جاءت غريبا الى الدنيا بعد هجوم تنظيم داعش على سنجار بشهرين، رغبتها بمعرفة مصير والدها وأشقائها الذين اختطفهم التنظيم جعلتها تحط رحالها مع والدتها في بغداد.
بعد أن قطعتا طريقاً طويلاً من دهوك صوب بغداد، وصلت غريبا مع والدتها الى مبنى رئاسة الوزراء العراقية، ممسكةً بيد والدتها، ودخلت مع عدد من المواطنين الى غرفة الاستقبال، في خضم ذلك، وقعت عينا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على غريبا .
الكاظمي ترك جميع الحاضرين ونادى غريبا، بعد أن أخذها في أحضانه وأجرى محادثة قصيرة معها، اقترح عليها أن تجلس في مكانه، على كرسي رئيس الوزراء.
طوال اللقاء الذي استغرق حوالي نصف ساعة، ظلت غريبا جالسة على ذلك الكرسي، بينما كان الكاظمي يتحدث الى الضيوف جالساً على يسارها.
زيارة غريبا ووالدتها، بصحبة وفد من النازحين والمواطنين الايزيديين، صادفت الثالث من آب 2020، في الذكرى السادسة لهجوم مسلحي تنظيم داعش على قضاء سنجار.
عندما كانت ابنتي جالسة على كرسي رئيس الوزراء شعرت بفرحة كبيرة، لكنني كنت أفكر في والدها
"عندما كانت ابنتي جالسة على كرسي رئيس الوزراء شعرت بفرحة كبيرة، لكنني كنت أفكر في والدها، كنت أُمَنّي النفس بأن يفعل رئيس الوزراء شيئاً ليعيد زوجي وأطفالي الينا"، هذا ما قالته ليلى شمو، والدة غريبا، لـ(كركوك ناو).
ليلى أم لخمسة أطفال ولدان وثلاثة بنات، من ضمنهم غريبا، لكن اثنين من أطفالها وزوجها اختطفوا قبل ست سنوات من قبل تنظيم داعش ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
والطفلة غريبا ويعني اسمها بالعربية "الغريبة" كانت عائلتها تقطن في قرية تل البنات التابعة لقضاء سنجار.
غريبا خيرو هي أصغر ابناء عائلتها، و قد ولدت في تشرين الأول 2014، أي بعد هجمات داعش بشهرين.
"في 8 آب وقعنا في قبضة داعش، كنت حينها حامل بابنتي ، نقلونا الى تلعفر وهناك رزقت بغريبا، حينها كان زوجي لا يزال معي."
بعد ولادة الطفلة، قالت ليلى لزوجها خيرو "افرح، فقد رزقنا بابنة أخرى"، خيرو الذي كان اسيراً في قبضة داعش أجابها قائلاً "يا ليتنا كنا نعرف ماذا سيكون مصيرنا ومصير أطفالنا."
سميتها غريبا، لأننا كنا نشعر بالغربة، لم يعجبني ذلك الاسم لكنه كان انعكاساً للظروف الصعبة التي كنا نعيشها آنذاك
"في نفس ذلك اليوم قرر كل من ليلى وخيرو تسمية مولودتهما الجديدة، "سميتها غريبا، لأننا كنا نشعر بالغربة، لم يعجبني ذلك الاسم لكنه كان انعكاساً للظروف الصعبة التي كنا نعيشها آنذاك"، حسبما أوضحت والدة .
في نيسان 2015، تفرق شمل العائلة، نُقِلَت ليلى وغريبا وابنتهما الأخرى الى مدينة الرقة في سوريا.
"قضينا شهرين في السجن، أراد مسلحو داعش أن يأخذوا ابنتي الأخرى لكنني منعتهم من ذلك، أقنعتهم أن يتركوها معي على أن اعلمها القرآن."
تحررت ليلى مع غريبا واحدى بناتها الأخريات من قبضة داعش في أيلول 2015، وقبل عامين نجا أحد أبنائها من قبضة التنظيم، منذ ذلك الحين يعيش أربعتهم في مخيم خانكي للنازحين في محافظة دهوك.
والد غريبا وابنه البالغ من العمر 11 سنة وابنتهم الأخرى التي يبلغ عمرها 10 سنين باتوا في عداد المفقودين.
مصطفى الكاظمي يطلب من غريبا الجلوس على كرسي رئيس الوزراء
في 3 آب، 2014، هاجم تنظيم داعش قضاء سنجار – الموطن التاريخي للايزيديين غرب الموصل – وتعرض أهالي سنجار لحملات ابادة، خطف وتشريد.
مسلحو التنظيم خطفوا ستة آلاف و417 ايزيدي، بينهم نساء وأطفال، حُرِّرَ حتى اليوم ثلاثة آلاف و530 ايزيدياً، بينهم أكثر من ألف امرأة وألفي طفل من كلا الجنسين، فيما لا يزال ألفان و887 شخصاً في عداد المفقودين، وذلك بحسب احصائيات مكتب تحرير المختطفين الايزيديين التابع لحكومة اقليم كوردستان.
"مجيئنا الى بغداد كان للسعي لمعرفة مصير أحبائنا، أنا لا أفهم اللغة العربية، لكنني علمت بأن رئيس الوزراء تعهد ببذل أقصى جهده لكشف مصير أهالينا"، حسبما قالت ليلى شمو.
وكان بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء قد أكد على أن مصطفى الكاظمي تعهد بجعل مهمة الكشف عن مصير المختطفين الايزيديين قضية دولية.
رئيس الوزراء، أثناء استقبال الضيوف سأل غريبا عن اسمها، لكنها أيضاً لم تكن تعرف اللغة العربية، فساعدها الحضور ثم أخبرته أن اسمها غريبا.
غريبا لم تقل شيئاً أثناء اللقاء، لكنها كانت غالباً ما تفشي ما يجول بداخلها لوالدتها، "قالت لي سأخبر رئيس الوزراء بأنني اشتقت لرؤية أبي، أريد أن يعود حتى أُقَبِّله"، هذا ما قالته والدة غريبا.
ليلى واطفالها الثلاثة يمرون بظروف معيشية صعبة، فهي توفر لقمة العيش عن طريق خياطة الملابس، والتي تأثرت كباقي المهن بتداعيات جائحة كورونا.