آلاف النساء يعدن الى مقاعد الدراسة..
"الآن أستطيع القراءة والكتابة، وتدبير معاملات الدوائر"

كركوك/ كانون الأول 2020/ سيدة تستمع للدرس في أحد مراكز محو الأمية   تصوير: تارا عزيز

تارا عزيز – كركوك

هكذا الأم دائماً، تعتني بأطفالها و تسعى في الوقت نفسه لتعلم القراءة والكتابة. لكن ليس من الهيّن عليهن تدبير أمور المنزل و في الوقت نفسه محاولة اللحاق بالركب عن طريق الالتحاق بمراكز محو الأمية.

"متلهفة للدراسة مثل طفلة صغيرة"، هذا ما قالته سعاد علي (55 سنة). سعاد أم لعشرة أطفال و تدرس حالياً في الصف الثاني في احدى مراكز محو الأمية في كركوك.

تقول سعاد بأنها تزوجت قبل أن تبلغ العشرين من عمرها؛ وعندما رُزِقت بأطفالها لم تتمكن من مواصلة الدراسة، لذا اختارت الالتحاق بمراكز محو الأمية من أجل تعلم القراءة والكتابة.

متلهفة للدراسة مثل طفلة صغيرة

مركز هلو لمحو الأمية الذي افتُتِح في حي رحيماوا قبل عامين، أصبح المكان الذي يلجا الية العشرات ممن منعتهم ظروف الحياة الصعبة من مواصلة دراستهم.

يوجد في كركوك 229 مركز لمحو الأمية تضم 22 ألف و 606 طالباً وطالبة.

mamosta. xwendn

كركوك/ كانون الأول 2020/ طالبتان تستمعان لمعلمتهما في أحد صفوف مركز لمحو الأمية   تصوير: تارا عزيز 

في الوقت الذي تسير فيه العملية الدراسية في العراق والدول المجاورة ببطء وحذر، تفتح مراكز محو الأمية أبوابها أربعة ايام في الاسبوع، يومان للنساء و يومان للرجال.

الدراسة في مراكز محو الأمية تتألف من أربعة مراحل: المرحلة الأولى تضم الصفين الأول و الثاني و مدتها سنة واحدة، المرحلة الثانية تشمل الصفين الثالث و الرابع و المرحلتان الأخريتان هما الصف الخامس و السادس الابتدائي، لميا أكملت المراحل الأربع في أربعة أعوام.

"بعد اكمالي لمرحلتين في ذلك المركز، أصبح بإمكاني الآن القراءة و الكتابة... أستطيع الآن تدبير أموري عند زيارة الطبيب و اجراء معاملات الدوائر، لكنني قبل هذا كنت أحتاج لمساعدة الآخرين"، كما تقول سعاد.

 الدراسة في مركز هلو الذي التحقت به سعاد باللغة الكوردية، يبدأ الطلاب، وأغلبهم ربات بيوت، موظفون، منتسبو شرطة و عمال، رحلة التعلم من الصفر، بعضهم يريدون تعلم القراءة والكتابة فقط، بينما البعض الآخر يطمح للحصول على شهادات تمكنهم من ترفيع درجاتهم الوظيفية في دوائرهم الحكومية.

المواد الدراسية الرئيسية التي يتعلمها الطلاب هي اللغة الكوردية، الرياضيات و العلوم الاجتماعية.

سمير أبو زيد، مدير أحد مراكز محو الأمية في كركوك قال لـ(كركوك ناو) "اتخذنا هذه الخطوة شعوراً من بالمسؤولية و لعدم وجود مكان مماثل خاص بالدراسة الكوردية."

xwendnn
كركوك/ كانون الأول 2020/ تضطر بعض النساء لجلب أطفالهن معهن الى مراكز محو الأمية   تصوير: تارا عزيز

"هذا المكان يختلف عن أية مدرسة اخرى، فهنا نحن من نبحث عن الطلاب. قبل مدة، طلبنا رسمياً من ستة مساجد قريبة من المركز لكي تشجع الناس على العودة للدراسة، وفي العام الماضي طرقنا البيوت لتسجيل أسماء الراغبين بالدراسة"، حسبما قال سمير أبو زيد.

وأوضح سمير بأن ما يميز مركزه عن غيره من مراكز محو الأمية هو أن "النساء لديهم رغبة أكبر للتعلم و متلهفات للدراسة."

وأضاف "النساء حريصات جداً، فعندما نطلب الحضور في الثالثة والنصف تجدهن حاضرات هنا قبل الموعد بعشر أو خمس دقائق... أحياناً يبدين غضبهن في حال تأخر المعلمون في الحضور."

النساء حريصات جداً، فعندما نطلب الحضور في الثالثة والنصف تجدهن حاضرات هنا قبل الموعد بعشر أو خمس دقائق

أغلب الملتحقات بمراكز محو الأمية هم من اللواتي لم يتمكنن من الدراسة بسبب الفقر والعوز وأُجبِرن على الزواج، والآن قد تهيأت لها الفرصة.

 الكادر التدريسي لمراكز محو الأمية يضم محاضرين الى جانب المعلمين المتعينين على ملاك وزارة التربية.

"في البداية يحتاج الطلاب الى وقت لكي يتأقلموا مع بيئة الدراسة و البدء بالتعلم"، و يضيف سمير "هيأنا كافة التسهيلات للطلاب، بالأخص للنساء، لأن كل واحدة منهن تحمل أعباء المنزل والأطفال، لذا حددنا مدة الدوام من الساعة الثالثة والنصف الى الخامسة مساءً... دائماً ما أقول بأن هؤلاء النساء لهن خصوصية ويجب التعامل معهن بصورة خاصة، هؤلاء مررن بأوقات صعبة في حياتهن ولم تسنح لهن فرصة التعلم."

بعض النساء الملتحقات بمراكز محو الأمية يتعرضن للاستخفاف و التعليقات الساخرة.

تقول سعاد علي (55 سنة) والتي تدرس في مركز محو الأمية منذ العام الماضي "العديد من الأشخاص قالوا لي بأنني كبيرة السن ويجب أن أترك الدراسة، لكنني أقول بأنني سأواصل الدراسة فيما تبقى من عمري."

خلال العام الماضي التحق المركز 120 شخصاً بالمركز الذي تدرس فيه سعاد، 43 منهم من الاناث.

كردون محمد (24 سنة)، محاضرة في ذلك المركز قالت لـ(كركوك ناو) "أساعدهم من الناحية العلمية لكن الطلاب يساعدونني من الناحية المعنوية و أتعلم منهم معنى الكفاح وعدم اليأس."

 توجه كردون محمد حديثها للنساء الأخريات اللاتي لم تُسنَح لهن فرصة الالتحاق بالدراسة وتقول "هذه فرصة فلا تدعوها تفلت منكن... التعليم هنا سيستمر حتى لو حضر طالب واحد فقط، لكن ان شارك عدد كبير فذلك يسعدنا كثيراً."

بصورة عامة، هناك أعداد كبيرة من النساء في كركوك وعموم العراق ممن التحقن بمراكز محو الأمية، لكن سعاد أثبتت بأنه عندما تحين الفرصة، فإن بإمكان النساء الدراسة، تربية الأطفال وتدبير أمور المنزل.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT