الكورد في كركوك يوجهون أطفالهم نحو الدراسة العربية

العراق/ أحد الصفوف المزدحمة في مدرسة ابتدائية   تصوير: منظمة اليونسيف

ليلى أحمد

تتزايد يوماً بعد يوم أعداد العوائل الكوردية التي تُخرِج أبناءها من الدراسة الكوردية في كركوك و تنقلهم الى الدراسة العربية بحجة تأمين "مستقبل أفضل لهم"، وذلك بعد مرور 18 عاماً على السماح بالدراسة باللغة الكوردية التي كانت محظورة في المحافظة أثناء فترة حكم نظام البعث لغاية سقوطه في عام 2003.

إخراج الأطفال من قسم الدراسة الكوردية بدأ منذ سنوات بصورة طوعية، حيث يحرص الآباء والأمهات على أهمية تعلم أطفالهم اللغة العربية لكي تكون فرصهم أكبر للحصول على وظائف في المستقبل.

شهلاء بكر (42 سنة)، واحدة من  تلك الأمهات و التي قررت نقل اثنين من أطفالها في المرحلة الابتدائية الى الدراسة العربية، أما طفلها الثالث فقد سجّلته منذ البداية في مدرسة عربية.

"خفنا على مستقبل أبناءنا، تلك كانت أفضل خطوة اتخذناها و لسنا نادمين عليها، الآن يقرؤون ويكتبون باللغة العربية"، واشارت شهلاء الى أن "الدراسة الكوردية كانت تعاني من العديد من المشاكل، كانت ضعيفة، لم يكن الأطفال يتعلمون شيئاً فيها لذا اتخذنا ذلك القرار."

هيوا عبدالله (46 سنة)، أب لثلاثة أبناء قال لـ(كركوك ناو) "شعرت بأن الكورد يُهَمّشون في هذه المدينة منذ أحداث 16 أكتوبر، كانت هناك صراعات قومية بين الدراستين الكوردية والعربية فيما يخص التعيينات في القطاع الحكومي، لذا قلنا من الأفضل أن نقلق منذ الآن على مستقبل أطفالنا."

في 16 أكتوبر 2017، أعادت الحكومة العراقية في اطار عمليات فرض القانون القوات الاتحادية الى كافة المناطق المتنازع عليها، من ضمنها كركوك، وانسحبت القوات التابعة لحكومة اقليم كوردستان، عقب تلك الأحداث فقد الكورد منصب محافظ كركوك اضافةً الى عشرات المناصب الحكومية و الأمنية الأخرى، الأمر الذي خلق حالة من الخوف والقلق بين بعض العوائل التي قالت بأن ذلك أثر عليهم وجعلهم يقررون نقل أطفالهم الى الدراسة العربية.

لصراعات السياسية والقومية محتدمة، أخشى أن لا تكون للدراسة الكوردية أي جدوى لمستقبل أطفالي

وقال عبدالله، "الصراعات السياسية والقومية محتدمة، أخشى أن لا تكون للدراسة الكوردية أي جدوى لمستقبل أطفالي"، لذا قرر عبدالله إخراج ابنه الأكبر ونقله الى الدراسة العربية، أما ابناه الآخران فقد سجلهما منذ البداية في الدراسة العربية.

"حكومة الاقليم لا توفر فرص تعيينات لخريجي الدراسة الكوردية، لا تقوم بمبادرات و لا تلتفت لمشاكلهم"، على حد قول عبدالله.

maktab

كركوك/ أحد صفوف الدراسة الكوردية   تصوير: كركوك ناو 

تمر الدراسة الكوردية في كركوك منذ عام 2014، اسوةً بمثيلتها في محافظات اقليم كوردستان بظروف غير مستقرة، في ظل الاضراب المتكرر للكوادر التدريسية فيها عن الدوام بسبب تداعيات الأزمة المالية و تأخر صرف رواتبهم واستقطاعها.

ما لا يقل عن ثمانية آلاف مدرس، معلم وموظف في قطاع الدراسة الكوردية في المناطق المتنازع عليها متعينون ضمن مِلاك حكومة اقليم كوردستان، لكن دراستهم تابعة لوزارة التربية في الحكومة العراقية.

أحد المشاكل الكبيرة التي تواجه خريجي الدراسة الكوردية هي عدم مقدرتهم على تعلم اللغة العربية ما يشكل عائقاً كبيراً أمامهم أثناء قبولهم في المعاهد والجامعات.

 محمد عبد المناف، أكمل الدراسة الكوردية في كركوك في عام 2019 و تم قبوله في المعهد الطبي في الموصل، يقول محمد "الاساتذة يلقون المحاضرات باللغة العربية، لا أفهم شيئاً مما يقولون، أواجه مشكلة عويصة ولا أستطيع أن أتحدث أو أكتب باللغة العربية". يسعى محمد نقل دراسته الى أحد المعاهد في كركوك أو اقليم كوردستان، لكن مساعيه لم تفلح لحد الآن.

