اقليم كوردستان
سجون أوسع وحريات أضيق للصحافة

السليمانية/ 11 كانون الأول 2020/ دخان القنابل المسيلة للدموع التي استخدمتها القوات الأمنية لتفريق المتظاهرين   تصوير: زمناكو اسماعيل

معاذ فرحان – السليمانية

أراد كارزان طارق أن يكون عين الناس لنقل ما يحدث خلال التظاهرات، لكن سرعان ما هاجمه عنصران أمنيان، صادروا هاتفه النقال و اعتقلوه؛ القمع لم يقف عند ذلك الحد، فقد وضعوه في السجن و عصبوا عينيه.

وجد ذلك الصحفي نفسه اليوم التالي داخل احدى مقرات البيشمركة في أطراف السليمانية، "أجبروه" على توقيع تعهد و صوروه كأحد المجرمين.

كيفية تعامل القوات الأمنية معه، خلق عند كارزان طارق التصور بأنه مجرم خطير وقد وقع في قبضتهم.

في يوم 11 كانون الأول، كان مراسل قناة NRT الفضائية كارزان طارق يستعد لتغطية تظاهرة منتظرة أمام مبنى محافظة السليمانية، بعد عدة دقائق فسد كل ما كان قد خطط له.

التظاهرة جاءت بعد سلسلة من الاحتجاجات الجماهيرية ضد تأخر صرف الرواتب وقلة الخدمات في محافظة السليمانية و حلبجة. لكن الأمور تطورت الى أعمال عنف أسفرت عن مقتل عشرة متظاهرين و جرح ما لا يقل عن 60 آخرين، فيما وُضِع عشرات المتظاهرين الآخرين في السجون  وطالت شرارة تلك النار الصحفيين والمؤسسات الاعلامية.

karzan tariq

كارزان طارق، مراسل قناة NRT في السليمانية   الصورة مأخوذة من الحساب الخاص لكارزان طارق على شبكة فيسبوك

قبل أربعة ايام من اعتقال كارزان طارق، أوقفت قوة أمنية بث القناة التي يعمل لها، وذلك بناءً على طلب من وزارة الثقافة في حكومة اقليم كوردستان تحت ذريعة "التصرف اللامسؤول".

حكومة اقليم كوردستان وسّعت خطواتها باتجاه تضييق حرية التعبير، تتعامل مع الصحفيين كـ"مخربين" في السجون وتحقق معهم، أوقفت بث قنوات فضائية فيما تلقّت بعضها انذارات، في حين أن هذه الخطوات ليست مستندة الى القوانين.

اعتقال الصحفي كارزان طارق و ايقاف بث القناة التي يعمل لها، ليس الا مثالاً واحداً من بين عشرات الأمثلة الأخرى على الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة ضد الاعلاميين ومؤسساتهم خلال تغطية التظاهرات الأخيرة التي استمرت لعشرة ايام.

بالرغم من توقف بث قناته الفضائية، الا أن كارزان طارق دأب على نقل الاحتجاجات عن طريق الصفحة الرسمية لمؤسسته الاعلامية على شبكة فيسبوك.

"كنت أحمل شارتي ومايكروفوني، أخرجت هاتفي النقال وأردت بث التظاهرة، هاجمني عدد من عناصر الأمن، أخذوا مني هاتفي النقال واقتادوني الى مركبتهم"، و أضاف كارزان "في تلك الأثناء جاء أحد زملائي الاعلاميين و قال لهم: هذا مراسل، الى أين تأخذونه؟ لكنهم انهالوا عليه بالضرب... ركلوني أيضاً."

ي تلك الأثناء جاء أحد زملائي الاعلاميين و قال لهم: هذا مراسل، الى أين تأخذونه؟ لكنهم انهالوا عليه بالضرب... ركلوني أيضاً

 نُقِل كارزان الى سجن كاني كومة –جنوب غربي السليمانية- على بعد 10 كيلومترات من مركز المدينة، في اليوم التالي حققوا معه وهو معصوب العينين، ثم نقلوه الى مقر قوات 70 التابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني غربي السليمانية.

"كانوا ينصحونني... تعاملهم كان سيئاً، في بعض الأحيان كانوا يحددون لنا الوقت المسموح لنا بالبقاء في دورة المياه، كانوا يعصبون عيوننا أحياناً، أو يأمروننا بأن لا نرفع رؤوسنا و ننظر الى الأمام فقط."

وقال كارزان "قوات الاتحاد الوطني الكوردستاني جلبوا لنا أوراق تعهد وطلبوا منا التوقيع عليها والتعهد بعدم المشاركة في تظاهرات عنيفة.. أخبرتهم أننا صحفيون ولسنا متظاهرين، فقالوا بأن هذا أمر ويجب تنفيذه."

في الأيام العشرة الأولى من شهر كانون الأول، سُجِّلَت ما لا يقل عن 20 انتهاك بحق الصحفيين، وذلك وفقاً لإحصائية أعلنتها نقابة صحفيي كوردستان. غير أن مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين اشار الى وجود 30 انتهاكاً.

في قضاء رانية، خلال تغطية التظاهرات في 11 كانون الأول، اعتدى عنصر مسلح من بيشمركة قوات 70 التابعة للاتحاد الوطني على فريق شبكة روداو الاعلامية، الى جانب اهانة فريق العمل قام بتحطيم ميكروفونهم و حرق شعار القناة الذي كان على الميكروفون، كما حاول مصادرة كاميرا القناة، حسب خبر نشرته قناة روداو.

rudaww-1

مايكروفون قناة روداو بعد حرقه من قبل القوات الأمنية   تصوير: روداو

وقال مراسل قناة روداو بختيار قادر "فوق كل ما فعله، حاول عنصر البيشمركة ذاك تحريض البعض على مهاجمتنا، لكن عدداً من المواطنين دافعوا عنا وقاموا بإبعادهم.

اذاعة دَنك (صوت) في كلار نشرت في بيان يوم 11 كانون الأول بأن أحد مراسليهم ويدعى محمد محمود تم ايقافه من قبل قوات الأمن (الآسايش) و أودِعَ في سجن انفرادي، "وبّخوه خلال التحقيقات، وهددوه بسبب التغطية التي أجريت للتظاهرات في اذاعة دنك حتى أنهم هددوه بالتعامل معه خارج المحكمة"، حسب بيان الاذاعة.

وجاء في بيان اذاعة دنك "إن كان لمسؤولي الآسايش (الأمن) أية ملاحظات أو شكاوى بهذا الشأن، بإمكانهم اتخاذ الاجراءات القانونية والأصولية، لا أن يلجؤوا للطرق الملتوية والجبانة القائمة على التهديد والوعيد"، وطالبت بإعادة الهاتف الجوال للمراسل.

في قضاء رانية أيضاً، تعرض الفريق الصحفي لقناة بيام الفضائية المؤلف من المراسل هاوار محمد والمصور آكو جمعة الى الاعتداء من قبل قوة أمنية أثناء تغطيتهم للتظاهرات.

ونشرت قناة بيام خبراً قالت فيه "صادروا المعدات الصحفية و أخرجوا ذاكرة الكاميرا لمسحها... طلبوا من الفريق الاعلامي لبيام الانتظار لحين تسلم ذاكرة الكاميرا، لكن في تلك الأثناء اعتقلت قوة من الشرطة كلا الصحفيين و اقتادوهم الى دائرة الأمن العامة."

"تم اطلاق سراحهم بعد ساعتين، دون أن يستلموا معداتهم الصحفية"، حسبما نشرت بيام. وفي السليمانية، اعتُقِل مذيع القناة كوران محمد وأُخلي سبيله في اليوم التالي.

فيديو: الاعتداء على فريق عمل قناة بيام الفضائية من قبل القوات الأمنية في كرميان   تصوير: بيام

 فريق عمل قناة العراقية في السلمانية أمين أحمد و سيروان بارزان اعتُقِلوا من قبل القوات الأمنية و أطلِق سراحهم في نفس اليوم. وفي ناحية بازيان اعتقلت الشرطة مدير موقع بازيان بريس الالكتروني (هريم مجيد) و أخلت سبيله بعد ساعة من اعتقاله.

مساء يوم 12 كانون الأول، بينما كانت التظاهرات تقل حدتها، اعتقلت شرطة السليمانية ثلاثة اعلاميين في قناة كوردستان 24 (داليا كمال، هردي حسن و برهم جمال)، لإعدادهم تقرير حول "عباد الشمس".

كاروان أنور، رئيس فرع السليمانية لنقابة صحفيي كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "عندما يتصاعد منحنى الاضطرابات، ترتفع نسبة الانتهاكات بحق الصحفيين تلقائياً، و عندما تهدأ الأوضاع الجميع يتصرف كأن شيئاً لم يحدث."

احدى الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة تتمثل في ايقاف بث قناة NRT و تحذير ثلاث قنوات أخرى (بيام، روداو و سبيده) من اتباع نفس الخطوة، بناءً على طلب وزارة الثقافة في حكومة الاقليم.

وأكدت الوزرة في بيان لها "بسبب عدم التزام قناة NRT بالتعليمات والضوابط الخاصة بتنظيم مجال الاعلام المرئي والمسموع، وخصوصاً لتصرفها اللامسؤول خلال هذه الفترة، والبعيدة عن المنطق و تسمية القوات الأمنية بالميليشيات.. بعد تحذيرهم من تكرار المخالفات، قررنا ايقاف بث قناة NRT لمدة اسبوع."

بعد تحذيرهم من تكرار المخالفات، قررنا ايقاف بث قناة NRT لمدة اسبوع

بعد ذلك، مددت الحكومة قرار ايقاف بث القناة أسبوعاً آخر، لغاية يوم الأحد المصادف 20 كانون الأول قبل أن تسح للقناة باستئناف بثها.

المتحدث باسم وزارة الثقافة أمين هورامي قال لـ(كركوك ناو) "لا ينبغي للمؤسسات الاعلامية أن تتلاعب بمشعر الناس، قسم منها تقوم بذلك، واثق بأنه لولا التحريض الذي قامت به بعض المؤسسات الاعلامية لما تكن الأوضاع ستتوتر بهذه الصورة."

واستندت الوزارة في قرارها الى المادة الثالثة/ الفقرة الثالثة من قانون تنظيم الطيف الترددي في اقليم كوردستان (ترخيص العمل التلفزيوني والاذاعي) والتي جاء فيها "يجب على الصحافة المرئية و المسموعة عدم الإضرار بالتقاليد و المصالح العامة في اطار القوانين المعمول بها في اقليم كوردستان، مع الابتعاد عن تشويه التصالح الاجتماعي والأسري."

وطالبت الوزارة في الإخطار الذي وجّهته للقنوات الثلاث الأخرى "يجب أن يتجنبوا بث المشاهد العنيفة و مشاهد حرق المقرات الحزبية والدوائر الحكومية وتحريض المشاهدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة على اثارة الشغب وتخريب التصالح الاجتماعي"، وحذّرت الوزارة في بيانها من "اتخاذ اجراءات قانونية صارمة بحق القنوات المخالفة."

nrt1

السليمانية/ 7 كانون الأول 2020/ قوة أمنية أمام مقر قناة NRT الفضائية بعد ايقاف بث القناة   تصوير: NRT

ولفت أمين هورامي الى أن تلك الخطوة كانت مستندة الى تعليمات وزارة الثقافة. "خلال التظاهرات لاحظنا بأن تلك القنوات كانت تعمل بخلاف تلك التعليمات... ما قمنا به كان مجرد اجراءات ادارية."

هذه التعليمات لا تستند الى دعائم قانونية، لكن أمين هورامي يقول "المؤسسات التي حصلت على تراخيصها، وقّعت على هذه الاجراءات، والآن بعض المؤسسات الاعلامية انتهكت هذه التعليمات."

هذه الانتهاكات تأتي في الوقت الذي نَصّ فيه قانون اعمل الصحافي لعام 2007 على عدم جواز اعتقال الصحفيين دون ابلاغ نقابة الصحفيين، كما أن القانون لا يحوي على اية فقرة خاصة بإيقاف بث القنوات.

"مصممون على عدم السماح بأن تصبح المؤسسة الاعلامية منبراً لتخريب البلد"، حسبما قال المتحدث باسم وزارة الثقافة.

مصممون على عدم السماح بأن تصبح المؤسسة الاعلامية منبراً لتخريب البلد

المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، انتقدت في بيانين أصدرتهما خلال فترة التظاهرات تعامل حكومة اقليم كوردستان ازاء الاعلاميين، وجاء فيها "قامت الجهات الحكومية و الأمنية بإغلاق شبكات التواصل الاجتماعي، من بينها فيسبوك، فايبر، انستاجرام و سناب جات، الى جانب اغلاق قناة NRT."

سلمة فاتح، رئيسة لجنة الثقافة والمجتمع المدني في برلمان كوردستان قالت لـ(كركوك ناو) "ينبغي أن يكون تعامل القوات الأمنية على اساس قانون الحصول على المعلومات والعمل الصحافي؛ هذه القوانين لم تمنح القوات الأمنية سلطة اعتقال الصحفيين دون أمر من المحكمة."

من المقرر أن يستدعي البرلمان "في أقرب وقت" المدير العام للطباعة والنشر في وزارة الثقافة، حسبما قالت سلمة فاتح التي أكّدت "سنسأله على أي قانون اعتمد في اغلاق القناة و نطلب منه توضيحات."

kfri-2

كفري/ كانون الأول 2020/ متظاهرون يحرقون الاطارات على احدى الشوارع الرئيسية   تصوير: زمناكو اسماعيل 

لكن مدير مركز ميترو دياري محمد قال بأن ايقاف بث قناة NRT "بقدر ما هو قرار سياسيا ليس قراراً قانونياً... ". وأضاف "الإنذارات هي ايضاً شكل من اشكال ممارسة الضغط على المؤسسات الاعلامية، تلك القناة قامت فقط  بتغطية الأحداث ولم تتسبب في احراق المقرات الحزبية والدوائر الحكومية."

العلاقة بين القوات الأمنية والصحفيين ليست جيدة بصورة عامة، حيث تتكرر تلك الانتهاكات في أغلب التظاهرات، لكن ما شهدته التظاهرات من ايقاف بث القنوات و اعتداءات بالضرب و ارغام الصحفيين على توقيع تعهدات يُنظر اليها كخطوات جديدة باتجاه تضييق أكبر لحرية التعبير في اقليم كوردستان.

وقال كاروان أنور "افتتحنا لحد الآن في السليمانية أربع دورات مشتركة للصحفيين وعناصر القوات الأمنية، لكن عندما تحدث الاضطرابات تعود الأمور الى سابقها."

بعد ايداعه ليومين في أحد سجون قوات 70 التابعة للاتحاد الوطني و "ارغامه" على إمضاء تعهد خطي، اقتادوا كارزان طارق معصوب العينين الى منطقة جسر سرجنار في مدخل السليمانية، هناك أزالوا العصابة عن عينيه ثم أخذوه الى مقر قوات الدفاع والطوارئ.

"أخذوني من هناك الى نقابة الصحفيين و أخبروني بأنه تم اطلاق سراحي بجهود وكيل وزارة الداخلية اللواء جتو"، حسبما قال كارزان طارق لـ(كركوك ناو).

خلال ذلك الاسبوع الذي اعتُقِل فيه مرتين، قال كارزان بعد اطلاق سراحه "نريد أن تتعامل الحكومة مع الصحفيين وفق قانون العمل الصحافي"، غير أنه لم يبد استعداده لتسجيل دعوى بشأن الانتهاكات التي تعرض لها، حيث قال "هنا لا ينال الصحفيون حقوقهم عن طريق المحاكم."

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT