من بين أنقاض اليأس و الإحباط الَّذَين ألَمّا بالايزيديين عقب هجمات تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام (داعش)، ظهر عبدالله شريم كمنقذ للنساء و الفتيات القابعات في ظلمة سجون داعش بانتظار لمحة ضوء. عبدالله أنجز الكثير منذ أن بدأ مهمته، حيث تمكن لحد الآن من تحرير 399 امرأة و فتاة من قبضة داعش.
عبدالله عباس خلف (55 سنة) و المعروف بـ(عبدالله شريم) يعرفه ذوو المخطوفين الايزيديين خير المعرفة. المكون الايزيدي تعرض في آب 2014 الى حملات ابادة، خطف و تهجير على يد مسلحي تنظيم داعش، عبدالله نفسه كان أحد ضحايا تلك الكارثة، حيث أعدم التنظيم أربعة من اشقائه رمياً بالرصاص و اختطفوا ستاً من شقيقاته.
خلال اجتياحه قضاء سنجار، اختطف مسلحو داعش ستة آلاف و 417 ايزيدي، أغلبهم نساء و أطفال، نجا لحد الآن ثلاثة آلاف و 530 منهم – أكثر من ألف امرأة و قرابة ألفي طفل من الجنسين -.
عبدالله كان له دور بارز في مهمات الانقاذ، و وظّف كل امكانياته لتحرير المختطفين، و من هناك برز اسمه.
من هو عبدالله؟
عبدالله عباس ايزيدي من أهالي قرية شريم في سنجار، بسب الفقر فشل في اكمال دراسته و درس لغاية الصف السادس الابتدائي. "جميع اخوتي كانوا جنود في الجيش العراقي، لذا اضطررت لترك الدراسة و تأمين لقمة العيش لعائلتي"، و يضيف عبدالله "كنت في الثانية عشرة من عمري حين بدأت العمل في الزراعة و تربية المواشي."
تزوج عبدالله في عام 1991 و له ولدان و بنتان، خلال الفترة بين عامي 2005 و 2012 زاول عبدالله مهنة تجارة العسل بين حدود قضاء سنجار و سوريا، و هو ما أتاح له فرصة توثيق علاقات جيدة مع التجار و أهالي المناطق الحدودية، بعد ذلك قام بتوظيف هذه العلاقات في مهمة انقاذ وتحرير المختطَفين.
"بسبب تجارة العسل عشت في سوريا لعامين، تعرفت على الكثير من الناس في تلك الفترة، من ضمنهم التجار، كما أصبحت ملماً بجغرافيا المنطقة"، حسبما قال عبدالله.
بعد هجوم داعش على سنجار - الموطن التاريخي للايزيديين - انقسمت اسرة عبدالله على رأيين. أشقئه الأربعة و شقيقاته و أعمامه قرروا الذهاب الى سوريا و العودة من هناك باتجاه محافظة دهوك في اقليم كوردستان العراق، لكن عبدالله لم يحبّذ تلك الفكرة و قال بأنه ليس آمناً و لن تكون حياتهم في مأمن.
عبدالله قرر التوجه مع زوجته و أطفاله و والدته الى جبل سنجار و من هناك وصلوا الى مخيم للنازحين في دهوك. لكن أشقاءه و شقيقاته و اقاربه وقعوا في قبضة داعش في طريقهم نحو سوريا.
الخطوة الأولى
في سوريا، أعدم داعش أشقاء عبدالله الأربعة رمياً بالرصاص، كما اختطف شقيقاته، ما حدث سبب ألماً و احباطاً كبيرَين لعبدالله، اسوةً بآلاف العوائل الايزيدية الأخرى. عِوَض الجلوس، قرر هذا الايزيدي المجتهد توظيف امكانياته و علاقاته لإنقاذ من لا زالوا أحياء في سجون داعش.
خطوته الأولى كانت العمل على تحرير ابنة أحد اشقائه التي تدعى مروة و عمرها 22 سنة.
في أحد الأيام تلقيت اتصالاً، انها مروة و هي تتكلم باللغة العربية"، و تابع عبدالله "مروة كانت تشعر بيأس كبير و قد حاولت أن تنتحر، أحد مسلحي داعش زوَّجها لنفسه كرهاً، سألها ماذا تريدين فأجابته قائلةً: عمَي لا زال على قيد الحياة و أريد أن أتحدث اليه."
مروة كانت تشعر بيأس كبير و قد حاولت أن تنتحر، أحد مسلحي داعش زوَّجها لنفسه كرهاً، سألها ماذا تريدين فأجابته قائلةً: عمَي لا زال على قيد الحياة و أريد أن أتحدث اليه
مروة كانت قد حفظت رقم هاتف عمها عبدالله، اتفقت مع المسلح على أن تتكلم في حضوره و باللغة العربية لكي يفهم ما يدور بينهما.
أثناء المكالمة استخدم عبدالله كلمة كوردية واحدة بمعنى "اقفزي"، و اشار عبدالله الى أنه "بعد عدة ايام لجأت مروة لعائلة سورية و اتصلت بي من هناك مرة اخرى، ثم بدأت السعي لإنقاذها."
استخدم عبدالله كل علاقاته مع التجار، جيرانه السابقين في سوريا و زبائنه هناك.
"أحد أصدقائي التجار أخبرني بأن الوحيدين الذين بإمكانهم مساعدتي هم تجار السجائر، عرفوني على احدهم و قلت : اذا كنت تربح 500 دولار من كل شحنة سجائر تنقلها الي سوريا، فسوف أعطيك أربعة اضعاف ذلك المبلغ"، و يضيف عبدالله "وافَقَ و أعطيته عنوان و رقم هاتف تلك العائلة التي كانت تأوي مروة عندها."
العائلة السورية طلبت سبعة آلاف و خمسمائة دولار مقابل تسليم مروة، لأنهم، حسب عبدالله، قالوا بأن جارهم أحد مسلحي داعش، و في حال انكشاف الأمر سوف تتعرض حياتهم للخطر.
"وافقت على ذلك، أوصلت مروة الى المناطق الأمينة و من هناك الى محافظة دهوك داخل العراق، بصورة اجمالية، كلَّفَت محاولة انقاذها تسعة آلاف و 500 دولار.
بعد انقاذ مروة، قرر عبدالله الاستمرار لإنقاذ شقيقاته و غيرهم ممن يستطيع انقاذهم.
تشير احصائيات مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين التابع لحكومة اقليم كوردستان الى أن عدد الايزيديين المختطفين كان ستة آلاف و 417 ايزيدي حين استهل عبدالله خطوته الأولى.
يقطن ايزيديو العراق بكثافة في قضاء سنجار شمال غرب الموصل و سهل نينوى، وفقاً لإحصائيات حكومة الاقليم، كانت أعداد الايزيديين في العراق تُقَدّر بـ 550 ألف شخص، نزح 360 ألفاً منهم بعد هجمات داعش على سنجار، و هاجر أكثر من 100 ألف ايزيدي الى خارج البلاد.
تحرير مروة الذي كان بداية مهمة انقاذ النساء و الفتيات الايزيديات أدى الى أن يكتسب لعبدالله شهرة جعلت من ذوي المختطفين يلجؤون اليه لمساعدتهم.
عبدالله كان تاجراً غنياً، بالأخص قبل مجيء داعش، حيث دأب على نقل السلع و البضائعمن سوريا الى نينوى و تصدير العسل الى سوريا.
"المال كان آخر همَي، هدفي الوحيد كان انقاذ تلك النساء و الفتيات، كنت أخبرهم بالمبلغ الذي يطلبونه لتحرير المختطفين و هم يتولون بأنفسهم تأمين المبلغ المطلوب."
خطة من ثلاث خطوات
عمل عبدالله من ثلاث جهات لإنقاذ المختطفين، استهلها بجمع المعلومات عن المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش.
"في البداية، أنشأت علاقات مع الأشخاص الذين يهرّبون السجائر الى المناطق الواقعة تحت نفوذ داعش، بعدها قمت بشراء ملابس الأطفال و ارسالها عن طريق بعض التجار الذين يتولون نقلها الى منازل مسلحي داعش لجمع المعلومات هناك."
خطوة عبدالله الثالثة كانت، حسبما يقول، تأجير فرن صمون على حسابه لمدة ستة اشهر يؤدي دور مكتب لجمع المعلومات عن النساء و الفتيات عند داعش في المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم.
منزل عبدالله في دهوك بات مكتباً لإنقاذ النساء و الفتيات الايزيديات يعج بالناس، رغم ذلك فإن العمل الذي كان يقوم به عبدالله لم يكن يخلو من المخاطر.
"هددني تنظيم داعش بالقتل عشرات المرات عن طريق الرسائل أو الاتصالات الهاتفية، نشروا اسمي و صورتي في جميع مناطق نفوذهم في سوريا و كانوا على علم بأمري."
حول ذلك قال عبدالله "أخبروني بأنني يجب أن أتخلى عن انقاذ المختطفين الايزيديين، و الا فانهم سيعتقلونني و يقتلونني... لم تكن لتلك التهديدات أي أهمية عندي، جلّ همي كان فقط انقاذ المختطفين."
أخبروني بأنني يجب أن أتخلى عن انقاذ المختطفين الايزيديين، و الا فانهم سيعتقلونني و يقتلونني
اضافةً الى اعدام اشقائه و خطف شقيقاته و معاملتهن كسبايا، وقع أكثر من 50 شخصاً من ذويه و اقاربه في قبضة داعش.
"تمكنت بجهودي الخاصة من تحرير شقيقاتي الست، و نحن حالياً نعيش معاً... لم أفرّق ابداً بين شقيقاتي و المختطفات الأخريات."
يقول عبدالله "ما أقوم به ليس لأجل المال و لم أكسب ديناراً واحدا، بالنسبة لي، انقاذ المختطفين الايزيديين يعادل الدنيا و ما فيها، حرّرتُ عشرة من المختطفين على نفقتي الخاصة."
اجمالياً، تمكن عبدالله لحد اليوم من تحرير 399 مختطفاً ايزيديا، لا يزال على اتصال مع معظمهم، و هم في المقابل يعتبرونه كأبً لهم.
"قبل فترة طلبت احدى الفتيات اللاتي أنقذتهن من الأسر، و هي الآن في المانيا، رأيي في مسألة زواجها"، و اضاف عبدالله "سعادة تلك الفتاة أغلى من كل كنوز العالم."