بعد عودتهم إلى تلعفر..
العائدون التركمان: تعلمنا من الجانب المضيء للنزوح

نينوى، 2020، احد اسواق تلعفر بعد عودة السكان من النزوح، تصوير جعفر التلعفري

جعفر التلعفري - نينوى

"رُبَّ ضارةٍ نافعة.. دائماً أنظر إلى الأمور من زاوية إيجابية، فمع كل المعاناة التي عشناها طوال سنوات النزوح من 2014 إلى 2018، كانت لتلك المرحلة جوانب مضيئة لا يمكن تجاهلها" حسب نورهان علي، العائدة إلى تلعفر من تركيا.

وتضيف نورهان، 29 عاماً، في حديثها لـ(كركوك ناو)، أن "سنوات النزوح ساهمت في الانفتاح على المجتمعات الأخرى، سواءً لأولئك الذين نزحوا إلى مدن عراقية أو إلى خارج البلاد، كما حدث معي، فلا شك أن الاختلاط بتلك المجتمعات والاطلاع على تجربتهم كان كفيلاً في الاستفادة منها بعد العودة إلى مناطقنا عقب تحريرها من تنظيم الدولة (داعش)".

وعلى سبيل المثال، استطاعت نورهان ان تتعلم اللغة التركية خلال استقرارها في تركيا في فترة سيطرة داعش على تلعفر، وأضافت إلى رصيدها العلمي لغةً أخرى.

ووقعت تلعفر تحت سيطرة التنظيم في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها، إلى محافظات الوسط والجنوب وإقليم كردستان وكركوك وتركيا.

124540270_3970069783023455_7345432448011186007_o
نينوى، 10 تشرين الثاني 2020، وجبة جديدة من النازحين يعودون لمناطقهم الاصلية، تصوير وزارة الهجرة 

التعرف على ثقافات جديدة

"النزوح ساهم في التعرف على الآخر، فأنا شخصياً لم أكن أعرف عن أبناء الديانة الايزيدية شيئاً، ولكنني حين عشتُ في كنفهم شهراً خلال نزوحنا إلى سنجار قبل مغادرتها إلى النجف، وجدتهم شريحة مسالمة لم ينظروا إلينا على أننا من ديانة أخرى، بل سارعوا إلى مد يد العون والمساعدة ولم يبخلوا بجهدٍ في تخفيف معاناتنا" هكذا يقول أحمد بدر، 36 عاماً، .

ويروي ، لـ(كركوك ناو)، أن "أحد الايزيديين لم يتمالك حين وجدنا تحت سقف محل بداية النزوح، وبدت دموعه تنزل على وجنتيه، وأصرّ أن نصاحبه إلى منزله". ويستطرد قائلاً  "وكذلك أهالي محافظة النجف، التي لم أكن أعرف عنهم الكثير، حيث فتحوا أبواب بيوتهم واحتضنونا بكل رحبٍ وسعادة".

باسم غازي، 32 عاماً، كان يبيع الخضار، وبالكاد يستحصل ما يكفي لإعالة عائلته المكونة من خمسة أفراد، ولا يجيد عملاً آخر، إلا أنه تعلّم في اربيل بإقليم كوردستان حيث نزح إلى هناك، مهارة جديدة، عادت عليه بإيرادٍ قاده لشراء سيارة من الأموال التي يجنيها اليوم.

 الدعوة إلى الوحدة ونبذ العنف

 من جانبه، يرى شهاب نبيل، 54 عاماً، متحدثاً لـ(كركوك ناو)، أن "تجربة النزوح على مرارتها كانت كافية لتقنعنا بأهمية التمسك بأرضنا وضرورة أن نكون يداً واحدة لئلا نكون هدفاً لمن يسعى إلى تمزيقنا لتحقيق مصالحه".

ويتابع نبيل، الذي كان نازحاً إلى كركوك، وقضى فيها زهاء خمس سنوات، قبل أن يعود نهاية 2019، إلى تلعفر، "طالما كان الواعون والمخلصون يدعون إلى الوحدة ولكن لم يكن لندائهم استجابة حتى بحت أصواتهم، ولكن بعد أن وقع الفأس على الرأس، استوعب الجميع الدرس، الأمر الذي نلمس أثره بكل وضوح، فها هي العلاقات والتواصل عاد إلى أطياف تلعفر كما كان قبل 2003".

وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية خلال الشهرين الماضيين عن اغلاق عدد من المخيمات في محافظات كربلاء وبغداد وكركوك ونينوى التي كان يسكنها نازحين من قضاء تلعفر واعادتهم إلى مناطقهم الاصلية في القضاء.

 اكتساب مهارات ومهنة جديدة

"كانت أمنيتي أن التحق بكلية القانون منذ كنتُ في الإعدادية، إلا أن الرياح تجري أحياناً بما لا تشتهي السفن، وكانت الظروف المادية الصعبة عائقة أمام تحقيق أمنيتي، لا سيما أنه لم يكن بإمكاني الدراسة في جامعة الموصل نتيجة الأعمال الإرهابية والاستهداف الطائفي، إلا أنني بعد أن نزحت إلى الديوانية قررتُ أن التحق بالجامعة حيث الدراسة المسائية، وأنهيتها حاملاً بكالوريوس في القانون، بعد أربع سنوات قضيتُ نهارها في العمل ومساءها في الجامعة". يقول أنور كاظم، 27 عاماً، والابتسامة تعلو شفتاه.

يقول غازي، مبتسماً لـ(كركوك ناو)، أن "النزوح ساهم في تطوير قابلياتي الشخصية والمهنية، حيث تعلمتُ تغليف الغرف وتركيب الألواح البلاستيكية على الجدران والسقوف الثانوية".

ويضيف "ومن قبيل الطُرفة عرفنا من خلال النزوح السمك المسكوف، حيث انتشر باعته اليوم في كل مناطق تلعفر، كما أن باعة الغاز كان يصرعون رؤوسنا بأصواتهم أما الآن فبدؤوا يستخدمون موسيقى لطيفة، تعلموها من المدن التي نزحوا إليها".

 

WhatsApp Image 2020-05-20 at 1.59.41 PM
نينوى، 2020، احد اسواق تلعفر، تصوير جعفر التلعفري

وحسب سجلات وزارة الهجرة والمهجرين في تلعفر، شهدت المدينة عودة عشرات العوائل النازحة من مناطق النزوح في كربلاء، ومخيم النهروان في العاصمة بغداد، ومخيمي حسن شام U2 و U3  في محافظة اربيل، إلى تلعفر، ضمن برنامج العودة الطوعية الآمنة التي تنظمها الوزارة.

وتؤكد تلك السجلات أن 18500 عائلة عائدة مسجلة رسمياً، في دائرة المهجرين، بينما يتوقع أن يبلغ عدد العوائل العائدة نحو 24000  عائلة عائدة، لاعتكاف بعضهم عن التسجيل.

وكان نازحو تلعفر ينتشرون في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا، فيما عاد نحو نصف النازحين إلى مدينتهم عقب تحريرها في أب 2017 من سيطرة تنظيم داعش.

ووقعت تلعفر، 69 كم شمال غرب الموصل، تحت سيطرة التنظيم في حزيران 2014، واضطر أغلب سكانها البالغ عددهم نحو 225 ألف نسمة إلى النزوح عنها.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT