التعرض للتهديد والإهانة
 يضيق الخناق على أتباع الديانة الزردشتية في دهوك

دهوك/ أيلول 2020/ مراسيم خاصة بالزردشتيين في مستهل افتتاح مقرهم قبل اجبارهم على الانتقال الى مكان آخر   تصوير: منظمة يسنا

عمار عزيز – دهوك

يمر أتباع الديانة الزردشتية (الزرادشتية) في دهوك بأيام صعبة، ليست لديهم أماكن معينة لأداء طقوسهم الدينية ويتعرضون للتهديد والمعاداة، وذلك في الوقت الذي يحق لهم بموجب القانون أداء طقوسهم الدينية بحرية في اقليم كوردستان العراق.

افتُتِح أول مركز خاص بالزردشتيين رسمياً في محافظة دهوك في أيلول 2020، لكن بعد فترة قصيرة طردوا من قبل مالك المكان واضطروا للتوجه الى منطقة أخرى، في الوقت الحاضر يمارسون بعض طقوسهم الدينية في مكان سري نسبياً دون يافطات تدل عليه.

"تعرضنا لتهديدات من بعض المتطرفين، بالأخص عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي. كانت العراقيل تكثر أمامنا لمنعنا من افتتاح مقر خاص بنا، لكننا لم نستسلم وافتتحنا مقرنا في دهوك"، هذا ما قالته هيلان جيا، ممثلة منظمة يسنا لتطوير الفلسفة الزردشتية.

  تأسست منظمة يسنا قبل أعوام وهي تابعة لمديرية شؤون الزردشتيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لحكومة اقليم كوردستان.

"مع افتتاح مقر المنظمة اشتدت الاحتجاجات والهجمات، ووصلت حد التهديد بالقتل، كما أنهم هددوا مالك المقر فطلب منا نزع يافطتنا، تقبلنا الأمر لكنه طلب منا بعد ذلك البحث عن مكان آخر"، حسبما قالت هيلان جيا لـ(كركوك ناو).

ممثلو الديانة الزردشتية في دهوك اضطروا للانتقال الى مكان آخر في المدينة قبل أن يستقروا في مقرهم الأول.

وقالت ممثلة منظمة يسنا، "مقرنا الحالي يقع في منطقة بعيدة عن الأنظار الى حد ما، القليلون فقط يعرفون مكانه لأننا لم نعلق أي يافطات أو لوحات للاستدلال عليه، وذلك من أجل سلامتنا وسلامة الزائرين."

واستطردت هيلان قائلة بأن الظروف ساءت لدرجة أنهم لا يستطيعون اقامة فعالياتهم بصورة علنية والذهاب الى الأماكن العامة.

zardashti (5)

دهوك/ أيلول 2020/ افتتاح أول مقر لأتباع الديانة الزردشتية    تصوير: منظمة يسنا 

عادت الديانة الزردشتية الى الظهور بعد قرون من اختفائها، وفي آذار 2015 تم تعريفها كديانة رسمية من قبل حكومة اقليم كوردستان.

"واجهنا مشاكل في دهوك فقط، لم تواجهنا مل تلك الظروف أثناء افتتاح مقراتنا في أربيل و السليمانية، لكن كان هناك أشخاص في دهوك يعارضون افتتاح مقرنا منذ البداية"، كما أكد آوات حسام الدين، ممثل شؤون الزردشتييين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة اقليم كوردستان.

وقال آوات لـ(كركوك ناو) "بعض المتشددين أبلغوا مالك المنزل الذي اتخذناه كمقر لنا بضرورة طردنا، لذا طلب منا ازالة اليافطة التي تحمل اسم المنظمة، بعدها ضغط عليه هؤلاء المتشددين من أجل اخراجنا من المنزل، فاضطر خوفاً لأن يطلب منا الذهاب الى مكان آخر."

ويأتي ذلك في حين أن الزردشتيين الى جانب تمتعهم بتمثيل في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية يحظون بإقرار رسمي حسب القانون.

بموجب قانون حماية حقوق المكونات في كوردستان – العراق، والذي صادق عليه برلمان كوردستان في عام 2015، تم تعريف الزردشتية كإحدى الديانات.

"لا نستطيع كتابة تعليق على فيسبوك بصفة زردشتي، لأننا سنتعرض حينها للتهديد والاهانات، بعضهم يقولون بأن مجالستنا في الأكل حرام أكثر من مجالسة كلب، أو يتحدوننا بالكشف عن مكاننا ويتهموننا بالاستخفاف بالإسلام"، هكذا تحدث آرام مهدي (31 سنة)، أحد اتباع الديانة الزردشتية في دهوك عن معاناتهم.

دخل آرام الديانة الزردشتية في عام 2014، طرد على إثرها من بيته، "نتعرض للسب والاهانات، يوجهون الاهانات لنا ولأهالينا وأقاربنا، تعرضت للتهديد أكثر من 15 مرة، ولست الوحيد، معظم الزردشتيين في دهوك يمرون بنفس الظروف، الأشخاص الذين يهددوننا هم اسلاميون متطرفون."

حسب متابعات (كركوك ناو)، أغلب التهديدات تصل الزردشتيين عن طريق رسائل الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى.

حول ذلك تقول هيلان جيا "لم يتعرض أي فرد منا للأذى الجسدي، لكننا نتعرض للإهانات اللفظية والتهديد بالقتل، تطرقنا لهذا الموضوع مع الشرطة والجهات الأمنية الذين أبيدوا تعاوناً كبيراً لحمايتنا."

بموجب قانون حماية حقوق المكونات، يُحظر التمييز ضد الزردشتيين، وهم أحرار في الكشف عن هويتهم الدينية، عباداتهم ومراسيمهم الدينية، لا يحق لأحد حرمانهم من ذلك الحق، وتلتزم الحكومة بحمايتهم و معاقبة المخالفين.

zardashti (4)
دهوك/ كهف جارستين الذي يعتبره الزردشتيون أحد أهم آثارهم الدينية   تصوير: منظمة يسنا

وقال آوات حسام الدين "هذا القانون تم تنفيذه على مستوى بعض الوزارات بنسبة 100 بالمائة، لكن بعض المديريات في المحافظات لا تعمل به، ي حين أنه قانون جيد جداً و مهم للزردشتيين وأتباع الديانات الأخرى، هذا القانون أدى الى ازالة الخجل والخوف عن البعض من اعتناق الديانة الزردشتية."

لم يتم ذكر الديانة الزرادشتية في أي نص قانوني في العراق، لكن الدستور ضمن كافة الحقوق الدينية للأفراد من حيث حرية المعتقد وممارسة الطقوس الدينية، فيما تلتزم الدولة بحماية حرية العبادات وأماكن العبادة.

روميو هكاري، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والدفاع عن حقوق الانسان في برلمان كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "لو أنهم كانوا قد عملوا بقانون حقوق المكونات حينها لم تكن المكونات لتواجه أياً من تلك المشاكل، ... للأسف جزء كبير من مواد وفقرات القانون لم يُطَبَّق."

ويلق روميو هكاري مسؤولية عدم تنفيذ القانون على حكومة وبرلمان اقليم كوردستان، دعياً الى ضرورة أن يقوم البرلمان بالمتابعة للوقوف على اسباب عدم تطبيق القانون. وتابع هكاري بأن اللجنة البرلمانية تخطط لإجراء تغييرات وتعديلات في القانون، دون التطرق الى مضمون تلك التغييرات.

لا توجد احصائية دقيقة بأعداد الزردشتيين في اقليم كوردستان، فيما تقدر أعدادهم في العالم بحوالي 200 ألف شخص، يعيش معظمهم  في الهند، ايران وأذربيجان.

ويقول ممثل شؤون الزردشتيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بأنه حسب الاستمارات التي تم ملؤها "يقدر عدد أتبا الديانة الزردشتية في اقليم كوردستان بـ15 ألف شخص... عددهم أكبر من ذلك لأن هناك الكثيرين ممن لا يجرؤون الكشف عن أنفسهم مخافة التعرض للمخاطر."

الزردشتيون افتتحوا معبداً لهم في السليمانية فقط، ويعتزمون فتح معابد خاصة بهم في كل من محافظتي أربيل ودهوك.

يقول آوات حسام الدين، "لدينا العديد من الآثار في دهوك والتي نطالب بترميمها، نسعى لأن تعين الحكومة رجل دين في دهوك لكي يشرف على الشؤون الدينية للزردشتيين."

يوجد في دهوك أكثر من 200 شخص من أتباع الديانة الزردشتية تتراوح أعمارهم بين 24 سنة و 60 سنة.

"هناك المزيد ممن يريدون اعتناق الديانة الزردشتية، لكنهم يخشون الكشف عن انفسهم"، حسبما قال آرام مهدي، أحد أتباع الديانة الزردشتية في دهوك، والذي أشار الى حدوث حالات فسخ الزواج بعد انكشاف اعتناق احد الزوجين للديانة الزردشتية.

وتابع آرام قائلاً بأن هناك أشخاص طردوا من وظائفهم بسبب كونهم زردشتيين، في حين لم تُتَّخذ أية اجراءات قانونية ضد المتهمين بتهديد واهانة أتباع الزردشتية بسبب عدم تسجيل دعاوى ضدهم، "تسجيل الدعاوى وتوكيل محامين يتطلب مصاريف كثيرة."

وقال آرام "في حال أردنا إقامة بعض فعالية ما، نحتاج الى مساعدة الأجهزة الأمنية."

الزردشتية هي ديانة الشعوب الآرية، و تعود بدايات ظهور الديانة الى أواخر القرن السابع قبل الميلاد. في الديانة الزرادشتية، يعتبر آهورا مزدا الإله الأوحد وخالق الوجود. يؤمن الزردشتيون بالبعث بعد الموت، المساءلة والجنة والنار.

المقدسات الأربع في الديانة الزردشتية هي: الماء، النار، الهواء و الأرض. يصلي أتباع الديانة الزرادشتية خمس صلوات في اليوم.

"قلنا منذ البداية بأننا نحمل رسالة السلام والتعايش لدهوك، نريد العيش بسلام مع الأديان و المكونات الأخرى، لن نستسلم و نعتزم فتح معابد خاصة بنا، سننشر المعتقد الزردشتي في منطقة بادينان ونحن متفائلون بأن الذين يعادوننا سوف يأتي يوم يتقبلوننا فيه"، حسبما قالت هيلان جيا.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT