نازحو مخيم الجدعة بين الاحتضان والنبذ
هل سيصبحون قنبلة موقوتة في العراق؟

نينوى/ أيار 2021/ عدد من الأطفال الساكنين غي مخيم الجدعة للنازحين بناحية القيارة   تصوير: إعلام وزارة الهجرة والمهجرين العراقية

عمار عزيز – نينوى

رغم تصاعد الاحتجاجات، عشرات العوائل النازحة التي كانت في سوريا يتم نقلهم الى نينوى. الجدل القائم هو فيما إن كانوا جميعهم عوائل مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ومناصريهم أم لا، لكن الحكومة تنأى بنفسها عن الموضوع وتقول بأن هؤلاء النازحين قد يتحولون الى قنابل موقوتة في العراق في حال تهميشهم.

رغم معارضة قسم من أبناء المكونات المختلفة في نينوى والمسؤولين الحكوميين، أعادت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في 25 أيار 2021 الوجبة الأولى من النازحين من مخيم الهول بسوريا الى مخيم الجدعة جنوب الموصل.

وشملت تلك الوجبة 94 عائلة متألفة من 383 شخصاً، معظمهم أطفال ونساء ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، حسب بيان لوزارة الهجرة والمهجرين.

مزاحم حويت، المتحدث باسم القبائل العربية القاطنة في مناطق نينوى المتنازع عليها، قال لـ(كركوك ناو) "نقل عوائل وأقارب داعش الى الجدعة إهانة كبيرة لجميع أهالي نينوى، لم نكن نتوقع أن تقوم الحكومة بأمر كهذا."

وشدد حويت على أن "المسؤولين في إدارة (غرب كوردستان) شمال سوريا قالوا بأن الذين تمت إعادتهم جميعهم عوائل داعش، لا يزالون متعاطفين مع داعش وليسوا جميعهم من أهالي نينوى، بل ينحدرون من عدة محافظات عراقية أخرى."

إعادة تلك العوائل تم التخطيط لها منذ أكثر من عام وقد تأجلت العملية عدة مرات بسبب تصاعد الاحتجاجات.

إذا اتضح بأنهم من عوائل داعش فسوف ننظم تجمعات واحتجاجات حاشدة

علي عباس جهانكير، المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين لفت في بيان الى أن الذين تمت إعادتهم "ليسوا أقارب مسلحي داعش" وثبُت أنه ليست لديهم مشاكل أمنية، وأن العملية لم تكن عشوائية بل تقرر إعادتهم بعد دراسة شاملة ومستفيضة، تحت إشراف الأجهزة الأمنية.

وقال جهانكير "هذه الفئة بحاجة الى إعادة الحياة الطبيعية لها، بالأخص الأطفال، حيث من الممكن أن يتحولوا الى قنابل موقوتة ويلحقوا الضرر بأنفسهم و مجتمعاتهم إذا تعرضوا للإهمال وللتهميش."

يبعد مخيم الجدعة (1) أقل من 100 متر من قرية الجدعة، ويبعد 15 كيلومتراً عن مركز ناحية القيارة، وتوجد قريتان أخريتان بالقرب من المخيم.

تُعَد القيارة (60 كم جنوبي الموصل) أكبر نواحي نينوى، وكانت لغاية أيار 2016 تحت سيطرة تنظيم داعش، وقُتِل العشرات من أهالي تلك المنطقة على يد مسلحي داعش، أغلبهم منتسبون أمنيون، لكن لا تتوفر إحصائية رسمية ودقيقة حول عدد الضحايا من المدنيين.

"نرفض بكل الأشكال نقل نساء وأقارب داعش الى الجدعة، موقفنا واضح وثابت"، هذا ما قاله الناشط المدني و عضو مجلس القيارة الثقافي محمد الطعماوي، لـ(كركوك ناو).

ezidi-12

نينوى/ أيار 2021/ تجمع احتجاجي لأهالي سنجار ضد عودة "الدواعش وعوائلهم" وللمطالبة بتحرير المختطفات الايزيديات   تصوير: أُرسِلت الى (كركوك ناو) من قبل المتظاهرين 

ويرى الطعماوي بأن نسبة 20% من العوائل التي تم نقلها الى مخيم الجدعة  من أهالي نينوى، أما البقية فمن أهالي بغداد والمحافظات الأخرى، "في الوقت الحاضر، الناس ساكتون لأنه يقال بأنهم ليسوا جميعاً عوائل داعش، إذا اتضح بأنهم من عوائل داعش فسوف ننظم تجمعات واحتجاجات حاشدة."

وحذر الناشط محمد الطعماوي من أنه في حال إعادة دفعة أخرى من النازحين من مخيم الهول حينها "سنمنعهم وسيكون لنا موقف حازم."

خلال الأعوام السابقة، تسببت عودة أشخاص متهمين بمعاونتهم لداعش احتجاجات واسعة في عدة مناطق من نينوى ، أسفرت عن حدوث صدامات وتوترات في بعض منها، بالأخص القيارة.

رفعت سمو، معاون محافظ نينوى للشؤون الادارية قال لـ(كركوك نلو)، "يقع مخيم الجدعة في القيارة وهي منطقة حساسة جداً، قام مسلحو تنظيم داعش بقتل عدد كبير من أهالي المنطقة، معظمهم من منتسبي الشرطة وتخلّصوا من جثثهم، لذا فإن هؤلاء الناس ساخطون جداً على داعش ونخشى أن يمتد الأمر الى حدوث مشاكل و صدامات بين الأهالي والعوائل التي تمت إعادتها من مخيم الهول."

يضم مخيم الجدعة 500 خيمة وقد تم فتحة بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية (IOM) لإيواء العوائل العراقية المقينة في مخيم الهول بسوريا.

مخيم الهول  هو أحد أكبر المخيمات في سوريا و يقع شرقي مدينة الحسكة. يضم المخيم 72 ألف شخص معظمهم من أقارب مسلحي داعش ، بينهم نساء و أطفال أجانب، سوريون و عراقيون.

حاولت (كركوك ناو) على مدى اسبوع التحدث مع أحد العوائل القاطنة في مخيم الجدعة، غير أنها لم تتمكن من الحصول على الموافقات الخاصة بزيارة المخيم وأخذ تصريحات من سكان المخيم.

يتواجد أكثر من 30 ألف مواطن عراقي، بينهم زوجات وأطفال مسلحي داعش، في مخيم الهول بسوريا، وتسعى الحكومة الى إعادتهم بعدة مراحل.

جميع الذين تمت إعادتهم الى الجدعة مرتبطون بداعش

"من المقرر أن تعيد الحكومة العراقية في غضون الأيام القليلة المقبلة 100 عائلة أخرى الى مخيم الجدعة، الى أن يمتلأ المخيم بعوائل داعش"، حسبما قال شيروان الدوبرداني، رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان العراقي.

وأكد النائب عن محافظة نينوى بأن "جميع الذين تمت إعادتهم الى الجدعة مرتبطون بداعش، إما اشقاؤهم أو أزواجهم من عناصر داعش، لا يُشتَرَط أن يكون أقرباؤهم في تنظيم داعش قد قُتِلوا، بعضهم يعيشون في محافظات العراق الأخرى وبعضهم الآخر ذهبوا الى تركيا."

تُخَصّص لكل عائلة نازحة خيمة مستقلة، لا يتم الفصل بين النساء وأطفالهن، يوجد بين النازحين عدد قليل من الرجال من كبار السن.

يقول الدوبرداني، "لا يمكن أن تبقى تلك العوائل في مخيم الهول الى الأبد، العراق مضطر لأن يستقبلهم، ولا شك بأن الأمم المتحدة وبعض الدول الأخرى قد مارست الضغط على الحكومة العراقية من أجل استقبالهم."

gayara-1

نينوى/ نيسان 2017/ عبارة "الدم بالدم" مكتوبة على جدار منزل مهدم في القيارة لشخص متهم بدعم مسلحي تنظيم داعش   تصوير: كركوك ناو 

في مطلع عام 2019، اقترحت الأمم المتحدة على الحكومة العراقية أن لا تعزل العوائل العراقية العائدة من مخيم الهول في مخيم معين، بل طلبت دمجهم مع سكان المخيمات الأخرى لكي لا يتعرضوا للغدر مرة أخرى.

ويقول المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية بأن الوزارة تعمل بالتنسيق مع المنظمات الدولية على وضع برنامج خاص بالتأهيل النفسي للنازحين العائدين من مخيم الهول، نظراً للجرائم والانتهاكات الكبيرة التي شهدوها خلال فترة سيطرة داعش لكي يتمكنوا من الاندماج مجدداً داخل المجتمع.

ايزيديو نينوى أيضاً أبدوا رفضهم لإعادة نازحي مخيم الهول واصفين الأمر بـ"الخَطِر"، مخاوف الايزيديين نشأت بعد هجمات تنظيم داعش على مناطقهم، والذي أسفر عن مقتل أكثر من ألف ايزيدي و اختطاف ما يزيد عن ستة آلاف آخرين من ذلك المكون.

وفقاً لمتابعات (كركوك ناو) المئات من النساء والفتيات الايزيديات اللائي يعشن في مخيم الهول غير قادرات على العودة الى العراق بعد تحريرهم من قبضة داعش لأسباب متعددة تتعلق بالخوف، إنجاب أطفال من مسلحي داعش و تغيير الديانة.

وقال معاون محافظ نينوى "طلبنا رسمياً  من مسؤولي العراق عشرات المرات عدم إعادة عوائل داعش الى الموصل، كما تطرقنا الى التداعيات والمخاطر المترتبة عن ذلك، لكنهم لم يعيروا لنا أي اهتمام."

ولفت رفعت سمو الى أن من المقرر نقل 400 عائلة أخرى من الهول الى الجدعة فيما يقول المسؤولون "هذه العوائل ليست لها صلة بداعش وملفاتهم نظيفة ولا تشوبها شائبة، لكننا لا نصدق ذلك."

تشرف وزارة الهجرة والمهجرين بصورة مباشرة على مخيم الجدعة، وهي التي تتولى تأمين مستلزمات المخيم اليومية بمساعدة المنظمات الدولية.

هؤلاء الأشخاص لا يُحاكمون، لأن لا أحد يعرفهم وأغلبهم لا يملكون شهادات الجنسية

وقال النائب شيروان الدوبرداني، "هؤلاء الأشخاص لا يُحاكمون، لأن لا أحد يعرفهم وأغلبهم لا يملكون شهادات الجنسية، ينبغي أن يسجّل البعض دعاوى ضدهم لكي تقوم المحكمة بالتحقيق حول تلك الدعاوى."

 وأشار تقرير سابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش الى أن النساء هن رؤساء عوائل في أغلب البيوت العراقية الموجودة في مخيم الهول ولديهن عدد كبير من الأطفال، بعضهن ممن فروا من قبضة داعش في مناطق مختلفة من العراق.

 "ليست لدينا مشاكل مع عودة أي نازح الى الجدعة، ما نخشاه هو الفكر الداعشي، الذين يدّعون بأن العوائل العائدة ليسوا مرتبطين بداعش لا يصدِقون، لا تزال نساؤهم تتأملن عودة الدولة الاسلامية"، على حد قول أبو رواس عمر، من سكنة ناحية القيارة.

وقال أبو رواس لـ(كركوك ناو)، "المئات من أهالي القيارة قُتِلوا على يد مسلحي داعش، بعد طرد داعش قلنا بأننا قد تخلّصنا من بلاءٍ كبير، لكن يبدو بأننا سنواجه هذا البلاء مجدداً، كان على الحكومة العراقية أن تحترم ذوي ضحايانا وأن لا تقوم بإعادة عوائل داعش."

zwmar (2)
نينوى/شباط 2020/ غلق ابواب مخيم العملة في الزمار الذي تم بناؤه لغرض ايواء عوائل مقاتلي داعش تصوير: اعلام نائب محافظ نينوى

 في حزيران 2014، اجتاح تنظيم داعش أغلب مناطق محافظة نينوى قبل أن تتم استعادة كافة تلك المناطق أواخر عام 2017.

صالح حسين، مدير ناحية القيارة، قال لـ(كركوك ناو)، "جميع أهالي القيارة غير راضين، لكن القرار قد صدر من بغداد ولا نستطيع رفض تنفيذه، العوائل التي أُعيدت جميعها ذات صلة بداعش وأغلبهم من أهالي الموصل والأنبار."

تشكّل النساء و الأطفال نسبة 90 بالمائة من العوائل العائدة.

وأضاف مدير ناحية القيارة بأن "الحكومة تنوي نقل عدة وجبات أخرى من عوائل داعش الى الجدعة."

في أواخر عام 2019، خططت الحكومة العراقية لبناء مخيم يدعى مخيم العملة في ناحية الزمار، شمال غربي محافظة نينوى، لكن ضغوط الأهالي ومسؤولي المنطقة أسفرت عن تعليق العمل في المشروع بصورة مؤقتة.

تسعى الأمم المتحدة عن طريق تشكيل عدد من اللجان، بالتعاون مع المسؤولين الأمنيين والاداريين وعشائر المنطقة الى بث المصالحة وإعادة العوائل المتهمة بدعمها لتنظيم داعش أو صلتها بعناصر في التنظيم، لكن الأصوات النابذة لتلك العوائل في نينوى لا تزال طاغية على تلك الداعية لاحتضانها.  

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT