الخنجر الذي يلازم جنب العم عزيز ورثه عن أجداده و ظل محتفظاً به طوال ما يقرب من نصف قرن، و من هذا جاءه لقب "أبو خنجر".
العم عزيز رجل ضخم الجثة، له شارب كثيف داكن السواد، يرتدي أغلب الأوقات الزي التقليدي الكوردي و يثبت خنجره داخل حزامه العريض المصنوع من القماش.
مقبض الخنجر ملفوف بمسبحة مصنوعة من حبات شجرة "القزوان" البنية.
عمر هذا الخنجر يقرب من 200 سنة، توارثته الأجيال المتعاقبة الى أن وصلت للعم عزيز و الذي بدوره سيهب تلك الأمانة الى شخص آخر بعده وفق عدد من الشروط.
"هذا الخنجر بحوزتي منذ 45 سنة، لا أعرف لمن ستكون بعدي، لأنني ليس لي ذرية"، هذا ما قاله العم عزيز لـ(كركوك ناو).
هذا الخنجر بحوزتي منذ 45 سنة
يقول العم عزيز بأن الشخص الذي سيُمنَح الخنجر يجب أن تتوفر فيه شروط خاصة، أهمها الحفاظ عليه و حمله معه اينما كان دون خوف.
العم عزيز ملتزم بهذه الشروط، فهو لا ينسى ابداً أخذ خنجره معه أينما ذهب، الخنجر أصبح هويته التي يُعرَف بها بين الناس.
"أبو خنجر"، اسمه الكامل هو عبدالعزيز محمد الكاكائي، عمره 63 سنة و هو من السكنة الأصليين لقرية طوبزاوة في قضاء داقوق جنوبي محافظة كركوك و مختار القرية ايضاً، العم عزيز شخصية اجتماعية و محبوبة بين الناس.
بسبب منزلته الاجتماعية، يقضي "أبو خنجر" معظم أوقاته في عصر الكورونا يحث المواطنين على الالتزام بالتعليمات الوقائية.
"طلبنا من الأهالي داخل القرية و المناطق المحيطة وقاية أنفسهم من كورونا و مراجعة المركز الصحي في حال ظهور أعراض المرض عليهم."
فترة الحجر المنزلي و حظر التجوال المفروض بسبب كورونا كان لها تأثير سلبي على "أبو خنجر" كذلك، فلم تكن الزراعة مربحة له مثل السنوات الماضية بسبب صعوبة وصول محاصيلهم الى المدن والمناطق الأخرى.
"فشلنا في بيع معظم محاصيلنا و قررنا توزيعها على أهالي القرية."
الى جانب الزراعة، يتولى "أبو خنجر" تربية المواشي، الكثيرون ممن تضرروا بسبب كورونا لعدم تمكنهم من تسويق منتجات الحليب، يعملون الآن عند "أبو خنجر".
الكثيرون من مربي المواشي تضرروا بسبب كورونا لعدم تمكنهم من تسويق منتجاتهم
"لم يكن أحد يشتري اللبن... لذا حوَلنا معظم منتجاتنا الى الدهن الحر الذي يستخدم بصورة واسعة خلال الشتاء."
بخلاف السابق، قلَّما يخرج "أبو خنجر" الآن للتجول و زيارة الأماكن، وهو ما يتنافى مع طبيعته.
"قمنا بوقاية أنفسنا لكن الأجواء في القرية و الأرياف نقية وليست مثل المدينة، لهذا فإن المخاطر هنا أقل."
نادراً ما يفَوّت "أبو خنجر" على نفسه حضور المناسبات الاجتماعية، السياسية و الأمنية في داقوق.
"يستدعونني للصلح العشائري أو في حال نشوء نزاعات عشائرية لكي نحلّ النزاعات عن طريق الحوار."
يتمتع بعلاقة متينة مع القوات الأمنية في المنطقة "هم يحترموننا و نحن نُكنّ لهم بالتقدير."
"علاقاتنا متينة لدرجة أنهم لا يوقفونني بتاتاً في نقاط التفتيش أثناء تنقلي بين قرية طوبزاوة و زنقر و القرى الأخرى."
الخنجر الذي يحمل العم عزيز يدعى قزوين و هو مصنوع في ايران، أُرسٍلَت في وقتها كهدية الى جده الأكبر و احتفظوا بها لحد الآن.
"أنظف الخنجر بين الحين و الآخر، أعتني به كثيراً لكي لا يصدأ و يحتفظ بجماله."
العم عزيز متزوج و رُزِق بطفلين لكن لم تُكتَب لهم الحياة "رزقنا الله بولدين وهو الذي توفّاهم بنفسه"، لكنه يقول بأنه لم يشعر أبداً أنه محروم من نعمة الأطفال بسبب "التقدير و الاحترام الكبير" الذي يكنه الناس له.
في الوقت الحاضر ليس للعم عيز من يخلفه في مهمة حمل خنجره، لذا سيؤول القرار الى أسرته.
ما يقلق بال العم عزيز الآن هو مصير خنجر أجداده، يا ترى من يحفظ تلك الأمانة و يحمل لقب "ابو خنجر" من بعده.