"أطلال، وركام، والعوائل الساكنة بالقرب منه اتخذته موقعاً لنفاياتها.." هكذا وجد خليل حسن، النازح من تلعفر منذ 2015 منزله، بعد أن عاد مضطراً إليه.
حسن، 49 عاماً، تساءل في حديثه لـ(كركوك ناو) كيف يمكنه أن يعيد بناء منزله، وهو بالكاد يحصل قوت يومه من خلال عمله اليومي كبائع للخضار عبر عربته الصغيرة.
حسن، قضى نحو خمس سنوات في أحد المخيمات إلا أنه تفاجأ الأسبوع المنصرم بإبلاغ إدارة المخيم له، عن عزم وزارة الهجرة والمهجرين إغلاقه، وفق خطة الوزارة في إغلاق مخيمات النازحين في كركوك وصلاح الدين والانبار، بحلول عام 2021، بهدف إعادة حوالي مليون ونصف مليون نازح إلى مناطقهم الأصلية.
يقول حسن، والحيرة واضحة على وجهه "لا أملك ما يمكنني رفع أنقاض بيتي المهدم به، فضلاً عن إعادة بنائه.. لا أعرف ماذا سأفعل ولكني قصدتُ دار أحد معارفي ريثما أجد مكاناً يأويني وعائلتي".
لا أملك ما يمكنني رفع أنقاض بيتي المهدم به، فضلاً عن إعادة بنائه
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، في بيان يوم 30 تشرين الأول الماضي، "دعمها عودة النازحين الطوعية والآمنة والكريمة والمستدامة، وأنها تعمل على ضمان حصول النازحين الذين غادروا المخيمات إلى ديارهم على الدعم اللازم".
وتابع البيان، أن "الأمم المتحدة تتابع التطورات عن كثب، وهي على اتصال مستمر مع الحكومة العراقية، بشأن التخطيط لإيجاد حلول دائمة وطويلة الأجل لجميع النازحين الضعفاء في العراق".
بينما حذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، (منظمة حقوقية أوروبية مقرها جنيف)، في تقريرٍ له الأربعاء، 4 تشرين الثاني الجاري، إن "خطة العراق لإغلاق المخيمات وإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية غير آمنة على حياتهم، وقد يترك مئات الآلاف من النازحين بلا مأوى بعد تدمير منازلهم أثناء المواجهات مع تنظيم داعش الإرهابي، لا سيما في ظل عدم وجود خطة واضحة لإعادة إعمار مناطقهم الأصلية التي تفتقر إلى مقومات الحياة".
مريم سعيد، في العقد الخامس من عمرها، هي الأخرى كانت من بين العوائل التي عادت إلى تلعفر مؤخراً، بعد سنوات من النزوح والاغتراب والمعاناة.
إلا أنها ترى أن العودة زادت من معاناتها، في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه عائلتها بعد أن فقدت معيلها، وباتت تعتمد على الراتب التقاعدي الذي لا يلبي احتياجات الحياة المختلفة.
"نحن في فصل الشتاء، ومنزلي لا يصلح للسكن، فقد تمّ حرقهُ بالكامل، بما فيه من أثاث وأجهزة، وحين عدتُ قبل أسبوعين، دفعت الإنسانية ببعض الجيران إلى التعاون معي في إصلاح إحدى الغرف والمغاسل، في ظل عدم قدرتي على إعادة تأهيل المنزل بالكامل". تقول مريم وهي تمسح دموعها بأطراف ثوبها.
دفعت الإنسانية ببعض الجيران إلى التعاون معي في إصلاح إحدى الغرف والمغاسل، في ظل عدم قدرتي على إعادة تأهيل المنزل بالكامل
وتتابع في حديثا لـ(كركوك ناو) قائلةً "كان الأجدر بالحكومة العراقية أن تجد حلاً للعوائل التي تضررت منازلها قبل الإقدام على إعادتها.. يبدو أن وراء ذلك هدفاً سياسياً تجاوز الواقع الإنساني الذي يعيشه النازحون".
وأغلقت وزارة الهجرة والمهجرين، حتى الآن، عشرة مخيمات، وأُعلنت محافظتي بغداد وكربلاء خاليتين من المخيمات فيما ستلتحق بهما قريبا صلاح الدين وكركوك، بحسب الوزارة.
وتؤكد سجلات وزارة الهجرة والمهجرين في تلعفر، عودة عشرات العوائل النازحة من مناطق النزوح في كربلاء، وبغداد، واربيل، وكركوك، وتركيا إلى القضاء، ضمن برنامج العودة الطوعية الآمنة التي تنظمها الوزارة.
وتؤكد تلك السجلات أن 18500 عائلة عائدة مسجلة رسمياً، في دائرة المهجرين، بينما يتوقع أن يبلغ عدد العوائل العائدة نحو 24000 عائلة عائدة، لاعتكاف بعضهم عن التسجيل.
وعزا قائممقام تلعفر قاسم محمد شريف، في وقتٍ سابق، تلكؤ عودة نازحي القضاء إلى إشغال البعض لبيوتهم، نتيجة تضرر ألاف المنازل في مركز القضاء خلال سيطرة داعش وعمليات التحرير.
وأوضح، في تصريح لـ(كركوك ناو)، أن "ألاف المنازل تعرضت للضرر خلال سنوات سيطرة تنظيم الدولة (داعش) لتلعفر، حسب إحصائيات مديرية الدفاع المدني، ما جعل أصحابها يشغلون منازل مواطنين آخرين لم يعودوا إليها حتى الآن".
مبيناً أن "البعض منهم من سكان القرى القريبة التي تدمرت بالكامل، حيث تمّ تسجيل 14 قرية مدمرة كليا".
وأضاف أن "من الأسباب الأخرى التي تحول دون سرعة عودة نازحي تلعفر إلى المدينة، عدم وجود فرص عمل وعدم تقديم الحكومة تعويضات مالية للمتضررين، إلى جانب نقص الخدمات"، كاشفاً عن "عودة نحو ألف نازح من أهالي تلعفر، من تركيا خلال الأشهر الأخيرة".
وينتشر نازحو تلعفر في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك، وتركيا، فيما عاد نحو نصف النازحين إلى مدينتهم عقب تحريرها في أب 2017 من سيطرة تنظيم داعش.
ووقعت تلعفر، الواقعة على بعد 69 كم شمال غرب الموصل، تحت سيطرة التنظيم في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها.