مزارع الرمان في قضاء المقدادية او ما يعرف محليا بـ"شهربان" في ديالى، الافضل من ناحية الجودة واللون والحجم ايضا، يضرب بها المثل لحلاوة ثمرها ولكنها ايقونة لم يتم الحفاظ عليها على مدى السنوات الماضية وتعاني الاهمال والاندثار.
فهذه المنطقة بدأت تفقد رمانها المشهور يوما بعد اخر، نتيجة للاهمال الحكومية من جهة، والتهديدات الأمنية التي تطال الفلاحين من جهة أخرى، بعدما عاصرت سيطرة التنظيمات المتشددة بعد عام 2003، مثل تنظيم القاعدة و"داعش"، ولكنها لحد الان لم تتخلص من معاناتها بعد.
علوان محمد، شاب لم يتخطى العشرين من عمره يسكن مع والده المزارع المخضرم واخوته الخمسة في مزرعتهم التي لا تفصلها عن قرية "سنسل" سوى نهر ديالى.
بعد النزوح عقب انتشار تنظيم داعش في تلك المنطقة عام 2014، عاد محمد بعد إصرار والده إلى ارضهم عام 2016، وحاولوا ان يعيدوها الى ما كانت عليه الا ان المشكلات كثيرة واجهتم.
ازمات داخل ازمات
"بعد الخلاص من داعش ظننا ان المشكلة انتهت وان شهرة شهربان ستعود لمكانتها وتطرح الفواكه التي كنا معتادين على المشي بين عروشها، الا ان احلامنا انصدمت بوجه الحقيقة"، يقول محمد.
الحكومة لم تمنع استيراد الفواكه المستوردة التي تنافس المحلي
فقد عانى هذا الفلاح حاله حال سكان المنطقة من شحة في مياه نهر ديالى الذي يغذي المنطقة، وفي موسم الحصاد، فانه لا يجد سوقا لبضاعته خاصة وان "الحكومة لم تمنع استيراد الفواكه المستوردة التي تنافس المحلي".
من جهته ابو محمد المزارع خمسيني فضل الكنية بدل اسمه، تحدث لـ(كركوك ناو) عن عودة خجولة للزراعة في منطقة شهربان ولكنها اصطدمت بالإهمال الحكومي ووضع الأمني المتردي.
"بساتين الرمان في شهربان يمكن ان تسد حاجة العراق ونصدر منه، وقد حاولت مع ابنائي ان نستصلح الارض ولكن غياب دور وزارة الزراعة على مدى السنوات الست الماضية وغياب الامن أفقد المزارعين الدافع بالعمل، والتجئوا إلى مجالات اخرى وهجروا مزارعهم"، يقول أبو محمد.
وتطرق إلى قضية شحة المياه، وصعوبة استغلال المياه الجوفية، التي تناقص مستواها الى اكثر من 12 متراً تحت الأرض، لذا من الواجب ان تستخدم الالات كهربائية لرفع المياه وهي تحتاج الى وقود "الكاز" الذي لا يستطيع الفلاح توفير ثمنه، لو كانت الحكومة داعمة للوقود مثلا لحلت الازمة المياه.
رئيس اتحاد الفلاحين رعد التميمي اكد لـ(كركوك ناو) غياب الدعم الحكومي للفلاح في تلك المنطقة وقال: ان الحكومة لا تقدم عونا للفلاح ولا تدعم الزراعة والمحاصيل التي ينتجها وتفضل استيراد المحاصيل من الخارج".
المشكلة الأمنية.. المعضلة الكبرى
بالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة من خطر الجماعات المسلحة حيث منطقتهم "لا تخلو من فلول عناصر تنظيم داعش، رغم قلة عددهم الا انهم موجودين ويسببون الخوف لكل من يود الوصول لارضه في قرية سنسل والعمل على اعادة احياءها" يقول علوان محمد الفلاح الشاب.
قرى شمال المقدادية التي كانت مصدر الرمان في ديالى مهددة باربعة او خمسة عناصر من داعش مازالوا يختبئون بينها
"قرى شمال المقدادية التي كانت مصدر الرمان في ديالى ومساحتها اكثر من 4000 دونم مهددة باربعة او خمسة عناصر من داعش مازالوا يختبئون بينها"، على حد قول رئيس اللجنة الزراعية في مجلس ديالى المنحل حقي الجبوري.
وأوضح لـ(كركوك ناو) انه ووجه الى الوزارات المعنية بالامن نداء للقضاء على هذه العناصر، الا ان نداءاته لم تلق جواباً، ونوه الى ان اعداد عناصر داعش "قليلة جدا" والمنطقة تحولت الى جرداء بسببهم.
فقدان خمسة الاف طن من الرمان
"ديالى للموسم السادس على التوالي تفقد اكثر من خمسة الاف طن من رمان شهربان سنوياً الذي يعد الاجود بثماره في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام، والذي كان ينتج بغزارة من خلال بساتين مترامية الاطراف في شمال قضاء المقدادية والمناطق المحيطة به"، حسب رئيس اللجنة الزراعية.
وان بساتين شمال المقدادية والتي تشكل غابة للرمان تصل مساحتها الى اكثر من اربعة الاف دونم هي الاكبر في العراق والشرق الاوسط وكان تشكل مصدرا اقتصاديا ممتازا للمزارعين.
الا ان 90 بالمئة من اشجار تلك البساتين هلكت بسبب الاضطرابات الامنية والجفاف وعدم قدرة الاهالي على الوصول اليها بسبب الالغام والمخاوف الامنية حسب قول الجبوري.
90 بالمئة من اشجار الرمان هلكت بسبب الاضطرابات الامنية والجفاف
وكشف ان رمان شهربان كان يغطي نحو 30 بالمئة من حاجة اسواق العراق، اما الان فإن العراق يستورد رمان من 10 دول عربية واجنبية بملايين الدولارات.
"ديالى تمتلك اكبر غابة في الشرق الاوسط يمكنها، ان دعمتها الحكومة واعادة انعاشها، ان تحقق الاكتفاء وتوفر فرص عمل كبيرة وتخلق انتعاش اقتصادي"، يوكد الجبوري.