الاساتذة يلقون المحاضرات باللغة العربية، لا أفهم شيئاً مما يقولون

ويأتي ذلك في اوقت الذي تعتبر الدراسة مسموحة باللغتين في جامعات و معاهد العراق، لكن المشكلة هي أن الأساتذة الكورد هم فقط بإمكانهم التدريس باللغة الكوردية.

يهمّ محمد أن يدرس الناس بلغتهم الأم، لكنه طالب حكومة اقليم كوردستان بإيجاد حل لتلك المشكلة.

لا توجد احصائية رسمية حول عدد الذين تركوا الدراسة الكوردية صوب الدراسة العربية لكن أغلب المدرسي والمعلمين الذين تحدثت معهم مراسلة (كركوك ناو) أكدوا بأن العدد كبير وأن كل مدرسة شهدت العشرات من هذا القبيل خلال السنوات القليلة الماضية.

في أواخر عام 2019، أطلق عدد من التدريسيين والمختصين التربويين حملة تحت اسم "الدراسة باللغة الأم"، وذلك بعد أن شعروا بتراجع أعداد الطلاب في قطاع الدراسة الكوردية. الهدف من الحملة كان تشجيع الآباء و الأمهات على عدم إخراج أطفالهم من الدراسة الكوردية.

سلام عزيز، أحد أولئك المعلمين الذين يعارضون إخراج الأطفال من الدراسة الكوردية قال لـ(كركوك ناو) "العدد كبير، في كل مدرسة هناك العشرات من الطلاب ممن توجهوا نحو الدراسة العربية، هناك بعض المدارس الخاصة باللغة العربية تضم 700 الى 800 طالب كوردي من مجموع 1500 طالب وهم غير مستعدين للالتحاق بالدراسة الكوردية."

تشير احصائية لقسم الدراسة الكوردية في تربية كركوك الى أن عدد الطلاب الكورد المسجلين في الصف الأول الابتدائي للعام الدراسي (2019-2020) كان اقل بما يقرب من ثلاثة آلاف طالب مقارنة العام الدراسي الذي سبقه، ما يدل على أن العوائل الكوردية في كركوك قد وجهت بوصلتها نحو الدراسة العربية.

سلام عزيز يعمل منذ أربع سنوات على اعداد مشروع لتحسين وتطوير مناهج الدراسة الكردية ومن المقرر أن يسلم المشروع الى وزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان، حول ذلك قال "من الضروري أن نقوم بشيء يجعل الطلاب يشعرون بالاطمئنان بشأن مستقبلهم، تحديداً بما يخص ايجاد فرص العمل، كما يجب أن يكون التدريسيون و الطلاب نفس امتيازات الدراسة العربية وعدم تجاهلهم، الى جانب تكييف المنهج الدراسي مع البيئة السائدة في كركوك."

وأضاف "كان من المقرر أن نقدم مثالاً يحفز الطلاب على الانتقال من الدراسة العربية الى الدراسة الكوردية وليس العكس."

كان من المقرر أن نقدم مثالاً يحفز الطلاب على الانتقال من الدراسة العربية الى الدراسة الكوردية وليس العكس

كما شدد سلام عزيز على أهمية "العمل على مستوى رفيع من أجل إلزام اساتذة المعاهد والجامعات بالتدريس باللغتين الكوردية والعربية... ابنتي التي تدرس حالياً في الجامعة تواجه معضلات مع اللغة العربية، لأنها درست باللغة الكوردية، لا يوجد قانون يتيح لابنتي أن تجيب على أسئلة الامتحانات باللغة الكوردية، في حين أن اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية الثانية في العراق"، ويرى سلام بأن المشكلة يمكن حلها بقرار من الجهات العليا، لا عن طريق الحملات.

منذ أحداث 16 أكتوبر 2017، نقل العشرات من المعلمين والمدرسين خدماتهم الى محافظات الاقليم ولم يعودوا الى كركوك، ما أدى الى نقص في الملاكات التدريسية و فاقم ظاهرة إخراج الأطفال من الدراسة الكوردية ونقلهم الى الدراسة العربية، حسبما قال شيرزاد رشيد، مدير قسم الدراسة الكوردية في تربية كركوك.

وتابع شيرزاد قائلاً "لدينا قرار جديد يمنع الآباء والأمهات من نقل أطفالهم الى الدراسة العربية قبل اجتيازهم الصف السادس الابتدائي، لكن باستطاعتهم تسجيلهم من الصف الأول في الدراسية العربية، رغم ذلك تقدم العديد من العوائل يومياً طلبات لنقل أطفالهم."

ويرى مدير قسم الدراسة الكوردية بأن القرار ليس الا حل مؤقت للمشكلة وقال "هناك العديد من الأطفال في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي ممن يمتلكون درجة عالية من الذكاء، على الرغم من ذلك يصر آباؤهم على نقلهم الى الدراسة العربية، هذا الأمر بات يحيرنا ايضاً."

   

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT