في ريعان شبابها استقرّت في خانقين، ذهب كثيرون وجاء كثيرون لكنها لازمت مكانها، حتى أصبحت المسيحية الوحيدة في خانقين، هي الآن تساير أيامها متشبثةً بذكرياتها.
"أعتبر نفسي خانقينية و لن أترك مدينتي"، هكذا تحدثت ماريا عن عزمها البقاء في خانقين.
مريم ميخائيل إسحاق (67 سنة)، المعروفة بـ(ماري) بين أهالي خانقين، تنحدر من منطقة سرسنك الواقعة في محافظة دهوك و قد جاءت مع عائلتها الى خانقين في سبيعيات القرن الماضي.
كانت ماري في السابعة عشرة من عمرها حين اضطرت عائلتها للنزوح الى البصرة بسبب اعتقال والدها، من هناك توجهوا الى بغداد، و بعد عدة اشهر استقروا في حي على ضفاف نهر ألوند بخانقين.
"كنا عائلة كبيرة، متألفة من خمسة اشقاء و أربع شقيقات، أجّرنا منزلاً في حي الحميدية."
سرعان ما تزوجت ماري من شاب مسلم، منذ ذلك الحين عاشت بعيدة عن أهلها، لأن والدتها و اخوتها عادوا الى موطنهم الأصلي.
"في البداية كان صعباً بالنسبة لي أن أعيش في بيئة اجتماعية و دينية مختلفة، لكني اعتدت على الأمر، أقارب زوجي و جيراني أحبوني كثيراً."
رغم أن أهل زوجي كانوا مسلمين، كانوا يتعاملون معي بصورة اعتيادية
عاشت ماري مع أهل زوجها في منزل واحد، و ألّفوا عائلة كبيرة مع اثنين من اشقاء زوجها، قبل أن ينفصلوا و يقيم كل منهم في منزل مستقل.
"رغم أن أهل زوجي كانوا مسلمين، لكنني لم اشعر قط بأنني آشورية، كانوا يتعاملون معي بصورة اعتيادية."
في الفترة التي تزوجت فيها ماري، كان العديد من العوائل المسيحية و اليهودية تعيش في خانقين، لكن بعد اندلاع الحرب الايرانية-العراقية في الثمانينيات هاجروا خانقين صوب المناطق الأخرى أو الى خارج العراق.
"في تلك الفترة كنا نذهب مع المسيحيين الآخرين الى الكنيسة لأداء المراسيم الدينية، كنا نصلي هناك في المناسبات و الأعياد، في بعض الأحيان كان البعض من جيراننا المسلمين يشاركوننا مراسيمنا دون أي تمييز أو تفرقة."
تقع كنيسة البشارة، وهي الكنيسة الوحيدة في خانقين، في حي باشا كويري، بعد هجرة المسيحيين في ثمانينات القرن الماضي أصبحت الكنيسة مكاناً لإيواء عدد من العوائل الفقيرة.
بدأت أعمال بناء الكنيسة التي تبلغ مساحتها 430 متراً مربعاً في عام 1948 و افتُتِحَت في عام 1950.
"أشعر بالحزن، يعتصرني الألم حين أرى الكنيسة مغلقة، لم اعد أسمع صوت أجراس الكنيسة و لا أستطيع ايقاد الشموع فيها"، تقول ماري بأنها حاولت مراراً اعادة فتح باب الكنيسة للعبادة لكن جهودها ذهبت هباءَ.
أشعر بالحزن، يعتصرني الألم حين أرى الكنيسة مغلقة
في بعض المراسيم الدينية الكبيرة، تذهب ماريا الى سرسنك لكي تشارك في تلك المناسبات، أما في باقي الأيام فتصلي و تقيم شعائرها الدينية في منزلها.
"الكنيسة تحمل ذكريات عديدة لي، في الحرب العالمية الأولى، حينما كانت البشارة مجرد منزل و لم تصبح كنيسةً بعد، تزوج جدي من فتاة تركية من اسطنبول و جاء عبر ايران الى خانقين، و عقد قرانه عليها في ذلك المنزل قبل أن يعود الى سرسنك."
في عموم محافظة ديالى توجد كنيسة واحدة فقط مفتوحة و هي كنيسة أم البشارة الصالحة في بعقوبة والتي رُمِّمَت و أعيد افتتاحها في عام 2019 بعد 14 عاماً من اغلاقها.
ماري الآن هي المسيحية الوحيدة المقيمة في خانقين، هناك بعض العوائل المسيحية الأخرى لكنها لا تعيش هناك باستمرار بل تتنقل بين خانقين والمدن الأخرى."
"الناس هنا ينظرون الي كواحدة منهم، لم أشعر بالغربة قطّ... الناس كلها تحبني و يعاملونني باحترام، وأنا أيضاً أحبهم جميعاً."
"لا أريد أن أترك خانقين، لأنني أعتبر نفسي خانقينية و سأبقى في هذه المدينة"، تقول ماري.