رغم رفض المجتمع...
11 ناجية ايزيدية يستلمن أطفالهن سراً

سنجار/ شباط 2021/ طفلة ايزيدية تحضر مراسيم اعادة دفن رفات 104 ايزيدي في قرية كوجو   تصوير: كركوك ناو

عمار عزيز – دهوك

11 امرأة ايزيدية نجين من أسر داعش غادرن مخيمات النزوح في دهوك وتم لم شملهن مع أطفالهن الذين ولدوا نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي تنظيم داعش، وذلك على الرغم من معارضة أهاليهن و المجلس الروحاني الايزيدي.

الناجيات الاحدى عشر تركن مخيماتهن في 2 آذار الجاري بعد أن سمحت لهن عوائلهن بالتوجه الى قضاء زاخو بدعوى "مقابلة بعض المنظمات"، ولم يعدن منذ ذلك اليوم.

الحدث جاء بعد يوم واحد فقط من اقرار قانون الناجيات الايزيديات من قبل البرلمان العراقي والذي ضم فقرة خاصة بحسم ملف الأطفال الذين ولدوا نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش.

 تفاصيل مغادرة أفراج لمخيمها

دخيل بشار خلف يعيش في مخيم قاديا بقضاء زاخو، ابنته (أفراج) من بين النساء اللواتي تركن المخيمات ولم يعدن اليها.

يقول دخيل "أخبرتني ابنتي بأنها ستذهب مع رفيقاتها الى زاخو، وأن منظمة اتصلت بهن لأمر ما دون ذكر اسم المنظمة... من جانبي قلت لها لا بأس ما دمت ستذهبين مع رفيقاتك."

 في الساعة الخامسة مساءً اتصل دخيل بانته، "قالت ابنتي: نحن في فندق بزاخو، ان نرجع الليلة لأن عملنا لم ينته... كما أنها لم تُطلعني على اسم المنظمة"، وأضاف دخيل "بعد ظهر يوم 3 آذار اتصلت بها مرة أخرى فقالت: لن ننتهي من عملنا اليوم ايضاً، وفي اليوم التالي كان هاتفها مغلقاً."

وقعت أفراج في قبضة داعش في 3 آب 2014 وبعد أكثر من خمس سنوات قضتها في الأسر، تم تحريرها في 25 آب 2019 وأُعيدت الى دهوك، لكنها تركت ابنتها وراءها في سوريا، حسبما قال والد أفراج.

ezediakan

مخيم يأوي نازحين ايزيديين في محافظة دهوك   تصوير: كركوك ناو 

أفراج تعيش منذ ذلك اليوم مع والدها وأحد اشقائها في مخيم قاديا الواقع في قضاء زاخو بدهوك، والد أفراج (دخيل) متزوج من امرأتين تقيمان في ألمانيا، وهو منتسب في صفوف البيشمركة ضمن قوات سنجار.

مساء يوم 4 آذار، تحدث أحد أبناء دخيل مع واحدة من الفتيات اللائي توجهن من مخيم قاديا الى زاخو رفقة أفراج، وقال دخيل "قالت تلك الفتاة بأن شحن بطارية جوّال أفراج قد نفذ..."،  وأضاف "لم تكشف تلك الفتاة المكان الذي كنّ يقمن فيه وقالت بأنها لا تعرف أين هنّ."

في نفس اليوم، تحدث دخيل مع ذوي الفتيات الأخريات، فتبين أنهم سمعوا القصة نفسها وأنهم لا يعرفون ماذا حدث والى أين ذهبن.

"سابقاً، ذهبن عدة مرات خارج المخيم للمشاركة في دورات اقامتها المنظمات، لكن هذه المرة انقط اتصالنا معهن ولم يخبرننا بمكانهن"، لذا قام دخيل بإبلاغ الأجهزة الأمنية.

"في 5 آذار وصلتني رسالة صوتية من ابنتي تقول فيها: لا تقلق يا أبي، التَمّ شملي بابنتي  ولن أعود الى المخيم... لا تتصل بالأمن والشرطة، دعونا وشأننا، أنا مرتاحة الآن"، ذكرت أفراج في رسالتها الصوتية اسم المدينة التي تقمن فيها في اقليم كوردستان، لكن (كركوك ناو) قررت عدم كشف اسم المدينة حفاظاً على سلامتهن.

"أبكي من اجلها كل يوم، لا أستطيع العيش بدونها، أطلب من الأجهزة الأمنية أن ينقذوا ابنتي"، وتابع دخيل قائلاً "بغضّ النظر عن الجهة التي قامت بهذا الأمر، فنحن نعتبر ما حدث اختطافاً."

ما الذي يُقال حول قصة النساء الاحدى عشر

يقول خيري علي، مدير فرع سنجار للمنظمة الايزيدية للتوثيق بأن هؤلاء النساء الـ11 غادرن المخيم "بعلم" الأجهزة الأمنية التابعة لإقليم كوردستان، من أجل لم شملهن بأطفالهن الذين أُنجِبوا نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش، وذلك بعد إعادة الأطفال من سوريا الى العراق، وتحديداُ الى محافظة دهوك.

وقال خيري علي لـ(كركوك ناو) "لدينا معلومات منذ عدة اشهر تفيد بأن منظمة دولية تعمل بالتنسيق مع الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحكومة اقليم كوردستان على إعادة مجموعة من الأطفال المولودين نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش الى أمهاتهم الايزيديات، هذا الأمر تم تنفيذه وفق برنامج محدد."

"هذه المنظمة عملت في البداية على تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الناجيات لإعادة دمجهن في المجتمع"، حسبما قال خيري.

المنظمة مخوّلة من قبل حكومة اقليم كوردستان ايضاً للعمل في المخيمات وهي مسجّلة رسمياً، حسب متابعات (كركوك ناو)، وتحتفظ (كركوك ناو) باسم المنظمة حفاظاً على سلامة أعضائها.

ezedii-4

سنجار/ آذار 2019 / نساء ايزيديات يشاركن في فعالية خاصة بيوم المرأة العالمي تتحدث عن معاناة النساء الايزيديات   تصوير: كركوك ناو 

وأضاف خيري "تم اصطحاب 11 امرأة من المخيمات الى منطقة قريبة من الحدود السورية، هناك سلّموهن 17 طفلاً ولدوا نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش، بعض هؤلاء النساء أنجبن اثنين أو ثلاثة أطفال في الفترة التي قضينها في الأسر، مجمل العملية جرت باطّلاع و مساعدة القوات الأمنية لحكومة الاقليم."

حول مصير النساء الـ11 بعد استلامهن لأطفالهن قال خيري ""تم ايواؤهن في مكان خاص في احدى مدن اقليم كوردستان وهن الآن يعشن رفقة اطفالهن."

وشدد خيري على أنهن "مخوّلات" باختيار العيش في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا أو عدة بلدان أوروبية، "قبل مغادرة النساء للمخيم، تم أخذ الموافقة من تلك البلدان وهنا اتفاق مسبق لاستقبالهن مع أطفالهن"، واشار خيري الى أن "المنظمة كانت تنوي اصطحاب عدد آخر من النساء في المستقبل لكنها أوقفت أعمالها بسبب بعض التداعيات."

جوهر علي، نائب أمير الايزيديين لشؤون الاعلام والعلاقات اضافة الى أحد النواب الايزيديين في بغداد أكدوا هذه المعلومات لـ(كركوك ناو).

سيطر مسلحو تنظيم داعش على قضاء سنجار في آب 2014، واختطف التنظيم ستة آلاف و 417 ايزيدي، تم تحرير أكثر من ثلاثة آلاف و 500 منهم، فيما لا يزال مصير أكثر من ألفين و 700 شخص مجهولاً، حسب آخر احصائيات حكومة اقليم كوردستان.

جوهر علي، نائب أمير الايزيديين قال لـ(كركوك ناو) "نُقِلَت الفتيات الى خارج المخيم بدعوى مقابلة البابا فرنسيس ومن ثم وُعِدن بأخذهن الى خارج العراق و لم شملهن بأطفالهن."

"لم يؤخذ برأينا بتاتاً، نحن مستاؤون جداً من هؤلاء الأشخاص، ندين هذا العمل بشدة ونطالب الحكومة، البرلمان والأمم المتحدة بإعادة هؤلاء الفتيات الى كنف عوائلهن بأسرع وقت وإعادة أطفال داعش الى سوريا."

(كركوك ناو) تحدثت الأحد الماضي، 14 آذار هاتفياً مع مدير المنظمة لكن الهاتف أُغلِق بعد توجيه بعض الأسئلة حول القضية، ولم تُجدِ بعدها الرسائل النصية والاتصالات عن طريق الفايبر و الواتساب نفعاً.

ezedy4
دهوك/ 2019 / مخيم كبرتوو الذي يضم غالبية من النازحين الايزيديين    تصوير: عمار عزيز

لا توجد حالياً احصائية رسمية بشأن عدد الأطفال المولودين من أمهات ايزيديات نتيجة الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش.

القانون لم يعالج المشكلة بصورة جذرية

قبل يوم من مغادرة الناجيات الايزيديات المخيم، صادق البرلمان العراقي على قانون الناجيات الايزيديات والذي نص على تعويض النساء اللائي تعرضن للاختطاف و أشكال متعددة من العنف مادياً ومعنوياً، بهدف تأمين حياة لائقة وكريمة لهن واعادة دمجهن في المجتمع.

لكن النائب الايزيدي في البرلمان العراقي حسين حسن نرمو قال في تصريح لـ(كركوك ناو) بأن "الفقرات والمواد الخاصة بالتعامل مع قضية أطفال داعش تم حذفها من القانون بإجماع البرلمان بناءً على طلب أمير الايزيديين والمجلس الروحاني الايزيدي".

بعد حذف تلك الفقرة، طوى الايزيديون ملف عودة الأطفال الذين ولدوا جراء الاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش الى أمهاتهم.

وقال جوهر علي بك، "قلنا عشرات المرات بأننا لن نستقبل طفلاً مولود من داعش... هذا الأمر يتعارض مع النصوص الدينية الايزيدية ولا يتقبّله مجتمعنا، هذا الموضوع بالنسبة لنا خط أحمر ومحسوم، لا داعي لطرق هذا الموضوع مرة أخرى، كما أ، مجلس النواب قرر بالإجماع حذف الفقرة الخاصة بأطفال داعش من القانون، هذا الموضوع قد انتهى."

حول قضية الناجيات الـ11، قال جوهر علي بك "ننتظر من حكومة الاقليم أن تعالج هذه المشكلة."

من جانبه، قال حسين قايدي، مدير مكتب انقاذ المختطفين الايزيديين –التابع لمجلس وزراء حكومة الاقليم ومقرّه في دهوك- لـ(كركوك ناو) " لم يتم الأخذ برأينا في هذا الموضوع و لسنا مسؤولين عما حدث، لا نعرف عنه أكثر مما تعرفون"، دون الافصاح عن معلومات أخرى.، وذلك في حين أن المكتب جهة رسمية تابعة لحكومة الاقليم للقضايا المتعلقة بالناجين من قبضة داعش.

خاليدا خليل، نائبة ايزيدية في البرلمان العراقي توافق رأي نائب أمير الايزيديين، حيث قالت لـ(كركوك ناو) "يجب احترام القانون وقرار المجلس الروحاني الايزيدي القاضي بعدم تسلّم أطفال داعش."

قمت بزيارة الناجيات من أسر داعش، 90 بالمائة منهن يقلن بأنهن غير مستعدات لاحتضان هؤلاء الأطفال

وأضافت "قمت بزيارة الناجيات من أسر داعش، 90 بالمائة منهن يقلن بأنهن غير مستعدات لاحتضان هؤلاء الأطفال، ان كانت آراء 10 أشخاص مختلفة فهذا لن يغير من الأمر شيئاً."

ويأتي ذلك في الوقت الذي طلبت فيه مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق في اجتماع عُقِد الأسبوع الماضي من النواب الايزيديين ايجاد حل لتلك القضية.

وقالت خاليدا "الأمم المتحدة تقول بأنه وردتهم بعض الشكاوى حول قضية تلك النساء، فقلنا بأننا صادقنا على قانون خاص في مجلس النواب وليس باستطاعتنا فعل المزيد... اذا زاد عدد الحالات فبإمكان الجهات المعنية حينها ايجاد حلّ للموضوع."

لكن خيري علي، مدير فرع سنجار للمنظمة الايزيدية للتوثيق يرى بأن القضية لن تُحَلّ بالصورة الحالية، "أخذ تلك الفتيات والنساء الايزيديات بتلك الطريقة سيكون له تبعات سيئة على عوائلهن، فقد بذلوا الكثير لكي يستعيدوهن من داعش، والآن اذا أُعطوا أطفالهن فمن المحتمل أن لا يتزوج بهن أحد، لأن ديننا لا يسمح لهن بالزواج من شخص آخر و تربية طفل مولود من داعش في الوقت نفسه."

 ويقول نائب أمير الايزيديين "أقترح إرسال جميع اطفال داعش الى الخارج، وعدم جلبهم الى كوردستان، لا شأن لنا بهؤلاء الأطفال، ما حدث كان خطأً كبيراً ومن فعلوا ذلك يريدون خلق الفتنة بين الايزيديين والقوميات الأخرى، لن نسكت عن الأمر الى أن يتم حل هذه القضية."

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT