كان سيد خليل قد نام للتو حين فزع فجأة على صوت رنين هاتفه النقال، المتحدث كان ابنة اخيه جيمن، و هي تقول بصوت اختلط بين الخوف و البكاء، "انجدنا يا عمي، أبادونا جميعاً."
انقطع الاتصال فجأة، نهض سيد خليل من فراشه بسرعة و اتجه نحو القرية المجاورة حيث بيت ابنة أخيه، يتبعه أبناؤه الأربعة.
المسافة بين منزل سيد خليل و منزل ابنة أخيه، جيمن، أقل من كيلومتر و نصف.
"عندما وصلنا رأينا أن ابن أخي صفا و صهرنا سيد شهاب كانا قد استُشهِدا، كانت جثثهم ملقاة على الأرض، فيما أصيب اثنان من أبناء سيد شهاب (علي و محمد) بجروح"، حسبما رواه سيد خليل ابراهيم لـ(كركوك ناو).
سيد شهاب و صفا هما زوج و شقيق جيمن.
عندما وصلنا رأينا أن ابن أخي صفا و صهرنا سيد شهاب كانا قد استُشهِدا
كانت أصوات الاطلاقات النارية لا تزال تُسمَع، يقوم سيد خليل و أبناؤه بنقل القتلى و الجرحى الى المستشفى، بصحبة النساء و الأطفال.
الحادث وقع في السعة العاشرة و النصف من ليلة 13 حزيران 2020، في قرية دارا الواقعة في منطقة ميخاس، على بعد أربعة كيلومترات من مركز قضاء خانقين.
في يوم الجمعة، 24 تموز، فارق (محمد)، أحد أبناء شهاب المصابين، الحياة في احدى مستشفيات أربيل، حيث كان مع شقيقه يتلقيان العلاج.
الهجوم المسلح الذي استهدف قرية دارا، و التي لم يتأكد أهاليها بعد فيما ان كانت نُفِّذت من قبل تنظيم داعش أو جماعة مسلحة أخرى، استمر حتى وقت متأخر من الليل.
هذه المنطقة الشاسعة التي تُعرَف بميخاس، تتألف من أربعة قرى يسكنها الكاكائيون، من ضمنها دارا، ميخاس و ملا رحمن.
يقع منزل سيد خليل في قرية ميخاس، في ليلة الحادث توجهوا من هناك الى قرية دارا المجاورة، و التي يقع فيها منزل ابنة اخته جيمن و زوجها سيد شهاب.
"في طريقنا الى المستشفى، أصيب أحد ابنائي برصاصة قناص، بعد ذلك تمكن من الوصول الى بساتين القرية و لجأ الى احدى المنازل لكي لا يُقتَل،" حسبما قال سيد خليل.
ابن سيد خليل المصاب لجأ الى منزل بقرية دارا، رغم أنهم لم يساعدوه خوفاً من الجماعات المسلحة، الا أنهم لم يكشفوا مخبأه، تمكَّن بعد جهد من الوصول الى درج المنزل و تحصن في موقع يطلّ على باحة البيت لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه اذا ما اكتشف المسلحون مكانه.
معظم أهالي تلك القرى يمتلكون الأسلحة و يتولون على عاتقهم مهمة حماية أرواحهم.
سكان المنزل الذي لجأ اليه ابن سيد خليل، أخلوا المكان خوفاً على حياتهم، يجد ابن سيد خليل هاتفاً نقالاً و يتصل بشقيقه لكي يأتوا لنجدته.
"بعد مدة قصيرة توجهنا برفقة عربة عسكرية الى القرية و أنقذت ابني"، كما يقول سيد خليل.
بعد مدة قصيرة توجهنا برفقة عربة عسكرية الى القرية و أنقذت ابني
الهجوم المسلح أسفر عن مقتل ثمانية اشخاص، بينهم زوج و شقيق و أحد أبناء جيمن، ابنة أخ سيد خليل، فيما اصيب خمسة آخرون بجروح.
المواجهات المسلحة التي حدثت في تلك الليلة احتدمت أكثر بعد وصول مسلحين من أبناء المنطقة و القوات الأمنية.
القتلى الثمانية ضم ثلاثة من سكان القرية، بالإضافة الى شرطي و جندي عراقي، و الجرحى كانوا من المدنيين و العسكريين.
يقول آلان هادي، أحد الذين شهدوا أحداث الهجوم على قرية دارا بأنه الأهالي هبوا لنجدتهم حالما سمعوا أصوات الصرخات و البكاء، أثناء ذلك لقي ثلاثة من أهالي القرية مصرعهم برصاص الجماعات المسلحة، بينهم شقيقان بأسماء طارق و غسان.
منزل سيد شهاب يقع بجوار منزل شقيق زوجته، صفا، المنزلان في منطقة نائية و لا توجد منازل أخرى قريبة منهم.
أغلب ضحايا الحادث كانوا قد أصيبوا برصاص القناصة.
بعد الحادث، توقفت الحياة نسبياً في منطقة ميخاس، و هي تشهد حالة من الخمود، أطفالهم و نساؤهم يخافون الخروج من البيت.
منذ ليلة الحادث، لم تعد جيمن، ابنة أخ سيد خليل الى منزلها، كانت تزور أربيل مراراً لأن ابنيها، الذي توفي أحدهما يوم الجمعة، 24 تموز، كانا يتلقيان العلاج هناك.
رجال و شبان قرية ميخاس يتولون مهمة حراسة مناطقهم ليلاً و نهاراً.
عسكر دارا، مختار قرية دارا، قال لـ(كركوك ناو) "الحادث بث الرعب و القلق بين الناس، نقوم بحماية أنفسنا خلال الليل."
الحادث بث الرعب و القلق بين الناس، نقوم بحماية أنفسنا خلال الليل
و كانت قوة من مغاوير الجيش العراقي قد وصلت الى قرى منطقة ميخاس و تعهدت بحماية قرى الكاكائيين عن طريق نصب نقاط مرابطة في المنطقة.
"كل ما نريده هو الأمان و الاستقرار، لأن هذه الأوضاع أرهقتنا و حان الوقت لإيجاد حل جذري لمعضلتنا"، يقول عسكر دارا.
في شهر أيار الماضي، داهم عدد من المسلحين أراضي زراعية تابعة لإحدى عوائل ميخاس، و أسفر الهجوم عن مقتل مواطنين اثنين و احتراق محاصيلهم الزراعية و مكائنهم الزراعية.
أكرم حاتم، مختار قرية ميخاس قال لـ(كركوك ناو) "في تلك الحادثة استشهد شقيقي و أحد أقربائي، بسبب الهجمات الارهابية استشهد 12 شخصاً في ميخاس وحدها، عيون الناس هنا ساهرة في الليل و يجب أن يحموا أنفسهم بأنفسهم."
أكثر من 30 عائلة في القرى الكاكائية الواقعة في منطقة ميخاس تشردت من منازلها بسبب المخاوف الأمنية، و ذلك حسب احصائية أدلى بها مختار المنطقة لـ(كركوك ناو).
خلال الشهر الماضي، انطلقت عمليتان عسكريتان واسعتان للقوات الأمنية العراقية بالتعاون مع قوات من اقليم كوردستان في مناطق مختلفة من خانقين و ديالى، لكنها لم تضع حداً لأعمال العنف.
منذ تلك الليلة التي ناشدت فيه جيمن عمها لنجدتهم، تعرضت العديد من العوائل الأخرى للهجمات المسلحة دون أن تذهب أية جهة أمنية لنجدتهم.
"طلبنا من القوات الأمنية حمايتنا أكثر من مرة، لكن ليس من مجيب، يطلبون منا أن نبقى في قرانا و نحمل السلاح لندافع به عن أنفسنا"، حسبما قال سيد خليل ابراهيم.