحدثون عن عدم توفر الأوكسجين كنا نشعر بإحباط أكبر.... باعتقادي عدد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا يفضلون البقاء في بيوتهم أكبر من الأرقام المعلنة."

باعتقادي عدد الأشخاص المصابين بفيروس كورونا يفضلون البقاء في بيوتهم أكبر من الأرقام المعلنة

بحسب احصائيات وزارة الصحة العراقية، تم تسجيل أربعة آلاف و333 حالة اصابة في كركوك لغاية 29 تموز 2020، تماثل ألفان و472 شخصاً للشفاء، فيما تسبب الفيروس بوفاة 227 شخصاً.

عائلة محمد وعائلة رمزية من ضمن العديد ممن لم يخضعوا للفحوص في المستشفيات، لذا فهم ليسوا ضمن تلك الإحصائية.

رمزية، التي مضى على اصابتها أكثر من 16 يوماً وصحتها في تحسن لا تزال تعتقد بأن هناك تقصيراً في مستشفيات كركوك مستشهدة بقضية محمد جباري وما سمعته من شقيقتها.

غير أن مدير اعلام دائرة صحة كركوك أكد على توفر قناني الأوكسجين والأدوية الضرورية في المستشفيات وطمأن المواطنين بأنهم سيلقون معاملة ممتازة في المستشفيات اذا اصيبوا بفيروس كورونا.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT